IMLebanon

أهالي الضحايا تحوّلوا… ضحايا

كتبت زيزي أسطفان في “الراي الكويتية”:

224 ضحية سقطوا وآلاف الجرحى والمتضررين ما زالوا يعانون. الألم هو الحاضر الأكبر ومعه الإحباط من واقع بدأت معه الصورة تبهت ووجوه الضحايا كما أسماؤهم تبتعد. لكن إذا استسلم الجميع ونسوا أو تناسوا فإن أهل الضحايا لن ينسوا ولن يستسلموا، هم ما زالوا في كل يوم يعيشون الألم ذاته الذي يبث فيهم القوة والعزم على خوض معركة الوصول إلى الحقيقة والعدالة.

الجرح يبقى مفتوحاً إلى الأبد

جيلبير القرعان كان شاباً مغموراً يمارس مهامه في إطفاء بيروت ويخطط لمستقبله مع سحر فارس، الشابة التي يحبّ وفراشة فوج الإطفاء. لم يَعرف يوماً أنه وفي ثانية واحدة سيخسر سحر، خطيبته وحب حياته، وسيتحوّل صوتَها الصارخ الباحث عن الحقيقة بين ركام المرفأ ورماد ضحاياه.

«الجرح يبقى مفتوحاً إلى الأبد»، يقول جيلبير لـ «الراي»: «لا أتقبل فكرة رحيلها ولا أن أتكلم عنها بصيغة الماضي (…). الحياة تسير بلا شك لكن الوجع يزداد والشوق يقوى. ما عاد شيء يفرحني اليوم، أتقدم خطوة وأعود خطوات إلى الوراء. قتلوهم وقتلوا أحلامنا معهم. مطالبتنا بالحقيقة ليست من أجلنا ومن أجلهم بل من أجل أحلام كل الشباب الذين ما عادوا يجرؤون على أن يحلموا بالغد. البلد مزروع بالشر… ومفطور على تجاهل الحقائق».

تركَت عملها لـ.. تتسول العدالة

ماريانا فضوليان شقيقة الضحية غايا فضوليان تركت عملها وحياتها واهتماماتها الخاصة لتنصرف إلى ملاحقة قضية انفجار المرفأ وتحقيق العدالة للضحايا. أنشأت صفحة رسمية لأهالي ضحايا انفجار المرفأ تتكلم باسمهم وتغطي تحركاتهم وتطورات القضية. ملمةً باتت بكل تفاصيل التحقيق وبأسباب توقفه وكل الألاعيب القانونية والسياسية التي تمارس لتأخيره.

«بعد سنة من الانفجار وحين لاحظت أن القضية لا تتقدم كما يجب، تركت عملي كطبيبة بيطرية وخصصت كل وقتي لأشحذ (أتسول) العدالة»، تقول ماريانا.

وتضيف: «كنا آمنين مرتاحين في بيوتنا وأصبحنا اليوم في الشارع. صار مكاننا فيه نمارس الضغط قدر استطاعتنا على السلطة التي فجّرتنا وما زالت تتابع إجرامها بحق شعبها. بداية لم أكن أعرف إذا كان عليّ أن أطالب بالحقيقة أو أرحل عن لبنان خصوصاً أننا أنا وأمي صرنا وحيدتين هنا وكل عائلتنا في الخارج. لكن حين رأيت تضامن الأهالي تحمست ووجدت أنه لا بد أن أكون معهم. جماعة السلطة يعرقلون العدالة…».

الأمل في دعاوى الخارج

ما كان بول نجار يتمنى مطلقاً أن يصبح وجهاً «أيقونياً» يعبر عن لوعة أهل الضحايا ويكافح باسمهم للوصول إلى الحقيقة. كان يود لو بقيت ابنته ألكسندرا أصغر ضحايا المرفأ في حضنه تنعم بحب والديها اللامتناهي، لكنه وجد نفسه في قلب المعركة. هو الذي كان يناضل مع زوجته وصغيرته في ساحات الثورة من أجل الوصول إلى لبنان أفضل، رأى «أن بلداً لا تحقق فيه العدالة لـ224 ضحية وآلاف الجرحى والمتضررين لا يمكن أن يكون بلداً».

يقول نجار: «الوضع سيئ … بالنسبة للعائلات وأهل الضحايا، فالألم ما زال كما هو لا بل يزداد ويزداد معه الغضب والنقمة. نهاية الطريق ليست واضحة. التحقيق متوقف والعدالة غائبة. لا أحد يسأل أو يساعد وكأن ما حصل لم يكن. أملنا الوحيد هو في الدعاوى القضائية التي رُفعت خارج لبنان في بريطانيا والولايات المتحدة… التحقيق في لبنان متوقف وكل الوسائل جاهزة لعرقلته في حال أعيد فتحه، فالمجرم لا يمكن أن يحاكم نفسه ولا استقلالية للقضاء في لبنان حتى يتمكن من محاكمة المجرمين الذين تسببوا بالكارثة. لكننا كأهالي لن نستسلم».

ما تعيشه أسوأ من… الانفجار

لم تكن زينب مشيك ربة المنزل المنهمكة دائماً بعائلتها تعرف أن حياتها ستنقلب رأساً على عقب في تلك الأمسية المشؤومة، فربة البيت التي كانت تنتظر عودة الزوج علي مشيك ليجلس مع أطفاله إلى طاولة العشاء تمنت له الخير حين أخبرها أنه عائد إلى المرفأ ليحظى ببضع ساعات عمل إضافية بعد أن استدعي لتفريغ حاوية. كان سينال 5000 ليرة عن كل ساعة عمل وأولاده أحق بالمبلغ. لكن أمنياتها له بالخير تطايرت مع تطاير الأشلاء و.. كل الأشياء.

«كلنا أموات منذ اللحظة التي دوى فيها الانفجار. عامان صعبان مرا علينا وفي كل ذكرى يُفتح الجرح من جديد مع أنه لم يندمل يوماً. المجروح لا يَنسى والشهيد لا يُنتسى. هم شهداء فوق أفضل منا ونحن أموات هنا. الحرقة لا تذوي خصوصاً أننا دفنا أشلاء فقط ولم نرَه… أنا أبداً لا أسامح».

وتضيف زينب: «ما نعيشه اليوم هو أسوأ من الانفجار بآثاره على الناس والعائلات، كلنا مظلومون…».

النمر الشرس… لا يترك القضية حتى لا تموت

وليام نون قذفتْه الأحداث رغماً عنه تحت الأضواء. ما كان يوماً يتخيل أن يكون رأس الحربة في المطالبة بالعدالة لأخيه شهيد المرفأ جو نون. كالنمر الشرس تحدّى كل من يحاول التلطي خلف الأكاذيب لتمييع الحقيقة ومحو العدالة. لم تفزعه تهديداتٌ وتوقيفٌ وضربٌ وسحلٌ على الطرق، فهمّه واحد ألا تموت قضية أخيه ورفاقه وتتحول أشلاء كما هم. قلق الأهل عليه كبير وحكمة الوالد طوني تحاول أن تخفف من مخاطر الطريق.

«لقد قلت لوليام أننا نعيش في بلد لا أحد يستطيع فيه الوصول الى العدالة»، يعترف والده طوني، لكن لديه قناعة راسخة بأنه مصرّ على إكمال الطريق والوصول إلى نتيجة. حين تهمد القضية لبعض الوقت تراه حزيناً لذا يقوم بتحريكها حتى لا تجمد وتموت.