IMLebanon

مجالس حسينية في مسرح بيروت؟

جاء في “المركزية”:

واضح أن هوى العودة إلى الوراء بدأ يسري على القطاع الثقافي وتحديدا الفني في لبنان. ثمة من لا يريد الإعتراف حتى اللحظة أن ما سمي بالنشاط الديني لجهة إقامة مجالس عزاء حسينية في مسرح المدينة في شارع الحمراء يخفي في طياته أكثر من علامة استفهام ويؤشر لامتداد مشروع تغيير الوجه الحضاري للعاصمة بيروت ولاحقا كل لبنان. إلا أنه حصل ودخلنا مدار العيش عكس التاريخ.

فلنسلم أنه مجرد نشاط ديني في مكان ثقافي ولا يد لحزب الله فيه كما سبق وتنصل من قضية توقيف راعي أبرشية الأراضي المقدسة وحيفا المطران موسى الحاج. لكنه -أي الحزب- على دراية بالنشاط وقد نال توقيعه بالموافقة وأيضا الترحيب. والسؤال الذي يطرح، من يوافق على إحياء عاشوراء في مسرح المدينة فلماذا يمنع  أغاني فيروز في حرم الجامعة اللبنانية في الحدث ؟ولماذا تُحرّم الأغاني والموسيقى و…و… الظاهر أن علامات الإستفهام ستكر سبحتها لأن الإستنسابية في التعامل مع هكذا أمور باتت بمثابة  قانون وفتاوى  ولا يجوز رفضها.

فحوى الملصق  الذي نشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إقامة مجالس العزاء الحسينية في مسرح “المدينة”، الحمراء، ابتداء من أول آب المقبل. ويشارك فيها، الشيخ حسين زين الدين، من خلال محاضرة يومية، والقارئ السيد عبدالله فحص الذي يقدم مجلس عزاء.وعلى الفور جاء “التوضيح” الذي أكدته صاحبة المسرح المخرجة والممثلة نضال الأشقر “بأنها لا ترفض طلب أحد في “مسرح المدينة”، فهو فضاء مفتوح للجميع ولا تستطيع استثناء أحد، وسبق أن أقام “الأحباش” نشاطاً، وكذلك الحزب الشيوعي اللبناني والأرمن وغيرهم”. وأعقبت أن “عاشوراء من التراث، وهي مسؤولة عن كلامها، والذين سيقدمون نشاطات عاشورائية سيقدمون قصصاً ومحاضرات وليس لطماً أو دماً” .

إلا ان هذا التوضيح لا يلغي التساؤلات التي بدأت تكرج عند طرح الملصق على مواقع التواصل الإجتماعي. وهذا بديهي كونه من غير العادي إقامة إقامة مجالس عزاء حسينية في مسرح المدينة الموجود في شارع الحمراء في بيروت، ومعروف أن طابع هذا الشارع يتميزبتعددية الطوائف والديانات، عدا عن اختلاط الجنسيات فيه لا سيما في الموسم السياحي حيث يؤمه عدد كبير من السياح من دول أجنبية وعربية  فهل انتفت المواقع التي يمكن إقامة فيها مجالس حسينية ولم يعد في مخرز العين إلا مسرح المدينة في شارع الحمراء حتى لو رضي أهل البيت بذلك؟

الكاتب والمنتج مروان نجار وضع النشاط في إطاره المسرحي الضيق ويقول:” ما يحصل اليوم يجسد مفهوم العودة إلى رحم الأم. فحركة المسرح تطورت عبر التاريخ عموما بالإنتقال من الطقس الديني إلى التظاهرة الحضارية. فالإنشاد المسرحي الذي كان يؤديه الإغريق ينبع من الأساطير والوثنية الإغريقية ليست إلحاداً إنما إيمان وفيها ظاهرة النظام والقانون”. يضيف ” استمرت حركة الطقوس الدينية على الخشبة إلى أن خرج أحدهم معترضا،  فولد المسرح من صراع الفرد لدى الجماعة”.

حتى اللحظة لا شيء يؤكد طبيعة وحقيقة الطقوس التي سترافق مجالس العزاء “لكن الأكيد أنها خطوة إلى الوراء في المعنى المسرحي إذ إنها تعود به إلى طبيعة الطقس الديني بعدما كان تجاوزها وتطور ليبلغ مرتبة حضارية وثقافية تحت عنوان عريض هو المسرح تماما كما لو كان الجنين يعود إلى رحم أمه “.

وعلى رغم “مسرحة” الظاهرة وتجاوز كل التحليلات والأبعاد التي باتت مكشوفة لجهة تخطي الخطوط الحمر وفرض مشروع حزب الله الديني والسياسي على كل مفاصل الدولة، يسأل نجار” أجهل كيف سيقام المشهد الكربلائي تحت الأرض!. ليعود ويقول”إلا أنني لا أعلم الطقس الديني الذي سيمارس”.

بعد طرد الفنان جاد المالح الذي كان يستعد ذات صيف لإحياء حفلاته المدرجة على برنامج مهرجانات جبيل، وبعد منع أغاني فيروز في الجامعة اللبنانية في الحدث والدربكة في الحفلات …ظاهرة جديدة اليوم تدخل تاريخ وطن الحضارة والفن تحول مسرح إلى مجالس حسينية وإن كانت مجرد عملية دس نبض لمعرفة رد فعل الشارع والرأي العام .

والخشية من أن تتحول الظاهرة إلى عرف وتتحول وجهة الحياة بعكس التاريخ وربما الجغرافيا أيضاً.