IMLebanon

دومينو انهيار إهراءات مرفأ بيروت… بدأ

 

من قلب «أول غيث» انهيار إهراءات مرفأ بيروت مع سقوطِ عددٍ من صوامعها في «الأحد الحزين»، يرتسم فصل جديد من تراجيديا عاصمةٍ كانت تستعد لإحياء الذكرى الثانية لـ «بيروتشيما» في 4 أغسطس، فإذ بـ «مسرح الجريمة» التي لم يجفّ دمُها بعد ولا دمعُ أهالي ضحاياها يستعيد مشاهد كأنها صدى لذاك الزلزال الذي «ابتلع» نصف «ست الدنيا».

عصر أمس، حصل المتوقَّع وسقط جزءٌ من الإهراءات التي كان الجميع ينتظرون انهيارَها الذي مهّدت له انحناءاتٌ تسبّبت بها حرائق لم تهدأ منذ أسابيع واندلعت بفعل تخمّر كميات كبيرة من القمح والحبوب الموجودة داخل الصوامع.

 

وتمكّنت كاميرات تم تثبيتها منذ أيام قبالة المرفأ من التقاط تداعي الجزء الشمالي من الإهراءات، وسط إظهار فيديوهات سقوط صومعتين، في موازاة كلام مصادر في فوج إطفاء بيروت عن انهيار 3 صوامع «وكلّ منها يبلغ طولها 64 متراً»، قبل أن يُنقل عن وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال علي حمية «أن صومعتيْن وقعتا من الجهة الشمالية، وصومعتان من الجهة الشمالية الغربية تنفصلان تدريجاً عن مبنى الإهراءات وقابلتان للانهيار، ولم يحصل أي انفجار أو انبعاثات سامة ولا داعي للهلع ومن المتوقع أن تسقط الإهراءات كلّها واحدة تلو الأخرى».

بدوره، قال وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام: «نتوقع سقوط صومعتين جديدتين من الجهة الشمالية للمرفأ، ولا ضحايا بانهيار الصومعتين وذلك بسبب عزل المنطقة المحيطة بالإهراءات».

ومع بدء «دومينو» انهيار الإهراءات، التي كانت الكويت موّلت إنشاءها في أواخر ستينات القرن الماضي والتي أخذت بصدرها في 4 أغسطس 2020 واحداً من أقوى 3 انفجارات غير نووية عرفها العالم فحمت الشطر الغربي من العاصمة، استعيدت تحذيرات وإرشادات كانت أطلقتْها وزارتا الصحة والبيئة للمقيمين في المنطقة الأقرب من المرفأ (شعاع 500 و 1500 متر) من أنه «في حال حصول أي انهيار سينبعث غبار مكون من مخلفات البناء وبعض الفطريات من الحبوب المتعفنة وسيتشتت في الهواء» داعيتين لـ «إغلاق الأبواب والنوافذ في المنطقة المحيطة لمدة 24 ساعة مع ارتداء الكمامات في الخارج».

وأكّد وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين، تعليقًا على سقوط جزء من الإهراءات أنّ «مختلف الأجهزة جاهزة»، مشيراً إلى أنّ «الأجزاء الجنوبية حتى اليوم كانت مستقرة، أما الشمالية فإن عدداً من الصوامع انهار، ونحن نتابع الوضع في شأن سقوط بقية الأجزاء»، معلنًا أنّ «رقعة الغبار لا تتجاوز الـ1500 متر من مرفأ بيروت».

ولفت، في تصريح لقناة «الجديد» إلى أنّه «في رأيي كان يجب أن نذهب إلى الوضع الفني للإهراءات وهدم ما سيسقط ويصعب تدعميه، والجزء الجنوبي يمكن أن يحافَظ عليه كذكرى»، معتبراً أنّ «هناك وقتاً للحوار في شأن رمزية بعض الأجزاء للفاجعة التي حصلت»، وموضحاً أنه «كان يجب أن يكون هناك بكل شفافية هدم لبعض الأجزاء المهدَّدة بالسقوط، والإبقاء على الأجزاء الأخرى كذكرى» لانفجار 4 أغسطس.

ومن شأن مشهدية تهاوي جزء من الإهراءات أن تعطي زخماً لذكرى بيروتشيما التي تحلّ على وقع اتهام ذوي الضحايا (أكثر من 200 ضحية و6500 جريح) وعدد من النواب السلطات اللبنانية بتعمُّد ترك الإهراءات تحترق على البطيء كي تسقط ويتحقق هدف هدمها ومحو آثار جريمةٍ وقعت التحقيقات فيها رهينة السياسة وألاعيبها، وذلك عوض تدعيمها لتكون شاهداً على «جريمة العصر» ومعلماً لتخليد ذكرى الشهداء. علماً أن الحكومة كانت اتخذت في أبريل الماضي قراراً بهدم الإهراءات خشية على السلامة العامة، لكنها علّقت تطبيقه بعد اعتراضات قدّمتها مجموعات مدنية ولجنة أهالي الضحايا.

ولم يكن عابراً بعيد سقوط جزء من الإهراءات موقفان:

– الأول لأهالي الضحايا الذين اعتبروا أنه «قبل أيام من الذكرى الثانية لجريمة تفجير 4 أغسطس، جريمة جديدة ارتكبتها السلطة اليوم تستهدف ضرب الذاكرة الجماعية عبر تدمير الإهراءات.

حتى وان دمّروا الشاهد الصامت في ساحة الجريمة، لن يتمكنوا من ضرب ذاكرتنا، نحن الشهود الأحياء على جريمتهم.

لن يُسْقِطوا الحقيقة والعدالة، مهما حاولوا تعطيلها والتهرب منها. جريمتكم لن تمرّ».

– والثانية إعلان نقيب المهندسين في بيروت عارف ياسين أن «الحريق الذي اندلع قبل أكثر من 3 أسابيع ولم تتم معالجته هو ما أوصلنا إلى هنا والإهراءات لن تنهار دفعة واحدة».

ولفت إلى أن «تكلفة الهدم باهظة وكان يجب تدعيمها قبل الانهيار، وخصوصاً منذ عامين من اليوم، وكان هناك تقاعس متعمّد بمعالجة الحريق وتم إضعاف الباطون والحديد ما أدى إلى الميل الكبير والمتسارع».

وأوضح «لن تقع الإهراءات دفعة واحدة بل على دفعات، سيتساقط جزء أو أجزاء، وفي أي ساعة أو أي يوم قد تتساقط أجزاء. وتقديري أن ما حصل غير منطقي ويجعلنا نشكك بتصرفات الحكومة».

ورداً على سؤال، أجاب: «الجزء الجنوبي حتى الآن نقول إنه خارج الضرر لو استمر انهيار أجزاء شمالية.

والجزءين منفصلين بالأساسات وغير مرتبطين ببعضهما البعض، ويجب ترميم الجزء الجنوبي كي يبقى شاهداً على المأساة كي لا تتكرر».

وفي موازاة مشهد «الصومعتان تركعان»، استعاد الكثير من اللبنانيين على مواقع التواصل صوراً وذكريات من ذاك اليوم المشؤوم الذي حوّل بيروت كتلة من دم ودمار، لفّتها سحابة سوداء وبألوان نحو 2700 طن من نيترات الأمونيوم خُزنت لنحو 7 أعوام في العنبر رقم 12 لينفجر ما بقي منها، من دون أن يُعرف حتى الساعة ما الصاعق الذي سبب «هيروشيما لبنان» ولا يُحسم مَن يقف وراء الشحنة – اللغز و«حمايتها» في المرفأ لتتحوّل… قنبلة موقوتة.

كما استعادت وسائل الإعلام تعاميم وإرشادات وزارتيْ البيئة والصحة حول كيفية التصرف حال انهيار أجزاء من الإهراءات وفيها: «في حال حصول أي انهيار أو سقوط أجزاء سينبعث غبار مكون من مخلفات البناء وبعض الفطريات من الحبوب المتعفنة وسيتشتت في الهواء. وبحسب الخبراء ليس هناك أدلة علمية على وجود مادة الاسبستوس أو أي مواد سامة أخرى».

وبحسب الإرشادات «من المرجح أن تتأثر المنطقة الأقرب من موقع الحادث (شعاع 500 متر) والتي تقع داخل حدود المرفأ بكميات غبار كثيفة في الهواء.

وهذه المنطقة يجب اخلاؤها فوراً إذا حصل ذلك، كما من المتوقع أن تتأثر المنطقة الأبعد (بين شعاع 500 ونحو 1500 متر) والتي تتضمن الكرنتينا، الجعيتاوي، مار متر، وسط بيروت، بكميات محدودة من الغبار.

وسيترسّب الغبار المتطاير خلال فترة لا تزيد على 24 ساعة كحد أقصى».

ونصحت الأشخاص الموجودين داخل المنازل أو أماكن العمل المغلقة أثناء تطاير الغبار، بـ«إغلاق النوافذ والأبواب الخارجية خصوصاً في المناطق الموجودة داخل شعاع 1500 متر من الموقع (المناطق المذكورة أعلاه)»، مؤكدة أن «وزارة الصحة ستعمل على تأمين الكمامات اللازمة للإجراءات الوقائية للأشخاص المتواجدين ضمن المنطقة التي ستتأثر بالغبار».

وأضافت: «في ما يتعلق بالأشخاص الموجودين خارج المباني أثناء تطاير الغبار، يجب ارتداء كمامة عالية الفعالية (KN95) في الخارج حتى الوصول إلى أقرب مكان مغلق وذلك لحين انقضاء أول ساعتين حتى تنخفض كمية الغبار في الهواء الخارجي قبل التوجه إلى مكان مغلق آمن كالمنزل أو مكان العمل، حيث يتم تطبيق الإجراءات المتعلقة بالمنازل أو أماكن العمل المغلقة»، مشيرة إلى أنه «بالنسبة للأشخاص المتواجدين في المركبات السيارة أثناء تطاير الغبار، يجب إغلاق النوافذ وتشغيل المكيفات على وضعية الشفط من داخل السيارة حتى الوصول إلى مكان مغلق، حيث يتم تطبيق الإجراءات الخاصة بالمنازل أو أماكن العمل المغلقة».

وذكرت أنه «في حال عدم وجود مكيف شغال في السيارة (أو المركبة)، يجب ارتداء كمامة عالية الفعالية (KN95) ) حتى الوصول إلى مكان مغلق، ومن ثم تطبيق الإجراءات المتعلقة بالمنازل أو أماكن العمل المغلقة»، موضحة أنه «بالنسبة إلى تنظيف الأسطح من الغبار، يجب تنظيف الشرفات برش الماء على الأسطح لمنع إعادة تطاير الغبار المترسب ومن ثم مسح الأسطح بمياه الجافيل مع الماء، ارتداء كمامة عالية الفعالية (KN95) خلال عملية التنظيف، وتنظيف الأسطح داخل المساكن بقماشة رطبة بمياه الجافيل مع الماء، وارتداء كمامة أثناء عملية التنظيف لتجنب استنشاق الغبار القادم من الخارج».

ويُذكر أن طوافة تابعة للجيش اللبناني عمدت بعد سقوط جزء من الإهراءات على رشّ المياه على الصوامع للحدّ من انتشار الغبار.