IMLebanon

لماذا قرَّر “الحزب” ضبط اللّعبة؟

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:

في خطابه الأخير، استعان الأمين العام لـ«الحزب» السيد حسن نصرالله بتعابير حازمة في دعوته إلى تشكيل حكومة جديدة، فقال: «يجب حُكماً أن تُشكَّل. لا نريد فراغاً رئاسياً في ظلّ حكومة تصريف أعمال، فينقسم البلد حول حقها في القيام بمقام الرئيس أو عدمه، وندخل في نوع من انواع الفوضى». وكرَّر مستعجلاً: «نريد حكومة، إذا أمكن، في الأيام القليلة المقبلة».

في المغزى السياسي، هذا الكلام هو «أمر مَهمَّة» للقوى السياسية بالتسهيل. فـ»حزب الله» الذي كان يتفرّج على اللعبة من زاوية بعيدة نسبياً، وجد أنّ الظروف قد نضجت للتدخّل والحسم فوراً، بعدما تأكّد أنّ هناك تطورات تتسارع، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، لتشكّل مشهد الفوضى المُنتظر بعد 31 تشرين الأول، وأنّ المشهد سيكون سوريالياً إذا لم يتمّ ابتكار تسوية.

فالسيناريوهات التي سيلجأ إليها رئيس الجمهورية مفتوحة، وقد جرى تحضيرها بكثير من الدراية. ولن تستطيع حكومة تصريف الأعمال أن تثبت دستورياً أنّها قادرة على تولّي صلاحيات رئاسة الجمهورية بالوكالة. فالدستور لا يقول شيئاً عن هذه المسألة، في شكل واضح وصريح، ما يفتح الأبواب للاجتهادات المتناقضة واحتمال حصول شرخ وطني.

الأهمّ، أنّ «الحزب» في هذه الحال سيكون مُحرَجاً لأنّه ليس مستعداً للانحياز إلى هذا التفسير أو ذاك. وسيتجنّب الاختلاف أو الخلاف سواء مع عون أو مع خصومه، لأنّهم جميعاً حلفاء له. وبالتأكيد، هو لن يتخذ موقفاً يسيء إلى علاقته بعون، الحليف المسيحي الذي لم يخطئ معه، على مدى ست سنوات أمضاها في القصر.

وأما النائب جبران باسيل، فهو مستهدف بـ«الفيتو» الأميركي بسبب تحالفه مع «الحزب». وفي أي حال، يبقى «التيار الوطني الحرّ» أوسع تمثيلاً للمسيحيين من قوى 8 آذار الأخرى، ولا مصلحة لـ«الحزب» في التخلّي عنه و«اعتماد» حليف آخر في موقع الرئاسة، حتى هذه اللحظة على الأقل.

إذاً، قرّر «الحزب» أن يضمن كل الخطوات اللاحقة بتشكيل حكومة فاعلة. وبعد ذلك، يتفرّغ بهدوء لملف الانتخابات الرئاسية. وأمامه متسع من الوقت، حتى نهاية تشرين الأول، أو ربما بعده. ولن يكون بين يدي عون أي مستند دستوري لعدم تسليم صلاحياته بالوكالة إلى الحكومة، إذا تعطّلت الانتخابات.

ولكن، للتذكير، إنّ تشكيل الحكومة نفسه مستحيل إذا لم يوقّع عون مراسيمها. وهذا يعني أنّ ورقة ضغط أخرى باقية في يده. ولكن، إلى أي حدّ سيتمادى في استخدامها، إذا كان «الحزب» مستعجلاً تشكيل حكومة؟

على الأرجح، «حزب الله» سيعطي عون في الحكومة العتيدة ليأخذ في الرئاسة. وسيترك المجال ليأتي الرئيس نتاج المفاوضات التي يجريها على مستويات إقليمية ودولية. لكنه بالتأكيد سيحرص على أن يحظى الرئيس بمواصفات توافق عليها المرجعيات المسيحية عموماً: أن يكون ممثلاً لطائفته ويتمتع برصيد شعبي ولا «فيتو» عليه خارجياً.

وثمة مَن يتداول باسم قائد الجيش العماد جوزف عون. ويتردَّد أنّ «الحزب» ليس بعيداً عن أي خيار ينسجم مع طروحاته، لكن ساعة الحسم في ملف الرئاسة لم تأتِ بعد.

بأي ثمن، يتجنّب «حزب الله» أن تكون لحظة 1 تشرين الثاني تفجيرية، فيفلت البلد من آخر ضوابطه الباقية سياسياً ودستورياً واقتصادياً واجتماعياً وأيضاً أمنياً، ما يؤدي أيضاً إلى فقدان «الحزب» سيطرته على الأمور. وهو درس جيداً مسار الفوضى الذي يتقدَّم سريعاً في الأسابيع الأخيرة: انقطاع الاتصال بين القوى السياسية، شلل غالبية المؤسسات العامة، دولرة الاستهلاك في شكل شبه كامل وعودة الارتفاع إلى سعر الدولار فيما الرواتب باقية بالليرة، إهتزاز أمن المصارف نتيجة انفجار نقمة المودعين، عجز الحكومة وصمتها عن إقرار أي خطة نهوض، ووصول العلاقة مع صندوق النقد الدولي إلى مرحلة دقيقة.

ولكن، ثمة من يعتقد أنّ الدافع الأساسي إلى تشكيل حكومة جديدة يبقى خارجياً، ويتعلق بالحرص الدولي والإقليمي على توقيع اتفاق لترسيم الحدود وتقاسم الغاز بين لبنان وإسرائيل خلال الأسابيع القليلة المقبلة. فهذا الاتفاق يستلزم حتماً وجود مرجعية دستورية قادرة على التفاوض والحسم والتوقيع. وفي لحظة معينة، قد يجد «الحزب» أنّ هذا الاتفاق هو المخرج الأفضل من وضعية الانهيار.

وهذا ما عبّر عنه السيد نصرالله بالقول، إنّ الاتفاق «فرصة ذهبية وتاريخية قد لا تتكرّر»، و»فرصتنا الوحيدة لكي يعالج لبنان أزمته الاقتصادية والنقدية والمالية والمعيشية».

إذاً، على الأرجح، إذا ولدت حكومة جديدة في غضون الأيام القليلة المقبلة، فمعنى ذلك أنّ الأمور قد ضُبطت جيداً في الداخل، سواء بوجود رئيس للجمهورية أو بعدم وجوده في أول تشرين الثاني. ومعنى ذلك أيضاً أنّ اتفاق الغاز مع إسرائيل قد يكون «على الطريق».