IMLebanon

لبنان موجود بخفر في برنامج 2023

كتب جوني منيّر في “الجمهورية”:

ساعات معدودة تفصل لبنان والعالم عن سنة جديدة. سيذكر التاريخ بلا شك أنّ العام 2022 كان صعباً مغمّساً بالدماء ومثقلاً بالأزمات والتحّديات. وإحدى أهم محطاته كانت الحرب التي اندلعت في اوكرانيا، وأدّت تطوراتها إلى أزمة طاقة حادة وأزمة قمح وغذاء، وإلى زعزعة استقرار القارة العجوز اوروبا.

وهذه الحرب التي أُريد لها ان تكون سريعة وخاطفة، أضحت حرباً طويلة وصعبة، هدّدت الاستقرار العالمي وجعلت من شبح اندلاع الحرب العالمية الثالثة مسألة مطروحة وقابلة للحصول.

في سنة 2023 ثمة آمال ومؤشرات إلى إمكانية اجتراح حلول تؤدي إلى إسكات المدافع وفتح ابواب قاعات التفاوض. لكن هذه التمنيات تخضع لحسابات المصالح الدولية التي لا تأبه سوى لحسابات النفوذ والقوة على الخريطة العالمية. ولا حاجة للتأكيد مرة اخرى، أنّ الحريق المشتعل في اوكرانيا يلفح العالم أجمع، ويبدّل في معادلاته. صحيح انّ روسيا هي الطرف المباشر في حرب لم تجرِ رياحها كما تشتهي، الاّ انّ ثمة طرفاً آخر موجود بقوة في ساحات القتال ولو بنحو غير مباشر، وهو الولايات المتحدة الاميركية.

وبعد ان كانت الآلة الاميركية الضخمة قد باشرت تحرّكها في اتجاه الصين واضعة ايّاها كأولوية مطلقة، وبهدف العمل على احتواء النمو الهائل للتنين الصيني على المسرح العالمي، جاءت حرب اوكرانيا لتقلب المعادلات، وتعمل على تركيز الاولوية الاميركية في اتجاه روسيا لا الصين، وفي مقابل رسم معادلة جديدة مع التنين الصيني ترتكز على المهادنة.

وهكذا تتحدث الأروقة الديبلوماسية عن زيارة تعمل واشنطن على التحضير لها جيداً لوزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن إلى بكين مطلع السنة المقبلة، في مهمة إرساء صيغة تهدئة بين الجبارين، خصوصاً انّ المارد الاقتصادي الصيني يريد احتواء التداعيات الاقتصادية التي تسببت بها جائحة كورونا وأصابت الاقتصاد الصيني خصوصاً.

ولأنّ الحرب الاوكرانية ستبقى في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية لواشنطن، فلا بدّ للإدارة الاميركية من معالجة التشعبات الأساسية لأطراف هذه الحرب، والمقصود هنا ايران. ذلك انّ طهران باتت موجودة في صميم هذه الحرب، من خلال التعاون العسكري المستجد بينها وبين موسكو، والذي تجلّى في وضوح بالمُسيّرات الايرانية التي اثبتت قدرتها العسكرية في الميدان، وعوّضت النقص الذي سجّله سلاح الجو الروسي. وهذا ما استُتبع بتبادل روسي – ايراني في ميدان التسليح الحربي. لكن ايران بدورها عانت ولا تزال من أزمات استجدت وجعلتها في موقف صعب، وإحدى أهم هذه الأزمات، تلك الاضطرابات الناتجة من التظاهرات الشعبية المتواصلة منذ نحو 4 اشهر، والتي تشكّل التحدّي الأقوى والأخطر منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979، والأهم انّ هذه الاحتجاجات ترتكز على الفئة الشبابية، والتي تحظى بتعاطف عدد من القطاعات.

صحيح انّ الاوساط الديبلوماسية لا تزال متمسكة بأنّ هذه الاحتجاجات لم تصل بعد إلى درجة الخطورة على النظام القائم، لكن استمرارها لفترة غير محدّدة قد يفتح الباب امام كل الاحتمالات. فالمعلومات الموجودة لدى هذه الاوساط تنقل وجود استياء شعبي جراء الاوضاع الاقتصادية الصعبة، وايضاً عدم تقبّل الربط الاقتصادي بروسيا والصين، إلى جانب الشكوى من القوانين الصارمة للنظام الديني الموجود.

ولا شك في أنّ السلطات الايرانية مشهورة بأسلوبها البراغماتي والواقعي، وهي تستعد فعلياً لإعادة انتاج صورة اخرى ترتكز على تجديد ثوبها، إن من خلال إزاحة عدد من الوجوه الأساسية، والتي أصبحت مرفوضة من الشارع، او من خلال التخفيف من القيود الصارمة الموضوعة. ولكن الأهم سعي ايران لفك أزمتها الاقتصادية عبر السعي إلى تحرير أرصدتها المجمّدة وفتح اسواق الاستثمار امام القدرات الاقتصادية الغربية الهائلة. وفي اختصار، ذهاب ايران في اتجاه توقيع الاتفاق النووي، إلى جانب تفاهمات حيال سياستها ونفوذها في الشرق الاوسط.

وخلال الاسابيع الماضية تمدّد «ضغط الدولار» ما بين لبنان وسوريا والعراق. صحيح انّ الأوضاع الاقتصادية لهذه البلدان كارثية إلى درجة بعيدة، لكن هنالك من يضع المسألة في هذه اللحظة في إطار الكباش الاميركي ـ الايراني على ابواب تحسين الشروط قبل الذهاب إلى توقيع الاتفاق.

ذلك انّ ايران التي لديها «أغلى» حليف اقليمي وهو «حزب الله»، موجود على الساحة اللبنانية، تسعى ايضاً إلى بناء قوة مؤثرة في سوريا إلى جانب نظام يحتاج اليها. والأهم انّ الدولار الاميركي الموجود في العراق يشكّل متنفساً مالياً اساسياً لإيران، إلى درجة انّ البعض يعتقد أنّ احد اسباب صمودها يعود إلى العلاقة التجارية المفتوحة بينها وبين العراق. وثمة مؤشر مهم ظهر سريعاً على صفحات الاعلام من دون ان يثير الضجة المطلوبة، فلقد ذُكر انّ سلطنة عمان تعتزم تعديل قانون مقاطعة اسرائيل، والأهمية تكمن هنا اولاً بالتوقيت، وثانياً بالعلاقة المميزة الدافئة التي تربط ايران بالسلطنة، خصوصاً انّ المفاوضات السرية التي كانت حصلت بين واشنطن وطهران للتمهيد لتوقيع الاتفاق النووي عام 2015، جرت بسرية مطلقة في سلطنة عمان، والتي يتردّّد ايضاً انّها تتولّى قنواتها نقل رسائل ومفاوضات بين الايرانيين والاميركيين. اما المؤشر الثاني المهم ايضاً، فهو ما نقلته صحيفة «هآرتس» عن مصادر اسرائيلية رفيعة، باحتمال حصول تحولات مرتقبة على الساحة الدولية، ستؤدي إلى استئناف المحادثات النووية. وأضافت الصحيفة الاسرائيلية، أنّ التقديرات الأمنية الاسرائيلية تشير الى انّ واشنطن معنية بتوقيع الاتفاق، وانّ الاوساط العسكرية الاميركية تؤيّد توقيعه، لكنها ترى في دعم ايران لروسيا في حربها على اوكرانيا عقبة اساسية يجب تخطّيها.

في الواقع، لا بدّ من توسيع دائرة التفاهمات لتشمل خصوصاً الساحات اللبنانية والسورية والفلسطينية. وباب الخطورة والحساسية هنا، اقتراب اسرائيل من حكومة هي الأشد تطرّفاً في تاريخها، وهو ما رفع من مستوى قلق اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، لاعتباره أنّ هذا التطرّف سيؤذي اسرائيل.

ذلك انّ غلاة المتطرفين سيمسكون بحقيبة وزارة الداخلية مع سلطة كبيرة على الشرطة وحرس الحدود في الضفة الغربية، وايضاً حقيبة وزارة المال حيث سيتولّى الوزير مسؤولية محدّدة في وزارة الدفاع تُعنى بالوحدات العسكرية المسؤولة عن الضفة الغربية. ولا حاجة للاستنتاج أنّ المتطرفين يريدون قلب الواقع القائم في الضفة الغربية، خصوصاً انّ ايران كانت قد سعت خلال الفترة الاخيرة إلى تركيز حضورها فيها. وتعتقد اوساط ديبلوماسية غربية، أنّ ايران تعمل على تطويق اسرائيل بالنار من جنوب لبنان إلى الجولان إلى الضفة الغربية، ما سيعرّض ايضاً الاستقرار في الاردن. من هنا لا بدّ من الربط بين عودة التوتر إلى جنوب سوريا وبين هذه الصورة العريضة، وبالتالي من المنطقي الاستنتاج أنّ التدهور الاقتصادي والمالي في سوريا قد لا يتوقف إلّا مع انجاز تفاهمات صلبة تطاول النفوذ الايراني جنوب سوريا.

وفي هذه الاوساط هنالك من ينقل عن الاسرائيليين، أنّ المرحلة الحالية هي بمثابة المعركة الأمنية الفاصلة بين حربين، حيث تعمل ايران على تدعيم «حزب الله» وتقويته وإيجاد حضور ايراني دائم وثابت وقوي في سوريا، وإجراء تمركز في الضفة الغربية. وفي المقابل تعمل اسرائيل على تفكيك هذه الحلقة وضرب ركائزها، وخصوصاً مسألة استكمال تسليح «حزب الله». ومن هذه الزاوية يجب النظر إلى الساحة اللبنانية المرهقة والاستحقاقات التي تنتظرها.

ففيما يلهو المسترئسون ومعهم القوى السياسية في مقاربتهم للاستحقاق الرئاسي من باب ترف دخول قصر بعبدا واختطاف اللقب فقط لا غير، فإنّ الصورة الفعلية والمهمات المطلوبة تبقى أعقد بكثير.

ولأنّ الادارة الاميركية المعنية بالحرب الاوكرانية باتت تميل إلى إعادة احياء الاتفاق النووي معطوفاً على تفاهمات محدّدة حيال الحضور الايراني في المنطقة ومن ضمنها لبنان، تمّ ابلاغ وزير الخارجية اللبنانية عبدالله بوحبيب خلال لقاءاته في واشنطن مع مختلف المسؤولين في الادارة الاميركية، رسالة واضحة مفادها: لقد طفح الكيل. فلقد عملنا أقصى ما يمكن فعله، ولا ابواب مفتوحة امامك سوى باب صندوق النقد الدولي.

وفي موازاة ذلك، فإنّ فرنسا المهتمة بالتفاصيل اللبنانية، ستتحرّك بقوة اكبر مع مطلع السنة الجديدة، متسلّحة بدعم اميركي واضح. ذلك انّ باريس تدرك أنّ الظروف اللبنانية صعبة ومتشابكة، وقد تقف امامها حجر عثرة. فالسلبية الفاقعة هي سمة الاطراف السياسية في لبنان. لكن ثمة تعويلاً على سلاح العقوبات، على ان يفعل فعله كما في الافلام السينمائية، حيث ينجح سلاح «اللايزر» بتفتيت الصخور التي تقطع الطريق. وعلى سبيل المثال، هناك في حركة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الأخيرة «حركة بلا بركة» لكن هناك من قرأ فيها حركة سلبيّة استباقيّة.

فباسيل الذي فشل في الحصول على موعد مع الرئيس الفرنسيّ ايمانويل ماكرون خلال زيارته لباريس، اقتصرت زيارته على لقاء رسميّ مع بيار دوكان، وآخر جانبيّ مع باتريك دوريل على هامش العشاء الذي أقامه السفير اللّبنانيّ في باريس.

وبالتالي هل يحضّر باسيل لرمي مزيد من الصخور على درب الحلول، انتقاماً لتجاهله فرنسياً؟

قد يكون هذا الاحتمال وارداً، ولكن «ليزر» العقوبات سيكون حاضراً، خصوصاً اذا ما كانت الظروف الاقليمية اصبحت ناضجة، ما يحتّم على لبنان اقتناص الفرصة سريعاً.