IMLebanon

هوكشتاين “يسترضي” اللبنانيين و”يستدرج” الفرنسيين للدعم!

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

كشف ديبلوماسي غربي في صالون مقفل انّ لبنان في حاجة الى مزيد من الدعم الاميركي والأممي لـ«تجميل» التفاهم الذي تم التوصّل اليه مع اسرائيل. وقال إن الدعم الأميركي المستمر في قطاع الطاقة سيواكبه بيان أممي تُعدّه إحدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وبات على الطريق. وكل ذلك من اجل ان يستوعب اللبنانيون ما انتهى اليه التفاهم من «تسهيلات» لا «تنازلات» لبنانية. وعليه، ما الذي يقود الى هذه المبادرات؟

لم يكن عبثاً ان يبذل الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين، بعد اعلانه التفاهم على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، جهدا إضافيا وُصِف بأنه من اجل تأمين الغاز المصري والكهرباء الاردنية المطلوبان منذ اشهر عدة لتوفير ساعات إضافية للتغذية الكهربائية في لبنان. فهي خطوات مرسومة بدقة وعدَ بها هوكشتاين المسؤولين اللبنانيين المُربكين بطريقة التعاطي مع التفاهم الذي انتهت إليه المفاوضات، ولا سيما مجموعة الملاحظات القاسية التي تحدثت عن تنازلات لبنانية متعددة.

ومن ابرز ما تهدف إليه هذه «التنازلات» – التي يرغب المرجع الديبلوماسي الغربي المعني بالتطورات الأخيرة – باعتبارها «تسهيلات» التخفيف من حدة المعارضة اللبنانية للتفاهم وتسخيف ردات الفعل الرافضة له. ذلك أنها كانت من الخطوات التي تشارك لبنان في تقديمها مع اسرائيل من اجل التوصّل الى النتائج التي انتهت اليها هذه المفاوضات. فلا يمكن تجاهل صدقية وجدية الملاحظات اللبنانية القاسية التي صدرت، إن في شأن المساحة التي تنازل عنها لبنان بين الخطين 29 و23، وبما يتصل بمصير الرسوم المالية التي يمكن ان يجنيها من الجزء الجنوبي من «حقل قانا» بدل ان تحوّل الى الجانب الاسرائيلي سواء من حساب «توتال اينيرجي» او من اي مصدر آخر طالما انها تكرّست من حقوق اسرائيل المادية، بفِعل خرق الحقل للبلوك الاسرائيلي «الرقم 72» في وقت اقفل الحديث كاملاً عن «حقل كاريش» ولم يرد ذكره في التفاهم وكأنه حق اسرائيلي مكتسب لا نقاش فيه.

والى هذه الملاحظات لا يمكن تجاهل أخرى منها لا يتّسع المقال لسردها كاملة، ولا سيما منها تلك التي فرضت تجاهل عملية «الترسيم البحري الدائم» انطلاقاً من النقاط البرية في رأس الناقورة وتجنّب البحث عن صيغة نهائية للخرق الكبير للسيادة اللبنانية عبر «خط الطفافات» واعتباره «أمرا واقعا» قائما منذ 22 عاما، ولا تاريخ او موعد لتفكيكه او اعادته الى حيث يجب ان يكون على الحدود البحرية بين البلدين بفِعل التعنّت الاسرائيلي لإبقائه كما هو وعدم قدرة الوفد اللبناني على الحسم في شأنه. ففضل لبنان تأجيل البَت به ولو بقي في مكانه تتلاعب به الأمواج لعشرات السنوات فلا يمكن لأي لبناني ان يقبل بتعديل الدستور لتغيير النقطة «B1» ولا المَس بالنقاط الاخرى المتصلة بها أيّاً كانت النتائج المترتبة عليها.

وما بين هذه النقاط لا يتجاهل الديبلوماسي عند تفسيره للوعد الأميركي باستكمال المشاورات والاتصالات لتسهيل المفاوضات المجمّدة منذ أكثر من عام تقريبا مع البنك الدولي من اجل استجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية الى لبنان عبر الشبكة الكهربائية السورية، فهي من الوعود التي قطعها هوكشتاين على خلفية أنه لن يترك لبنان يتخبّط في مسألة الطاقة من دون قدرته على تأمين الحد الادنى من الإنتاج للتخفيف من سلبيات الانقطاع النهائي للكهرباء عن المؤسسات، ولا سيما منها تلك المتصلة بشبكة المياه والاتصالات والقطاعات الدوائية الحيوية التي لا يمكن إحصاؤها ويمكن الاشارة اليها من إشارات السير على الطرق الى الخدمات المتوقفة في الدوائر الرسمية بنسبة تجاوزت الـ 70 % من الملحّ منها عدا عن تأثيراتها على قطاع المحروقات بعدما بلغت كلفتها ما لا يتحمله اي شعب في العالم في العام 2022.

واستنادا الى ما تقدم، لا يمكن الفصل بين هذه الوعود ومسلسل الاطلالات الإعلامية المكثفة التي أجراها هوكشتاين بطريقة مدروسة للغاية، فأطلّ عبر الفضائيات اللبنانية بنحوٍ منتظم مع الشبكات الاعلامية الاسرائيلية لتفسير الاتفاق لأبناء الدولتين، موزّعاً التهاني بالأرباح والإنجازات على الطرفين مقرونة بإشارته «الذكية» في مقابلة أجرتها معه «القناة 13» الاسرائيلية الى معادلة بسيطة جدا عندما قال: «لم تحصل إسرائيل على كل ما تريده ولم يحصل لبنان على كل ما يريده» في محاولة للتخفيف من حدة المعارضة التي يواجهها الطرفان الاسرائيلي واللبناني. ومردّ ذلك الى حاجة رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد للعون الفوري والسريع، وهو الذي يخوض مواجهة قاسية مع سلفه بنيامين نتنياهو وبعض من وزرائه الذين يهددون بين لحظة واخرى بالانقلاب على حكومته عشية الانتخابات التشريعية مطلع الشهر المقبل. كما بالنسبة الى لبنان الذي يواجه سلسلة من الاستحقاقات الدستورية الرئاسية والحكومية عدا عن الازمة النقدية والمالية الخانقة.

وإلى هذه المعطيات التي يسعى هوكشتاين لنشرها بهدف تعزيز التفاهم بعد الموافقة المبدئية عليه من الدولتين فقد أصرّ على رئيسه جو بايدن أن يخطو للمرة الأولى في ولايته للاتصال بالرئيس ميشال عون بعد اتصاله برئيس الحكومة الأسرائيلية لتقديم الدعم قبل ان يستدرج الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى اتصال مُماثل بعد زيارة وزيرة خارجيته لبيروت في اعتبارهما طرفين معنيين بالتفاهم ولو ان كلاً منهما من جهة مختلفة ولكنها كانت متكاملة. فالاول هو من وَفّر الضمانات السياسية والقانونية والامنية للدولتين للمضي في التفاهم، والثاني من الذي لعبوا دورا في تأمين الدعم اللوجستي للخطط اللبنانية للبدء بالاستكشاف في الحقول اللبنانية من خلال شركة «توتال اينرجي» للمضي بالمراحل النهائية المفترض أن تكتمل الأسبوع المقبل من خلال تبادل رسائل التعهدات والضمانات عبر الوسيط الأميركي في مقر استضافة المفاوضات في الناقورة حيث قيادة قوات «اليونيفيل».

وبعيدا من هذه المؤشرات التي تسبق الموعد المنتظر لتكريس التفاهم بالصيغة النهائية التي تم التفاهم عليها منتصف الاسبوع المقبل، فقد كشفت مصادر ديبلوماسية عليمة انّ التحضيرات بدأت في الأمم المتحدة لإصدار قرار بالغ الاهمية عن مجلس الأمن الدولي باسم أعضائه مجتمعين قبل عملية تبادل رسائل الترسيم يحتوي على ما يكفي من الضمانات لحماية هذه الخطوة بكل ما تحتاجه من رعاية دولية. وانّ البعثة الفرنسية في نيويورك بدأت مشاوراتها مع مختلف الأطراف لصَوغ القرار بعدما وقفت على «خاطر» الجانب اللبناني بمجموعة من الملاحظات تسلّمتها سفيرتها في بيروت من المراجع المعنية لتضمينها ما يرضي لبنان ويريح الأجواء بما يسمح للمنظومة بالدفاع عن خطوتها، بعدما تجاهَلَ رئيس الجمهورية يدعمه رئيس مجلس النواب نبيه بري وبِغضّ نظر من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي نأى بنفسه عن التفاهم ومن خلفهم «حزب الله»، الآلية المنصوص عنها في المادة 52 من الدستور فلم يطرح «مشروع التفاهم» لا على الحكومة ولا على المجلس النيابي قبل ترجمته بالصيغة التي اكتفت بموقف علني غير مسبوق في مثل هذه الحالات من رئيس الجمهورية.

والى تلك المرحلة النهائية لطَي الحديث عن التفاهم وفي انتظار مفاعيله العملية فقد ثبت انّ هوكشتاين قد قدم الدعم اللازم للتفاهم وهو يَعِد بمزيد من اجل ان يستوعب اللبنانيون مفاعيله الإيجابية في قطاع الطاقة من بوابَتي مصر والأردن، ولينسوا ما نسج في الناقورة وما بين العواصم المعنية وما حَفلَ به التفاهم الذي سيحمل النسخة النهائية معه لتوقيعها بنسختين منفصلتين بما حَملته، سواء من «تسهيلات» او «تنازلات» لبنانية فالنتيجة واحدة.