IMLebanon

موازنة الإفلاس… وهراء صندوق النقد! (بقلم طوني أبي نجم)

يلتئم اليوم مجلس النواب لإقرار موازنة الـ2022 وأقل ما يُقال فيها إنها “موازنة إفلاس” غبية، لم يتكبّد من أعدّها عناء مجرد التدقيق بأرقامها التي أتت خبط عشواء من دون اعتماد أي معايير واضحة لا في الإيرادات ولا في النفقات، وخلت من أي رؤية أو إصلاحات، ولعل أبرز أسباب السخرية من هكذا موازنة أنه يتم إقرارها عن سنة مرّت منها 9 أشهر ويصرّون فيها على تدبيج أرقام عن أشهر مرّت وتحققت فيها أرقام كارثية لا علاقة لها بما هو وارد في موازنتهم.

في اختصار لا داعي للنقاش في موازنة رجمها معدّوها قبل معارضيها، ويأتي من يقول لنا إنه أفضل أن نقرّ موازنة على سيئاتها وكوارثها من أن نبقى من دون موازنة. وهنا السؤال: إلى متى نبقى نقرّ موازنات إفلاس من دون أي إصلاح تحت شعار أن أي موازنة أفضل من غياب الموازنة؟ ولماذا لا يمكن مثلاً إقرار موازنة الـ2022 من ضمن موازنة الـ2023 التي كان يُفترض بالحكومة أن تكون قدمتها إلى مجلس النواب ليناقشها ويقرّها؟

الفضيحة تكمن هنا في المؤامرة على اللبنانيين بين صندوق النقد الدولي من جهة والحكومة وأهل السلطة من جهة ثانية. فالحكومة وأهل السلطة الفاسدون والخانعون لا يعنيهم سوى إرضاء صندوق النقد من دون أي نقاش في المصالح اللبنانية العليا، وصندوق النقد لا يعنيه سوى ضمان أن يكون لبنان قادراً على إيفاء دينه للصندوق في حال حصل على هذا الدين، ولو كان ذلك على حساب الاقتصاد اللبناني وعلى حساب المودعين والودائع، إذ إن خطة صندوق النقد باتت مكشوفة: إسقاط القطاع المصرفي لضرب عصفورين بحجر واحد: تصفير ديون الدولة الفاسدة عبر الإطاحة بما تبقّى من ودائع اللبنانيين والسعي لوضع لبنان تحت الانتداب الاقتصادي لصندوق تسبب في كوارث في جميع الدول التي عمل معها!

تخيّلوا كيف ان صندوق النقد لا يكترث للحدود اللبنانية السائبة والفالتة والتي من دون ضبطها يستحيل نهوض الاقتصاد اللبناني. تخيّلوا كيف أن صندوق النقد ووفوده إلى لبنان يتجاهلون أزمة سلاح “حزب الله” التي من دون حلّها لن يتمكن لبنان من الحصول حتى على الـ3 مليارات دولار الموعودة من الصندوق لأنها مرتبطة بإمكانية حصول لبنان على ما بين 7 إلى 8 مليارات دولار أخرى لإعادة إطلاق الاقتصاد بما يمكّن لبنان من سداد دينه، وهذه المبالغ لا يمكن الحصول عليها عملياً سوى من دول الخليج العربي التي أعلنت موقفها بوضوح، وأبلغته إلى فرنسا وعاد وظهر في البيان الثلاثي الأميركي- الفرنسي- السعودي: لا مساعدات قبل بسط الدولة سيطرتها وتطبيق القرارات الدولية والانتهاء من سلاح “حزب الله”!

صندوق النقد لم يضغط أيضاً في ملف الكهرباء والفساد المرتبط به والذي تسبّب بأكثر من نصف المديونية العامة للدولة، ولم يكترث سوى لكيفية الإطاحة بالقطاع المصرفي لضمان تصفير ديون الدولة.

في اختصار كل ما يطلبه صندوق النقد لا يمكن تصنيفه في علم الاقتصاد سوى بـ”الهراء” غير المجدي، والقيمون على هذا الصندوق إنما يتآمرون مع الطبقة الحاكمة ضد الشعب اللبناني ومصلحته. والحكومة الساقطة بالتعاون مع مجلس النواب تعمل فقط على محاولة إرضاء الصندوق ضد المصلحة اللبنانية، ولهذا يمكن تفسير السعي لإقرار الموازنة كيفما كان وبهستيريا أرقام لا تُقنع حتى المجانين، وكأن المطلوب منها فقط أمران: نيل شهادة حسن سلوك من صندوق النقد وتأمين زيادة في المداخيل من خلال زيادة الرسوم والضرائب كرفع سعر الدولار الجمركي وغيرها وفرض أثقال معيشية على اللبنانيين لا غير!

بئس هكذا موازنة، وبئس كل نائب سيصوّت عليها، وتبّاً لصندوق النقد وهرائه وخصوصاً أنه ورغم كل طلباته لن يقدّم للبنانيين دولاراً واحداً بعدما فشل في مقاربة علمية للملفات التي يحتاجها لبنان وبعدما عجز في فرض إصلاحات تبدأ بقيام الدولة وحصر السلاح وضبط الحدود وتشمل بعدها الإصلاحات المالية والاقتصادية البنيوية المطلوبة!