IMLebanon

لا مفاجآت تدفع لمشاركة سوريا في القمة العربية

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

على مسافة أشهر من موعد انعقاد القمة العربية السنوية الدورية في الجزائر مطلع تشرين الثاني المقبل تجدّد الحديث عن إمكان عودة سوريا الى جامعة الدول العربية. وهو امر بات تقليدياً مع كل محطة على مستوى الجامعة والمؤسسات التابعة لها بعدما جمّدت عضويتها بعد سنوات قليلة على اندلاع شرارة الأحداث في درعا في 16 آذار2011 . وعليه، هل من جديد على هذا المستوى؟

تسلّل الى المراجع الديبلوماسية التي تتابع النشاط على مستوى جامعة الدول العربية المَلل من الحديث عن عودة سوريا الى الجامعة ومؤسساتها والهيئات المنبثقة منها منذ سنوات عدة. ففي كل محطة وعلى اكثر من مستوى كانت بعض الانظمة العربية تنادي بعودة سوريا اليها لأسباب سياسية بلا جدوى قياساً على حجم الأسباب والعوامل التي فرزت بين مجموعة صغيرة من هذه الدول وبين الاكثرية المطلقة من أعضاء الجامعة التي ما زالت تعارض مثل هذه العودة. وعليه، تتوقف الأمور عند مناداة ممثلي لبنان والعراق والجزائر في اكثر من مؤتمر وقمة بهذه الخطوة، قبل ان تنضمّ اليهم الصومال أخيراً، وخصوصا في السنوات الاخيرة التي تلت التدخل العسكري الروسي في الازمة السورية بعام تقريباً في العملية التي أطلقتها موسكو فجر 1 تشرين الأول من العام 2015 وجنّدت لها مختلف أنواع أسلحتها.

منذ تلك المحطة الاساسية التي غيّرت مجرى الاحداث في سوريا، عاد البحث في إمكان عودة سوريا الى القمم العربية ومجموعة المؤتمرات الاقليمية المتخصصة، سواء على مستوى وزراء الخارجية او الشؤون الاجتماعية والسياحة العرب وغيرها من الهيئات المتخصصة التي أُقصِيت سوريا عنها بقرار شامل أبعدها عن مجلس الجامعة ومؤسساتها منذ العام 2013 بعد فشل موفديها إلى دمشق في ترتيب الحل السياسي المقترح ووقف للنار بين النظام والمعارضة. وتنامت هذه الموجة مع استعادة النظام لمناطق شاسعة من أراضيها التي سمّيت بـ»سوريا المفيدة» بمساحة اقتربت من 60 % من جغرافيتها الكاملة، وأبقت المناطق الاخرى في عهدة قوات متعددة الجنسيات ان احتسبت تلك التي سيطرت عليها تركيا على طول حدودها الجنوبية بعرض امتد الى 70 كيلومترا وبعمق يتراوح بين 30 و35 كيلومترا، أو تلك التي تتمتع بحكم ذاتي بإدارة كردية (حالة الحسكة والقامشلي) والتي سمحت قبل سنوات عدة بعودة الادارة المدنية السورية إليها لأسباب معروفة مرتبطة بِنيّة القوات التركية السيطرة عليها على رغم من الدعم الاميركي الذي ما زالت تتمتع به منذ ان شاركت بقوة في الحرب على استعادة مناطق واسعة من مجموعات «داعش واخواتها» حيث الثروة النفطية السورية شرقي نهر الفرات، وتقاسمت السيطرة عليها ومعها القوات الأميركية التي ما زالت تدعمها عدا عن الجيب الاميركي الواقع في جنوب شرق البلاد حيث «قاعدة التنف» الواقعة عند مثلث الحدود السورية ـ العراقية ـ الاردنية.

وعلى قياس هذه الخريطة الجيو سياسية للأراضي السورية تنامى الحديث منذ العام 2016 عن إمكان عودة سوريا الى الجامعة من دون جدوى، وارتبط الأمر بداية بشروط لم يتجاوب النظام معها بدءاً بإمكان تخلّصه من «العباءة الايرانية» واعادة النظر في العقود التي أدخلتها إلى مختلف القطاعات الانتاجية والزراعية السورية عدا عن الدور السياسي الذي بقي صامدا بالشراكة مع القوات الروسية التي تخلّت عن مناطق أعادت سلطة الدولة إليها وبقيت في عهدة «حزب الله» والفصائل الاخرى التي شكّلها الحرس الثوري الايراني ونَمت الى جانب الحزب ومنها ألوية «الفاطميين» و»العباسيين» ومنظمات اخرى جمعت في صفوفها الشيعة العراقيين واولئك الذين استقدموا من دول اخرى.

وعدا عن المشاركة السورية في بعض المؤتمرات السياحية والاجتماعية المتخصصة، حظّر على السوريين العودة الى الجامعة وسقطت اولى التجارب التي خاضتها المجموعة الرباعية الصغيرة من الدول العربية نفسها في قمة عمان في 28 و29 آذار 2017 بعدما اقتربت السيناريوهات التي رسمت من اجل ذلك من مواعيد القمة ولم تصل الى مبتغاها في اللحظات الاخيرة. ولمّا قبلت المملكة العربية السعودية وتونس والجزائر وبغداد والامارات العربية المتحدة بمشاركة وفود وزارية سورية في بعض المؤتمرات الوزارية الخاصة بالسياحة والنقل والشؤون الاجتماعية، جاء تجميد مسلسل القمم العربية الدورية السنوية ليُنهي الحديث عن برامج العودة السورية إلى ان تقرّر إحياء الدعوة الى القمة العربية هذه السنة بعدما تراجعت جائحة كورونا ووصل الدور الى دولة الجزائر لاستضافتها، فهي من الداعين الأوائل الى المشاركة السورية.

وانطلاقاً من هذه المعطيات الجديدة بدأت الجزائر حملتها الديبلوماسية تحضيراً للقمة مُبكراً، وسعى وزير خارجيتها رمطان لعمامرة منذ آذار ونيسان الماضيين من خلال جولاته على العواصم العربية لتحضير جدول أعمالها لتوفير الدعم لفكرة دعوة سوريا للانضمام اليها قبل ان يتلقّى اي جواب إيجابي حتى الأمس القريب. وفي انتظار هذا الجواب ان جاء سلبيا ام ايجابيا فقد قصد الوزير لعمامرة دمشق قبل أيام مُستكشفاً الاستعدادت السورية للتجاوب مع سلسلة من الشروط التقليدية التي ما زالت هي هي منذ اللحظة الاولى التي طرحت فيها فكرة ترميم العلاقات بين دمشق والعواصم العربية من دون ان تصل الى اي نتيجة ايجابية.

وفي انتظار الموقف الجزائري الذي يلخّص نتائج زيارة دمشق، كشفت تقارير ديبلوماسية وردت من الامانة العام للجامعة في القاهرة انّ الزيارة لم تؤخر ولم تقدم على مستوى المشاركة السورية، وأن اجواء الترحيب التي اعتقد البعض انها توسّعت، تُضاف الى المجموعة الرباعية التي ضمت العراق ولبنان والجزائر والصومال دول اخرى كمثل الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، لم تكتمل فصولها حتى هذه اللحظة.

وبالإضافة الى هذه المعلومات فإنّ التقارير نقلت عن الامين العام للجامعة أحمد أبو الغيط تكرار مواقفه السابقة من الموضوع عينه، لافتاً إلى ان التوجه العربي من هذه الخطوة لم يتبدل، وان على دمشق ان تخطو الخطوات الاولى المطلوبة منها تجاوبا مع الشروط العربية التي لم تتغير منذ ان أدت إلى إبعادها عن الجامعة وتجميد عضويتها في مختلف منتدياتها ومؤسساتها. وايّاً كانت المواقف المرحّبة التي أطلقها وزير الخارجية عبد الله بوحبيب أخيراً متمنيا ان يشارك الرئيس السوري بشار الاسد هذه السنة في القمة العربية التي ستنعقد في الجزائر، فقد عاد واضطر الى ربط القرار النهائي بـ»الاجماع العربي المفقود»، لأنّ 4 دول لن تستطيع ان تغير في توجهات الدول الـ17 الاخرى التي ما زالت تعارض مثل هذه الخطوة.

وبناء على كل ما تقدم، فقد اجمعت المراجع المعنية بالتحضيرات الجارية للقمة على استبعاد مشاركة سوريا فيها، فليس هناك من مفاجآت متوقعة تبدل في هذا التوقع. والأخطر، كما نقل عن مرجع ديبلوماسي عربي قبل ايام، ان يغيب لبنان بعد سوريا عن القمة ان لم يكن قد انتخب رئيسا جديدا للجمهورية، فموعدها يتجاوز عمر العهد بأيام قليلة. وما تمنّاه «ان يكون للبنان فيها رئيسا جديدا لا يضطر الى تقديم موعد زيارته الى اي دولة عربية قبل موعد لقائه بالزعماء العرب دفعة واحدة في هذه القمة».