IMLebanon

ترسيم الحدود البحرية جنوبًا: مكاسب معنوية واقتصادية!

كتبت ميريام بلعة في “المركزية”:

انحرفت اهتمامات لبنان الرسمي والشعبي اليوم في اتجاه الحدث التاريخي “الاتفاق غير المباشر بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البحرية المشتركة”… وتناسى الاستحقاق الرئاسي والحكومي، والهَمّ المعيشي، والانهيار المالي والاقتصادي، معلّقاً الآمال على ثروة نفطية ستُنشِله من قعر الانهيار.

تفاصيل جديرة بالترقب أحاطت بعملية التوقيع من بيروت إلى الناقورة… وليس أبرزها موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد الذي اعتبر أن “لبنان اعترف بإسرائيل في الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية”… لكن السؤال المُرفَق “ألا يشير ذلك في الوقت ذاته، إلى اعتراف متبادل؟! ألا يؤشّر التوقيع إلى اعتراف مبطَّن لإسرائيل بلبنان “دولةً ومقاومة”؟! أم تسلّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بهذه العبارة مبرّراً لبلاده أن إسرائيل وقّعت مع لبنان “الدولة” وليس مع “حزب الله” الذي تصنّفه “إرهابياً”؟! متناسياً أن مَن اعتدى على مواقع “حزب الله” اعتدى على لبنان وسيادته حيث يتموضع الحزب.

موقف إسرائيل يذكّر بموقف فرنسا التي اعتبرت أن لـ”حزب الله” شقّين: الأول سياسي والثاني عسكري… الأمر الذي عبّد لها الطريق لحصول شركة “توتال إنرجيز” الفرنسية وبالاتفاق مع الحكومة اللبنانية، على سيطرة موقتة على منطقة بحرية للتنقيب عن الغاز… وإعطاء الشركة الفرنسية فعلياً وبشكل موقت 60 في المئة من الكونسورتيوم.

… لكن مهما تعدّدت التوصيفات والتبريرات والمواقف، يُسطَّر لبنان اليوم هذا الإنجاز التاريخي الذي طالما حلم به اللبنانيون وعلقوا عليه الآمال، على رغم ضبابيّة مستقبل هذا الاتفاق الذي تحرّكه التطورات السياسية والأمنية العالمية والإقليمية… والتي تطفو على سطح بركان التهديدات بالحروب المتنقلة.

أصبح لدينا منطقة اقتصادية خالصة محرّرة…

الخبير في شؤون النفط الدكتور ربيع ياغي يعتبر في حديث لـ”المركزية” أن “أهمية توقيع الاتفاق غير المباشر اليوم، تكمن في أن لبنان استعاد عبر هذا الاتفاق، حقّه في الحدود الجنوبية وإحداثياتها المتاخمة لشمال إسرائيل، أي المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة إلى السيادة اللبنانية. وبالتالي أصبح لدينا منطقة اقتصادية يحق لنا الاستكشاف والتنقيب فيها والتطوير والاستخراج منها بدون أي نزاعات حدوديّة مع الطرف الآخر”.

ويقول: إنها النقطة الأهم التي استطاع لبنان إنجازها طبقاً للمواثيق الدولية وتحديداً اتفاقات الأمم المتحدة الصادرة في العام 1982 حول كيفية تقاسم المناطق البحرية المجاورة والمتقابلة بين الدول بغرض استغلال الثروات الطبيعية الموجودة في قعر البحر. إذاً لقد أصاب لبنان الهدف بتصحيحه خطأً ارتُكِب من الجانب اللبناني عام 2007 واستطاع إلغاء الخط “الرقم 1” الذي حاولت إسرائيل التمدّد نحوه. وأصبح وفق الاتفاقات والقوانين، الخط 23 هو الخط الفاصل بين المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة إلى لبنان وتلك العائدة إلى إسرائيل… فانتفت بذلك كل المشاكل التي كانت تهدّد التوصل إلى اتفاق.

ويُضيف: بما أن المنطقة الجنوبية التي تقع شمال “الخط 23” واعدة بحسب المسوحات الجيولوجية والجيوفيزيائة والثنائية وثلاثية الأبعاد، سيكون للبنان أنشطة بترولية بين الدولة اللبنانية وكونسورتيوم الشركات بقيادة شركة “توتال” واتفاقات استكشاف وتنقيب واستخراج وتطوير …إلخ. وكل ذلك جزء من الاتفاق الذي تأخّرت “توتال” بتنفيذه والتي من المفترض بها أن تبدأ بعمليات التنقيب في البلوك رقم “9” وهو واعد نظرياً إذ يحتوي على حقل “قانا” الوهمي، إذ لا نعرف مدى امتداده لا شرقاً ولا غرباً أو جنوباً وشمالاً. إذاً عمليات الاستكشاف والحفر هي التي تُظهر حجم الكميات الموجودة وحصة لبنان منها، علماً أنه بحسب القانون الدولي “كل ما يقع شمال الخط 23 هو ملك للدولة اللبنانية.

.. وللاتفاق تأثير معنوي

ويُلفت ياغي في السياق إلى “التأثير المعنوي الذي يُضفيه الاتفاق بين لبنان وإسرائيل، إذ يخلق نوعاً من الطمأنينة لدى الشركات الأجنبية إلى التوجّه صوب تلك المنطقة خصوصاً أنه إلى جانب “البلوك 9″، هناك “البلوك 8″ و”البلوك 10” وهما واعدان أيضاً. وذلك ممكن في حال اعتمدنا إدارة رشيدة تتفادى التجارب والأخطاء الناتجة عن سوء الإدارة طوال السنوات الـ15 الأخيرة”، من هنا يشدد على “وجوب إدارة الملف بطريقة علمية وتقنية وحِرَفيّة اتجاه الشركات المهتمة، خصوصاً أن الغاز أصبح موضوع الساعة ولولب الطاقة العالمية النظيفة في ظل الأزمات القائمة.. فالغاز له مستقبل واعد جداً، ما يعطي نظرة إيجابية لمستقبل لبنان إذا أحسنّا إدارة هذا القطاع، وأشدد على هذه النقطة، لأنه لغاية اليوم الإدارة سيئة جداً”.

ويكرر القول: إذاً الإنجاز معنوي ويُعطي فرصة كبيرة لشركة “توتال” أو غيرها في ما بعد للشركات المهتمة. هذا بالنشبة إلى الخطوة المنظورة، أما الخطوات اللاحقة، ففي حال حصول أي اكتشافات تجارية فسيتطلب عمليات تقييم لمعرفة الكميات وتحديد الأعماق ووضع خطط التطوير… لتبدأ بعدها عملية بناء البنى التحتية لنقل الغاز من البحر. فلبنان مُهيّأ بشبكة استقبال الغاز لمحطات الكهرباء والموجودة في معمَلي دير عمار والزهراني، أو عبر المحطات التي سيتم إنشاؤها.

المشوار طويل..

ويتابع: كلها أمور تتطلب وقتاً، لذلك أردّد دائماً أن أمامنا عل الأقل ما بين 9 و10 سنوات للوصول إلى مرحلة الإنتاج التجاري القابل للاستهلاك المحلي ومن ثم للتصدير… بالطبع إنه مشوار طويل، إنما دخلنا الميل الأول من مشوار الألف ميل. وتأثيره على الاقتصاد اللبناني يظهر لاحقاً… فلا عائدات من اليوم وحتى 9 أو 10 سنوات، أي قبل سنة 2030 لن نحقق عائدات من الغاز والنفط الخفيف الذي قد يرافق وجود الغاز.

ويرى أن “الأهم في ذلك هو “تصنيف لبنان”.. حيث تُسجل له نقطة إيجابية بأن في لبنان ثروات طبيعية ممكن أن تغطي الفجوات والأزمات المالية والاقتصادية أو الانهيار الذي نعيشه اليوم”، ويقول: كل المؤشرات تدل إلى أن هذه الثروة ستستفيد منها الأجيال القادمة.

لإنشاء “شركة وطنية”…

أما الصندوق السيادي، فيعتبر ياغي أنه “من المبكر الحديث عنه، لأن دوره إدارة عائدات النفط والغاز، ولبنان لم يصل بعد إلى مرحلة الاستكشاف التجاري وبالتالي لا توجد عقود لبيع النفط والغاز”.

ويُضيف: لحسن الإدارة الرشيدة، على لبنان إنشاء “شركة وطنية” لديها الكفاءة والملاءة المهنية لإدارة هذا الملف، وتتعامل مع الشركات التي تمارس أنشطة بترولية في البلوكات اللبنانية بعيداً عن المهاترات السياسية والمحاصصات والطائفية والشعبوية… فاليوم هناك “البلوك 4″ و”البلوك 9” وغداً قد يصبح لدينا 10 بلوكات مفتوحة.

ويخلص جازماً بأن “هذا القطاع يجب تحييده عن النزاعات الداخلية… وإذا أحسنّا إدارته عبر “شركة وطنية” بإشراف وإدارة الخبراء اللبنانيين المنتشرين في شركات بترولية كبرى في العالم، قد نحصل على نواة شركة واعدة وممكن أن تتعامل “من الند إلى الند” مع الشركات الكبرى مثل “توتال” و”إيني” وشركات أخرى، في الاتجاه الصحيح والإيجابي…”.