IMLebanon

لبنان ينزلق إلى… الدولة الفاشلة

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:

… كأنّها الأرضُ تنهار تحت أقدام اللبنانيين الذين يُخشى أن أحداً منهم لن يكون بمنأى عن زلازل بدأت ارتجاجاتُها تزداد مع اتساع مظاهر «سقوط الدولة» ووقوع إداراتها ومؤسساتها في الحفرة المالية السحيقة التي لم تنفكّ تتعمّق منذ نحو 30 شهراً.

وعلى وقْع انعدامِ مؤشراتِ إمكان إحداث صدمة إيجابية وشيكة في السياسة تفكّ ارتباطَ الوطن الصغير بصراعاتِ المنطقة وحروبها الباردة والساخنة، يتمدّد قوسُ الأزماتِ فوق الجغرافيا اللبنانية التي تتنافس البقع الحمراء على خرائطها… من الكوارث المالية وأخواتها التي تشي بمزيد من العصْف، وخروج الإدارات العامة «عن الخدمة» مُنْذِرةً بتعطيل مرافق أساسية وباختناقاتٍ تطول مختلف أوجه الحياة اليومية وبتشظياتٍ على عجلة القطاع الخاص الذي بالكاد يقاوم طوفان الانهيار، مروراً باشتداد الانقطاعاتِ في سلع استراتيجية مثل الخبز، ودوران الاحتجاب الفضائحي لـ «كهرباء الدولة» في حلقةٍ مفرغة من «عتمة لِما بين 20 و22 ساعة في الـ 24، إلى عتمة شاملة»، وليس انتهاءً بمسلسلِ الحرائق «الموعودة» وسيناريواتها المكشوفة.

 

وفيما انشغل العالم أمس بالمحطة الـ ما فوق عادية للرئيس الأميركي جو بايدن في الاقليم والتي بدأها من اسرائيل ويتوّجها غداً بزيارة السعودية، وسط وقوف الشرق الأوسط على مشارف اصطفافاتٍ جديدة خلف جداريْ السلام والأمن القومي والاقليمي، كانت الأزماتُ تقسو على اللبنانيين بعدما أصبحوا أمام مروحةٍ قاتِلة من انزلاقاتٍ معيشية تُنْذِر بأن تَخْرُجَ عن السيطرة وتستجرّ اضطرابات اجتماعية أعمق وربما أمنية، وسط مخاوف من أن يُفاقِم تظهيرُ تَحَلُّل الدولة ظواهر خارجة عن القانون تبدأ بجرائم السرقة وغيرها وصولاً

لـ «تحليلِ» حرْق الثروة الحُرجية «عن سابق تَصَوُّر وتصميم» بهدف الحصول على حطب للتدفئة أو للبيع، وفق ما جزم معنيون في تفسيرهم «عاصفة النار» التي هبّت في الأيام الأخيرة… والخشية من «آتٍ أعظم».

وبدا أمس أن لا مكان في أجندة اللبنانيين لرصْد ما يُكتب في المنطقة ولها ولا المدخل الذي سيُقارَب منه الوضع في «بلاد الأرز» في جولة بايدن كما في القمة مع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن وهل سيكون من زاوية أمنية متصلة بأدوار إيران عبر أذرعها، و«حزب الله» في مقدّمها، أم من بابٍ يؤكد مسؤولية الدولة اللبنانية في معالجة «المشكلة في لبنان ومعه».

وحده الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله أطلّ مساءً من خارج «الحلبة المحلية» وحروبها الصغيرة، متناوِلاً «في حضرة» بايدن ملفات الساعة اللبنانية خصوصاً الاقليمية ومتطرقاً للمرة الأولى إلى عملية المسيَّرات فوق حقل كاريش التي كان أوّل الخيط فيها يرتبط بخطوط الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل، وآخِره بمعركة ترسيم النفوذ في المنطقة وفرْملة رفْد اوروبا ببديلٍ عن الغاز الروسي من شأنه أن يُضْعِف موقع موسكو في الحرب على أوكرانيا ويمنح الغرب هامشاً أوسع لتعميق مسار الضغط الأقصى عليها.

أما «اللبنانيون المحليون»، فانشغلوا بدويّ «أجراس الإنذار» التي انهالت عليهم بإزاء مخاطر تتصل بتراجُع احتياطي مصرف لبنان من الدولار وعدم تقدُّم مسار الإصلاح، كما بـ «التمييز النقدي» للقضاة دون موظفي القطاع العام بهنْدسةٍ مالية استنسابية من «المركزي» في احتساب رواتبهم بما ضاعفها بنحو 6 مرات، ناهيك عن استجرار أزمة الرغيف إشكالاتٍ في أكثر من منطقة تَخَلَّلَ بعضها سقوط جرحى كما في طرابلس بعد «تَسابُق» مواطنين على ربطة خبز باتت تنافسهم عليها عصاباتٌ تتاجر بلقمة الفقير في لعبة مقيتة توسّعت معها أعمال السوق السوداء من خلف ظهر طوابير ذلّ ارتسمت منذ ساعات الفجر الأولى.

وسجّلت مؤشرات أسهم التأزم الشامل ارتفاعاً غير مسبوق في منسوبِ المخاوف الكبرى من اتجاه البلاد نحو مصير «الدولة الفاشلة»، وسط رصْدِ الوقائع الآتية:

• تحذير رئيس البرلمان نبيه بري في إشارة ضمنية إلى موضوع رواتب القضاة في الخدمة من أن «التمييز القائم بين فئة وأخرى من موظفي القطاع العام سيؤدي إلى انهيارات أكبر من الانهيار المالي والاقتصادي الحاصل، وسيكون له تداعيات اجتماعية واقتصادية لا تحمد عقباها»، داعياً بعد سلسلة اتصالات أجراها مع المعنيين «إلى تصحيح هذا الأمر، حتى لو اقتضى تجميده فوراً اليوم وقبل فوات الأوان».

وجاء هذا التطور بعدما هدّد أمين سر الهيئة الوطنية للمحاربين القدامى، عماد عواضة (في حديث لموقع «النشرة» الالكتروني) من «أن متقاعدي القوى المسلحة قرروا إقفال وزارة المال مصلحة الصرفيات ومبنى الواردات بشكل دائم، في حل إعطاء أي زيادة أو تسوية تفردية لموظفي وزارة المال دون بقية الموظفين والمتقاعدين، وإذا لم تتوقف مهزلة الزيادة للقضاة».

وتزامن ذلك مع إعلان رؤساء الوحدات في وزارة المال الإضراب المفتوح، في بيان شددوا فيه على «اننا لن نعمل إلا بعد دفع رواتب موظفي المالية وفقاً لمعادلة 8000 ل.ل.» أي تلك التي اعتُمدت لاحتساب رواتب القضاة بعد تحويلها أولاً إلى الدولار على السعر الرسمي 1500 ليرة.

وأفاد بيان عن رؤساء مديرية الواردات والضريبة والصرفيات والمحاسبة العامة، والدين العام، ومالية النبطية ولبنان الشمالي وعكار وجبل لبنان وبعلبك – الهرمل، ومديرية الخزينة انهم «قرروا إزاء اللاجدية والاستنسابية عدم العودة إلى العمل، ولا حتى الحضور لمدة يومين، الا بعد تأمين الحد الأدنى اللازم والفوري لدفع الرواتب وفقاً لمعادلة 8000 ليرة لبنانية للدولار بالإضافة إلى مطالب أخرى» وهو ما سيهدّد رواتب جميع العاملين في القطاع العام والمتقاعدين.

وفي سياق غير بعيد، بدأت ارتدادات الإضراب المفتوح منذ نحو شهر لموظفي القطاع العام تشي بمضاعفاتٍ على قطاعات حيوية مثل المحروقات حيث حذر موزعوها من تداعيات هذا الإضراب.

وأوضح ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا ان «جدول أسعار المحروقات لن يصدر (أمس) بسبب إضراب موظفي المديرية العامة للنفط»، مؤكداً «إذا استمر الإضراب فسيتوقف استيراد بواخر المحروقات كما ستتوقف الإجازات».

• إعلان فنيي مصلحة الأرصاد الجويّة في المديريّة العامّة للطيران المدنيّ «الغياب القسريّ والتوقّف عن العمل بدءاً من صباح الإثنين 18 يوليو ولحين تأمين الحدّ الأدنى من العيش والاستمراريّة»، مشيرين إلى أن «موظّف الأرصاد يؤمّن كل الخدمات المتعلّقة بأحوال الطقس (لبنان والجوار)، البيئة والمناخ وسلامة الطيران، وتسيير أهم مرفق عامّ في لبنان يضخّ ملايين الدولارات للشركات على حساب صحّة الموظّفين الفنيّين الذين يتقاضون رواتب زهيدة بالليرة اللبنانيّة من دون بدل نقل منذ ما يزيد على أربعة أشهر، فيما موظّفي الشركات العاملة في المطار يتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي (…)».

وأضاف الفنيون «اننا نعي بأنّ توقّف أيّ خدمة من خدمات المطار تجعله غير مستوفي الشروط الفنيّة للسلامة الملاحيّة، وتكون لها عواقب وخيمة على سلامة حركة الطيران في لبنان، إلاّ أنّ واقعنا المعيشيّ المرير بات أكبر من قدرتنا على القيام بمسؤوليّاتنا الوظيفيّة».

• دقّ رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ناقوس الخطر في تغريدة قال فيها: «يردد البعض أن عدد السياح يفوق التصوّر في هذا العام كدليل ازدهار. ينسى البعض أن الوجه الآخر بأن الاحتياطي في المصرف المركزي يتراجع في كل يوم نتيجة غياب الإصلاحات الأساسية وأن الأمر قد يصبح كارثياً في اللحظة التي ينفذ الاحتياطي وندخل في المجهول. لا مهرب من الإصلاح».