IMLebanon

بين نيويورك والناقورة: الهم الأمني يتقدم على الاستحقاقات الدستورية

كشفت تقارير ديبلوماسية من مصادر عدة ان هناك نية وتوجها اسرائيليا جديدا من اجل تجميد المفاوضات الجارية من اجل ترسيم الحدود البحرية بطريقة لا تعيق مهمة الموفد الاميركي اموس هوكشتاين الى المنطقة وتحاشي اي خطوة تقود الى اي عمل عسكري في المنطقة المتنازع عليها الى ان تعبر المرحلة الحالية الفاصلة عن الانتخابات المقبلة للكنيست في الأول من تشرين الثاني المقبل أيا كانت ترددات هذه الخطة على الوضع في لبنان، فحال الانهيار التي تعيشها البلاد قد سبقت مفاعيل التهديدات التي لجأت اليها اسرائيل من قبل وخصوصا تلك التي تحمل الحكومة اللبنانية مسؤولية اي خطوة عسكرية يقدم عليها “حزب الله” في المنطقة وما يمكن ان يؤدي اليه اي رد إسرائيلي.

ومن اجل تبرير هذه القراءة، قالت التقارير التي اطلعت عليها “المركزية” ان المؤشرات التي تقود الى هذه المعادلة متعددة، ولكن أبرزها الجديد الذي أضافته تل أبيب في الأيام الاخيرة الماضية على المشهد السياسي المرتبط بالوضع في لبنان. والتي يمكن الاشارة اليها بالآتي:

– العرض الذي قدمه وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس خلال زيارته إلى نيويورك للمشاركة في الدورة الـ 77 للجمعية العامة للامم المتحدة والتي سلم خلالها ما ادعت تل ابيب بتسميته “وثائق تضمّ صوراً وتقارير تبيّن مصانع إيرانية لصنع صواريخ وذخائر متطورة وطائرات مسيّرة، في ثلاث دول عربية هي لبنان وسوريا واليمن”.. واضاف التوصيف الاسرئيلي للوثائق بأن “تلك المصانع كانت تقتصر على سوريا، لكنَّها توسعت في الشهور الأخيرة وباتت تشمل تدريب طواقم من حزب الله ومن الحوثيين في اليمن”.

– العرض الإسرائيلي الجديد الذي تجاهل ما حققه الموفد الاميركي الى مفاوضات الترسيم لجهة التفاهم على الخطوط البحرية الخاصة بالمنطقة الاقتصادية للبنان واسرائيل ومصير الجزء الجنوبي من “حقل قانا” بالانتقال الى البحث – للمرة المئة ربما – حول مصير الاحداثيات الخاصة بخط الطفافات البحرية المزروعة في منطقة الناقورة منذ العام 2000 وربط مصير التفاهمات الأخرى بشأن الثروة النفطية بتكريس الخط كما تريده اسرائيل وان استدعى ذلك اعترافا لبنانيا بتغيير موقع النقطة ” B1 ” في منطقة الناقورة على الرغم من موقف لبنان الرافض لهذا الاقتراح منذ اكثر من عقدين من الزمن في المفاوضات التي رافقت ترسيم الخطوط البحرية كما الخط الازرق البري والنقاط الـ 13 المختلف عليها من الناقورة الى مثلث الغجر – شبعا وتلال كفرشوبا.

وبعيدا من اي مؤشرات أخرى يمكن التوقف عندها، فقد ظهر واضحا ان غانتس الذي تخلى قبل فترة عن مهمته رئيسا للحكومة لحليفه يائير لابيد بموجب اتفاق التناوب بين رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع، قام مؤخرا باستنساخ التجارب السابقة التي لجأ اليها سلفه السابق بنيامين نتانياهو باستخدام منصة الأمم المتحدة أكثر من مرة ولا سيما في 29 ايلول من العام 2020 ليوجه مثل هذه الاتهامات فتحدث يومها ان لبنان قام باستضافة مصانع اسلحة وصواريح لـ “حزب الله” في اكثر من منطقة سكنية وفي جوار محطة للغاز قرب مطار بيروت، محذرا من “مأساة جديدة” شبيهة بتلك التي تسبب بها تفجير مرفا بيروت الموقع.

وامام هذه المؤشرات السلبية، تحذر التقارير التي تناولت هذه المستجدات من مخاطر ان تهتز وحدة الموقف اللبناني من عملية الترسيم، بعدما قدمت نموذج الوحدة في الأول من آب الماضي أمام السيد هوكشتاين في اللقاء الموسع في قصر بعبدا. كما تنبه من احتمال ان يؤدي اي خلل يمكن ان يصيب وحدة الموقف اللبناني بطريقة يفجر الوضع من جديد ويؤدي الى تجميد المبادرة الأميركية التي ركن إليها الطرفان .

وبناء على ما تقدم، يعتقد المراقبون في تعليق اولي على مضمون هذه التقارير ان ذروة المأساة اللبنانية ان تنعكس الخلافات التي تعصف بأهل الحكم والحكومة على كيفية ادارة المرحلة المقبلة انطلاقا من عملية تشكيل الحكومة العتيدة لمواجهة المرحلة، خصوصا ان كانت النية ثابتة بعدم التعاون داخليا لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظل غياب المبادرات الخارجية الفاعلة. وعليه فإن البلاد تتجه الى مزيد من الإنهيارات المالية والاقتصادية والتربوية والصحية والمعيشية وربما الامنية، إن تطور برنامج اقتحام المصارف في ظل ارتفاع اسعار العملة الوطنية تجاه العملة الخضراء الى ما لا يمكن تحديده وكأن الحديث عن احتمال الوصول الى “الارتطام الكبير” لم يحن أوانه بعد.

وختاما، يبقى الأخطر الذي تقود اليه هذه التقارير، عند مقاربتها للوضع السائد في لبنان، ان هناك رئيسا للجمهورية يعدنا كل يوم بمزيد من المفاجآت لما يمكن ان يشهده اليوم الأخير من ولايته وكأنه يوم “الحشر الكبير”، ورئيس للمجلس النيابي يتحكم بموعد الدعوة لانتخاب الرئيس وكأن القضية “مزاجية” بعيدا مما يقول به الدستور الذي تحدث عن مهلة ملزمة لانتخاب الرئيس العتيد قبل نهاية الولاية، ومجلس نيابي عاجز عن القيام بأي مهمة، يتجاهل مهمته في انتخاب الرئيس وإلا تعرض أعضاؤه للمحاكمة جزائيا ان وجد مرجع دستوري يفسر ما يقول به الدستور. وهو مجلس لم يظهر بعد، أنه قادر على اجتراح ما فشل بالبت به المجلس السابق على الاقل بإقرار بعض الإصلاحات المطلوبة لمواجهة الانتكاسات المالية والاجتماعية، ويحيي نوعا من الثقة المفقودة بالدولة ومؤسساتها من قبل المؤسسات الدولية المانحة كما يشجع بوقاحة على استمرار مسلسل اقتحامات المصارف في ظل غياب قانون “الكابيتال كونترول”. ورئيس حكومة تصريف أعمال يحمل لقب المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة يعد اللبنانيين بان ينام في قصر بعبدا حتى تشكيل الحكومة ولكن بعد عودته من جنازة الملكة اليزابيت الثانية والمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، متجاهلا ان تشكيل هذه الحكومة أهم بكثير من هذه المحطات.