IMLebanon

لبنان عاد إلى “رادار الأولويات” الخليجية – الدولية

جاء في “الراي الكويتية”:

حضورٌ بارز ونصف احتضان. هكذا كان لبنان على طاولة محادثات الرئيس الأميركي جو بايدن في السعودية، سواء مع قيادة المملكة أو في «قمة الأمن والتنمية» مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق.

فرغم الحضور المزدوج للبنان في البيانيْن عن اللقاء الأميركي – السعودي ثم عن قمة جدّة، فإن أوساطاً مطلعة اعتبرت أن ما عبّرتْ عنه مَضامينُهما بدتْ أقرب إلى «إعلانِ نياتٍ» بمعاودة «الربط» مع «بلاد الأرز» وفق مندرجاتٍ إصلاحية وسياسية صار لها إطارٌ ديبلوماسي تشكّله المبادرة الكويتية لمعاودة بناء الثقة بين بيروت ودول الخليج العربي، وبعض بنودها يقع تنفيذه على عاتق اللبنانيين أنفسهم وبعضها الآخَر يتشابك مع ملفات المنطقة وخطوط التسخين والتبريد فيها.

وفيما كانت زيارة بايدن للمنطقة و«الردّ» عليها هذا الأسبوع بمحطة الرئيس فلاديمير بوتين في طهران، تُقارَب من زاويةِ تعزيز مناخات «الحرب الباردة» التي استيقظت على وهج الحرب الروسية على أوكرانيا، وسط رصْدٍ لتأثيرات هذه المناخات على «الملفات الملتهبة» في الشرق الأوسط خصوصاً مآلات مفاوضات النووي الإيراني في ظلّ إشاراتٍ مدروسة ومتوازنة وجّهتْها الرياض ودول الخليج الأخرى حيال «اليد الممدودة» لإيران على قاعدة كفّ يديْها وأذرعها عن التدخل في شؤونها الداخلية والمساس باستقرارها، فإن بندَ لبنان والذي كان الأكبر في البيان الختامي لـ «قمة الأمن والتنمية» تحوّل محطّ قراءاتٍ لأبعاده ومعانيه كما انعكاساته العملية المحتملة.

وإذ تقاطعت القراءات في بيروت عند أن لبنان عاد بلا شك إلى «رادار الأولويات» العربية والخليجية تحديداً، إلا أن الأوساط المطلعة اعتبرت أن هذه العودة والارتقاء بها إلى مستوى الدعم الوازن للدولة، خارج «الممر الإنساني» للمساعدات، ما زال مرهوناً بإشاراتٍ لم يفرزها بعد الواقع اللبناني السياسي في ما خص التخفيف من نفوذ «حزب الله» على مستوى الإمساك بمفاصل القرار وتوريط «بلاد الأرز» في استهداف أمن دول الخليج.

وفي حين توقفت الأوساط عند دلالات الاحتضان الكبير للعراق الذي عبّرت عنه اتفاقية الربط الخليجي والتزويد الكهربائي والتي بدت في سياق تعميق إعادة ربط بغداد بمداها العربي وتالياً تضييق منافذ النفوذ الإيراني بعد مؤشراتِ إعادة التوازن إلى «بلاد الرافدين» التي كان أعطاها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي نفسه ثم كرّستْها نتائج الانتخابات، وذلك بمعزل عما تلاها من اضطرابٍ سياسي – حكومي مستمرّ، فإن هذه الأوساط لاحظت أن مقاربة الملف اللبناني في ضوء بيانيْ جدّة لم تَرْقَ إلى مستوى «دعم تنفيذي» ما خلا التنويه بدعم العراق لبيروت عبر توفير آلية على قاعدة «النفط مقابل الخدمات» لتزويد لبنان بالمحروقات لتوليد بضع ساعات من الكهرباء وبمبادرة قطر لدعم الجيش اللبناني «ومرتباته»، والكشف عن عزم الولايات المتحدة تطوير برنامج مماثل لدعم الجيش وقوى الأمن الداخلي.

ورأت الأوساط أن لبنان، الذي حملت نتائج انتخاباته النيابية الأخيرة انتكاسةً لحلفاء إيران ولكنها لم تكن كافية لإحداث تحوُّل على صعيد التوازنات الداخلية يُخْرج الواقع اللبناني و«مفاتيح القرار» فيه من كنف «حزب الله»، ما زال قيد الاختبار خليجياً وعربياً وحتى أميركياً، وسط إشارةٍ لافتة تضمّنها بيان قمة جدة الذي «قفز» الى الانتخابات الرئاسية ولم يذكر ملف تشكيل الحكومة الجديدة الذي يشي باستعصاءٍ يصعب الفكاك منه، بما يعزّز الاقتناع بأن هذه الدول تتعاطى مع الاستحقاق الرئاسي الذي تبدأ مهلته الدستورية في 31 أغسطس المقبل على أنه سيكون المؤشر والمعيار لِما إذا كان لبنان «سيستعيد توازنه» السياسي، وهو ما سيَدخل بالتأكيد في حساباتِ إدارة هذا الاستحقاق سواء من «حزب الله» الذي لا يفصل مقاربته له عن اللوحة الإقليمية وضروراتها، أو من اللاعبين المحليين الآخَرين.

وإذ دعا بيان قمة جدّة، الذي أوْلى الجيشَ اللبناني وموقعه ودوره أهمية قصوى، «جميع الأطراف اللبنانية لاحترام الدستور والمواعيد الدستورية» في ما خص الانتخابات الرئاسية، وهو ما بدا «خطاً أحمر» أمام أي فراغٍ يتكرّر «لاستثماره» في محاولةٍ إما لفرض رئيس وإما لاسترهان الواقع اللبناني للملفات الاقليمية، فإنه كرّس ديمومةَ المبادرة الكويتية لترميم الثقة بين بيروت ودول الخليج و«بناء العمل المشترك بين لبنان ودول مجلس التعاون»، وسط توقُّف الأوساط عند مسألتيْن في البيان الذي غمز من «حزب الله» دون أن يشير إليه بالاسم:

الأولى دعوة جميع أصدقاء لبنان «للانضمام للجهود الرامية لضمان أمن لبنان واستقراره»، وهو ما ترافق مع تأكيدٍ، أقرب إلى الربط، على «أهمية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف».

والثانية التشديد على «أن تمارس الحكومة اللبنانية سيادتها الكاملة فلا تكون هناك أسلحة إلا بموافقتها، ولا تكون هناك سلطة سوى سلطتها».

وفي حين عكس التذكيرُ بقرارات مجلس الأمن، وهي الناظمة لمسألة سلاح «حزب الله»، تَمَسُّكاً ببت مسألة السلاح وفق الإطار الدولي الذي يحْكمها، فإن إشارة «فلا تكون أسلحة خارج موافقة الحكومة» بدت محط أنظارٍ لِما إذا كانت تنطوي على دعوة لفتْح الباب أمام معالجة لبنانية لها، سواء بدفْع من تأثيراتِ تفاهمات إقليمية قد تحصل في ما خص ملفات ساخنة، وإما بتخريجاتٍ محلية تضع قرار الحرب والسلم في يد الدولة، وكل ذلك من ضمن خريطة طريق متكاملة يتعيّن على لبنان أن يساعد نفسه بالسير بمقتضياتها للخروج من الحفرة السحيقة التي يتخبّط فيها.

يُذكر أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ثمّن عبر«»تويتر«ما وَرَدَ في البيان الختامي لـ»قمة جدّة للامن والتنمية«لجهة»الوقوف الى جانب لبنان وخاصة دعم الجيش وقوى الامن الداخلي ومؤازرتها لتتمكن من بسط سيادة الدولة اللبنانية على كل أراضيها، اضافة الى دعوة جميع أصدقاء لبنان للمشاركة في الجهود الرامية لضمان أمن لبنان واستقراره”.