IMLebanon

إن وجد قاضٍ عدلي “رديف” فهل من “شبيه” له؟!

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

يواصل وزير العدل القاضي هنري خوري مساعيه لتسمية «قاضٍ عدلي رديف»، للنظر في إخلاءات سبيل موقوفين في جريمة تفجير المرفأ. وإن لم يكن يحتفظ في جيبه باسم احد القضاة الذي يقبل بهذه المهمّة، قد يكون ذلك صعباً بعدما تسرّب عن رفض البعض ممن اقترحهم بوجود القاضي الأصيل طارق البيطار. وعليه، إستمر النقاش إن كان هناك من شبيه للقاضي المقترح؟

ما زال الاقتراح الذي تقدّم به وزير العدل هنري خوري إلى مجلس القضاء الاعلى من اجل تسمية قاضٍ عدلي رديف في جريمة تفجير المرفأ موضع تجاذبات قضائية وسياسية. ففي مقابل الرفض الذي يواجهه، يصرّ الوزير خوري على تعيينه وحصر مهمّته بالبت بطلبات إخلاء سبيل بعض الموقوفين، طالما انّ أيدي المحقق العدلي طارق البيطار مكفوفة بطلبات الردّ والإقصاء منذ أشهر عدة.

وإن عدنا اياماً الى الوراء، فإنّه وما ان انتشر مضمون الكتاب الذي وجّهه وزير العدل إلى مجلس القضاء، على وقع الحراك الشعبي الذي قاده عدد من نواب تكتل «لبنان القوي» وأهالي الموقوفين في جريمة تفجير المرفأ باتجاه مبنى وزارة العدل ومقر مجلس القضاء الأعلى، واتهام رئيسه بالتقصير في الإجراءات الواجب اتخاذها من أجل اطلاق سراح عدد من الموقوفين، تزامناً مع هجوم شنّه عضو التكتل نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب من قصر بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الاتجاه عينه، حتى بدأت ردّات الفعل تتردّد رفضاً للاقتراح وتنبيهها من مخاطره على سير التحقيق الذي يقوده القاضي البيطار، وبقي الرهان يومها لساعات على صدور قرار مجلس القضاء قبولاً او رفضاً لمضمون الطلب.

وقبل ان تحلّ ساعات مساء 7 أيلول، حتى صدر قرار المجلس بالموافقة المبدئية على طلب الوزير خوري، مقروناً بالطلب إليه تسمية القاضي المقترح وتحديد مهامه. وهو ما رفع من نسبة الجدل، وانطلق سيل المواقف إلى ان برّر وزير العدل طلبه بسابقة رافقت «انتداب القاضي السيد جهاد الوادي الرئيس الاول لمحكمة استئناف بيروت محققاً عدلياً في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، اثناء فترة سفر المحقق العدلي في القضية القاضي الياس عيد خلال العطلة القضائية لعام 2006». ولما أصدر القاضي الوادي شخصياً بياناً نفى فيه «ان يكون قد كُلّف بهذه المهمة»، رافضاً «الاعتداد بها كسابقة قضائية» منتهياً إلى القول بأنّه «لم يتبلّغ إطلاقاً القرار المذكور» وانّ على «من يدّعي هذه السابقة إبراز المستند الذي يثبت تبلّغي هذا القرار، ويحمل توقيعي عليه».

وما هي ساعات قليلة حتى عمّمت وزارة العدل قرار الوزير رزق الذي حمل الرقم 921 والذي صدر في 6 ايلول 2006. ليبقى الجدل قائماً إن اطلع عليه الوادي ام لا. فليس مهمّاً بالنسبة إلى وزير العدل، طالما انّ الأمر مجرد خطوة ادارية، ولكن الأهم «انّ القرار صدر بالطريقة عينها التي يسعى اليها هو بالاستناد إلى موافقة مجلس القضاء الاعلى»، وهو ما تحقق حتى اليوم. وإن توقف المنتقدون عند عدم تبلّغ الوادي القرار، إعتبر وزير العدل انّ الموضوع سابق لأوانه. فلننتظر عند تسمية أي قاضٍ لمعرفة إن كان سيتبلّغه ام لا.

وإن قيل له انّ القاضي البيطار اليوم في مكتبه فيما كان عيد خارج الاراضي اللبنانية، سأل الوزير خوري عن الفرق بين وجوده في الخارج بعيداً من موقعه، او انّه في الداخل ولا يمكنه ان يتدبر ما هو مطلوب وهو مكبّل اليدين ولا يمكنه النظر في قضايا إدارية بالغة الأهمية تتعلق بمصير موقوفين، لربما تجاوزت مهلة توقيفهم ما هو منطقي وعادل، ولربما تدهورت صحة بعضهم إلى درجة لا يحتمل القضاء مسؤولية بلوغ هذه المرحلة إن بقي عاجزاً عن البت بمصيرهم.

وعليه، يستذكر أحد قضاة تلك المرحلة، فيشير إلى انّ الوادي لم يتسلّم القرار، لأنّ مهلة غياب عيد عن لبنان لم تتجاوز بأيامها عدد اصابع اليد، وكان المطلوب يومها ان يكون هناك قاضي تحقيق عدلي، في مرحلة تواجه فيها وزارة العدل وضع «البروتوكول الخاص بين لبنان والمحكمة الخاصة». فعُيّن الوادي قاضي تحقيق بكامل المواصفات، ولم يحمل صفة «رديف» ولا «معاون»، ليلعب بشكل من الاشكال مهمّة ودور قاضي «ارتباط» مع المحكمة الخاصة بلبنان، وليمكنه ان يتسلّم أي وثيقة او طلب منها إن حصل ذلك. ولئلا يُقال انّ ليس هناك من مرجع قضائي يلبّي طلبها. وقد عبرت المهلة التي غاب فيها عيد عن لبنان من دون ان تشهد أي مراجعة. ولما عاد عيد طُوي القرار ولم تنتج منه أية مفاعيل ادارية او قضائية او قانونية.

وإن توسع القاضي الشاهد على تلك المرحلة، فهو يضيف ليعبّر عن الخشية مما قد يستجد بعد تعيين القاضي الرديف هذه المرة. ليستذكر تلك المرحلة. فقد يتوفر وجه شبه مع اليوم. فقد كان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ينوي «تطيير» القاضي عيد، فتقّدم أحدهم بطلب تنحيته، كما حصل مع القاضي فادي صوان الذي تمّ التشكيك بحياده لأنّه من متضررى تفجير المرفأ. واقترح يومها «القانونيون- العباقرة» يومها آلية لتنحيته وإعفائه من المهمة. فطلب القاضي رالف رياشي من موقعه القضائي في حينه من المدير العام للأمن العام المرحوم اللواء وفيق جزيني إفادته إن كان القاضي عيد يتسلّم شهرياً رزمة من «بونات البنزين» من المديرية، بهدف إثبات عدم قدرته بأن يكون حيادياً.

ولما كانت هذه العملية تقليدية يزود فيها الأمن العام عدداً كبيراً من القضاة ببونات البنزين، رفع اللواء جزيني في خطوة غير مسبوقة إليه، لائحة كاملة بالقضاة الذين يتسلّمون هذه البونات، ليتصدّر فيها إلى جانب عيد أسماء قضاة كثر، من بينهم مدّعي عام التمييز في حينه القاضي سعيد ميرزا والقاضي رالف رياشي نفسه مقدّم الطلب، وانتهت العملية بتنحية عيد وعيّن مجلس القضاء الأعلى في 13 أيلول 2007 القاضي صقر صقر محققاً عدلياً بديلاً منه.

وعليه، ومن دون الدخول في الكثير من التفاصيل، فإنّ الجدل القضائي والقانوني مستمر وسيطول، وقد لا ينتهي قريباً. فالإستشارات التي أجراها وزير العدل مستمرة اياً كانت ردّات الفعل، والهجمة ما زالت قائمة، علماً انّ الجميع يدرك انّ أقصر الطرق تبقى في تشكيل الهيئة العليا لمحكمة التمييز، وهو أمر شبه مستحيل في ظل شروط وزير المال التي يمكن في حال التجاوب معها ان تفضي إلى التلاعب بهيكلية القضاء، وهو امر كارثي ولكنه ممكن في السياسة، ليبقى القانون والدستور على الرفّ العالي الذي لا يُطال.