IMLebanon

الفراغ يطرق باب مواقع “حسّاسة”

جاء في “الراي” الكويتية:

فراغٌ يستولد فراغاتٍ، دستورية ومالية وعسكرية وأمنية. هذا واقع الحال في لبنان بفعل الفشل المتمادي للقوى السياسية في ملء موقع رئاسة الجمهورية الشاغر منذ 1 تشرين الثاني الجاري.

وفي ظل الشغور الرئاسي الذي تتقاطع كل المؤشرات إلى أنه «باقٍ وسيتمدد» إلى 2023 رغم جلسات «رفْع العتَب» الانتخابية في البرلمان كل خميس، وفي ظلال حكومة تصريف أعمالٍ بـ «قبّعة رئاسية» لا يمكنها أن تعتمرها، بات لبنان الذي أحيا بصمْتٍ وكآبةٍ أمس الذكرى 79 لاستقلاله يعيش تشظياتِ الفراغ الرئاسي على مَفاصل أساسية يُخشى أن يصيبها «تقطُّع أوصال» ماكينة القرار السياسي – الدستوري وآلياته في شكلٍ لم تعرفه البلاد سابقاً بسبب وجود حكومة كاملة الصلاحيات كانت تسيّر أمور الحُكْم وشؤونه.

ففي «عهد» الفراغ الرئاسي الذي سبق انتخاب الرئيس ميشال عون واستمرّ لنحو 30 شهراً (بين أيار 2014 وتشرين الأول 2016)، تولّت حكومة الرئيس تمام سلام إدارة الشؤون الداخلية لجهة انتظام عمل المؤسسات، وتسييرها في شكل طبيعي الأمر الذي وفّر «ممراً آمناً» جنّب لبنان فوضى غير منظّمة.

واليوم تقف إداراتُ الدولةِ أمام استحقاقاتٍ أساسية تتعلق بتسيير المرافق العامة. وفي ظلّ الشغور الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال هناك عجز كامل عن مقاربة الملفات المطروحة واجتراح حلول مغطّاة قانونياً ودستورياً في ما خص مراكز حساسة باتت «تُسابِق الزمن» وهي موضوعة تحت المعاينة حالياً وتتجاذبها القوى السياسية والطائفية، في ظرفٍ بالغ الدقة من «عمر» الانهيار المالي المفتوح على مزيدٍ من «الموجات العاتية» التي يفاقمها اتساع «الصدَع» الرئاسي الذي يُخشى أيضاً من محاولاتٍ لجعله يتحرّك على «أرض أمنية مهتزّة».

ولذا بدأ التداول تباعاً في استحقاقات تكتسب أهميةً قصوى، بعضها يحتاج إلى مجلس الوزراء ويترك تأثيراتٍ مباشرةً على الوضع اللبناني وملفات – مفاتيح كوظائف الفئة الأولى، وبعضها الآخَر يتعلّق بقادة أجهزة أمنية كالأمن العام والمجلس العسكري وهي لا تحتاج إلى مجلس وزراء.

في الشق الأول، هناك استحقاق انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة – الذي كانت جدّدت له حكومة الرئيس سعد الحريري عون – أواخر أيار المقبل بعد 30 سنة في الحاكمية.

وقد بدأ الحديث عن انعكاس انتهاء الولاية من أكثر من زواية: مالية تتصل بالوضع النقدي الذي يُعاني انهياراتٍ متتالية، اضافة الى البُعدين السياسي والطائفي.

فحاكمية مصرف لبنان من المواقع المارونية الأولى في لبنان، ولأن حكومة تصريف الأعمال لا تستطيع تعيين بديل للحاكم المنتهية ولايته، فإن مَن سيتولى شؤون الحاكمية هو النائب الأول وسيم منصوري، الذي ينتمي الى الطائفة الشيعية، وهذا الأمر سيُرْبِك الوضع الداخلي ويزيد من حدة الأزمات السياسية، ومن مطالبات القوى المسيحية بالموقع الذي سيضع الثنائي الشيعي اليد عليه من خلال منصوري، وهو ما يثير أيضاً نقزةً خارجية.

الموقع الثاني ماروني كذلك، وهو منصب قائد الجيش، الذي يتولاه حالياً العماد جوزف عون الذي تنتهي ولايته في مستهل 2024.

وهذه المهلة ليست كافية كي يَطْمَئنّ اللبنانيون أن أمامهم سنة وشهرين لتعيين بديلٍ له، إذ ان الفراغ الرئاسي الأخير استمرّ لسنتين ونصف سنة، وشغور 2022 يبدو من الصعب تحديد «صلاحية انتهاء» له.

وبحسب القانون، فإن رئيس الأركان ينوب عن قائد الجيش في حال غياب الأخير ويمارس مهماته وصلاحياته طوال فترة غيابه.

وهنا تكمن مجموعة من المشكلات دفعة واحدة، فانتهاء ولاية عون، بحال حصلت وكان الفراغ الرئاسي مازال قائماً، لن يعقبها تعيين بديل عنه بسبب غياب مجلس الوزراء الذي من صلاحياته تسمية قائد الجيش بمرسومٍ بناء على اقتراح وزير الدفاع.

كما أن من شأن إنابة مهمات «القائد» إلى رئيس الأركان، أن يُحْدِثَ مشكلة إضافية كون رئيس الأركان درزي، وثانياً لأن رئيس الأركان الحالي أمين العرم سيُحال على التقاعد في نهاية كانون الأول المقبل.

وهذا الامر بدأ يطرح بدوره إشكالات تتعلّق بمصير المجلس العسكري.

فالعرم سيُحال على التقاعد مع اللواء ميلاد إسحق، في حين ينتقل إلى هذه «المقاعد» المدير العام للإدارة في وزارة الدفاع اللواء مالك شمص في شباط 2022، ما يعني أن المجلس العسكري سيفقد ثلاثة من أعضائه، وهذا يعني في حال عدم التمديد للضباط الثلاثة أن قرار المجلس يتحكّم به قائد الجيش وحده.

وهنا مجدداً تدخل اللعبة الطائفية والسياسية. فوزير الدفاع الذي يمكن أن يُصْدِر قراراً بتأجيل تسريح هؤلاء الضباط موالٍ لعون ولا مصلحة للتيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل بحصْر صلاحيات المجلس العسكري بقائد الجيش، في وقتٍ لا يمكن للتيار تبرير التمديد إلا تحت وطأة الظروف الحالية التي يمرّ بها لبنان، إذ سبق أن رفض التمديد سابقاً لقائد الجيش العماد جان قهوجي ومن ثم لمدير المخابرات السابق طوني منصور.

لكن الحاجة تبرر الوسيلة وأمام التيار خيار بين السيئ والأسوأ.

ويُشكّل الانتماء الطائفي للضباط المحالين على التقاعد، أي دروز وشيعة وأرثوذكس، عاملاً يجعل تَوافُقَ القوى السياسية التي أتت بهم ضرورياً لإيجاد الوسيلة الأنسب للخروج من المأزق.

فرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي خاض معركة لتعيين العرم، مصرّ على إبقائه في موقعه، خصوصاً أن هذا المنصب هو الأعلى للطائفة الدرزية في المواقع العسكرية.

ومن أجل ذلك، قدّم عضوا اللقاء الديموقراطي بلال عبدالله وهادي ابوالحسن، مشروعيْ قانون: الأول يتعلق بكل المديرين العامين وتمديد خدمتهم الى ما بعد 64 عاماً (وهو سن التقاعد) لمدة أربع سنوات، والثاني بتأجيل تسريح الضباط لسنتين ويستفيد منه عرم حكماً.

علماً أن المشروع الثاني هو الأكثر قابلية للتنفيذ كونه قد يشمل تأجيل تسريح المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي يحال على التقاعد في آذار 2023.

من غير الواضح بعد كيف ستنتهي المفاوضات حول موقع ابراهيم، خصوصاً أن «حزب الله» مؤيّد لبقائه في منصبه.

ويبدو أن العقدة لاتزال عند رئيس البرلمان نبيه بري الذي وضع مشروعيْ القانون في الأدراج ريثما تنضج طبخة التسويات حول المواقع المذكورة.

علماً أن المنصب الذي يتولاه ابرهيم أصبح عُرفاً للطائفية الشيعية، وهذا يضع ثنائي بري – حزب الله أمام اختبار التفاهم من اجل الوصول الى تسويةٍ تتيح بقاء ابراهيم لأن تعيين بديل عنه ليس متوافراً.

وستشمل التسوية كما هو مفترَض وضع رئيس المجلس الأعلى للجمارك العميد المتقاعد أسعد الطفيلي، الذي يُحال على التقاعد منتصف السنة المقبلة كذلك.