IMLebanon

“العيدية” هل سيقدمها “الحزب” للراعي؟

كتبت مارلين وهبه في “الجمهورية”:

إتّسمت عظة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الاخيرة بحدّة وقصف مباشر على جبهة الصلاحيات اللصيقة برئيس الجمهورية، وذلك خلافاً لعادة البطريركية المارونية في تلطيف مواقفها، معتمدة الخطاب الديبلوماسي الذي لطالما اتسمَت به عظات البطريرك وانتُقد بسببه، إذ كانت الأطراف المسيحية المتطرفة والمعترضة تلومه على «خطابه السلِس»، وترى انّ المطلوب من بكركي تحريك العصا لا الديبلوماسية.

في عظته الاخيرة، رفع الراعي سقف «التوبيخ السياسي»، ولم يكثر كالعادة من التساؤلات، كما لم يحذّر من المسّ بالصلاحيات اللصيقة برئيس الجمهورية الماروني فقط، بل رفضها، في وقت اعتقد البعض انّ زيارة الرئيس نجيب ميقاتي لسيّد الصرح مؤكّداً أنّ انعقاد جلسات مجلس الوزراء هي محض دستورية، وكذلك إصدار المراسيم إذا كانت موقّعة من رئيس الحكومة والوزراء المختصين، بعكس ما نقله إليه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل… لكن الراعي بَدا بعد عظته الاخيرة غير مقتنع بتبريرات ميقاتي لهذا الملف تحديدًا، فلجأ إلى التحذير من المغالاة والتمادي في التطاول على الصلاحيات اللصيقة برئيس الجمهورية.

وفي المعلومات، انّ قريبين من الرئيس ميشال عون نصحوا ميقاتي بعدم الإصرار على عقد جلسة لمجلس الوزراء إذا كان لا يريد الاستمرار في الكباش السياسي بينه وبين باسيل فليكن. وعُلم ايضاً انّ هؤلاء نصحوه بعدم جرّ المعركة او تحويلها معركة بين صلاحيات رئيس الحكومة السنّي وصلاحيات رئيس الجمهورية الماروني، وتحديدًا الصلاحيات اللصيقة برئيس الجمهورية، لأنّ لهذا الامر ارتدادات سلبية ستنعكس عليه، أي انّ الامر سيكون محرجاً لبقية الاحزاب والأطراف المسيحية التي لن تستطيع الاستمرار في مجاراته او السكوت على هذا الأمر، ولو اختلفت مع باسيل في أمور اخرى كثيرة.

وفي السياق، وبحسب هؤلاء، فإنهم قالوا لميقاتي ان لا مصلحة له بهذا الامر، لأنّ الاطراف المسيحية لن يلوموا «الثنائي الشيعي» المتفرج والموافق ربما ضمنياً على الامر، بل سيكون ميقاتي في الواجهة وسيُوجّه إليه اللوم وسيُتّهم بالانقضاض على صلاحيات رئاسة الجمهورية، أي انّه سيحملها في صدره. ومن هنا جاء خطاب البطريرك الذي جسّد هذا التحذير من خلال عظة أرادها شاملة طويلة وحاسمة.

حسم الراعي في عظته الأخيرة المسؤوليات التي تقع على الحكومة وعملها، وكذلك بالنسبة الى الملفين الرئاسي والقضائي، ووجّه اللوم الى المسؤولين عن تعطيل آلية العمل القضائي بالمباشر، لا سيما في ملف انفجار المرفأ…

في المقابل، وبعد تلك العظة الدسِمة، جاء الردّ من الضاحية، وتحديدًا من رئيس المجلس السياسي لـ»حزب الله» السيد ابراهيم امين السيد، الذي قصد بكركي مترئساً وفدًا من «الحزب» للمعايدة، الأمر الذي فطن الغالبية الى أبعاده التي لا يمكن حصرها بالمعايدة بعد قطيعة دامت اكثر من سنتين بين بكركي والحزب، ولو نكر الأخير الأمر متحجّجاً «بزمن الكورونا»، إذ يعلم الحزب والمراقبون واللبنانيون أنّ اللهجة التصعيدية التي انتهجتها بكركي إبّان الثورة، ودعوة الراعي من نافذة الصرح اللبنانيين في خطابه الشهير الى عدم السكوت «لا تسكتوا… لا تسكتوا»… والمطالبة بالتدويل وبمؤتمر الحياد الذي رفضه «الثنائي الشيعي» في المطلق… كل هذه الملفات أزّمَت العلاقة بين بكركي والحزب إلى أعلى مستوى، من دون ان ننسى الملفات القديمة المتراكمة التي فرملت العلاقة بين الجانبين، بدءاً بالأراضي المتنازع عليها في لاسا وأخيراً في رميش، مروراً بمطالبة الراعي بمؤتمر للحياد، وإلى ملف المطران الحاج الذي زاد الوضع تعقيداً ولا يزال موضع أخذ وردّ، علمًا انّ مطالب الراعي في هذا الملف تحديداً لم تُنفّذ حتى الساعة على رغم من الوعود المتكرّرة بتنفيذها «وأنّ الامر قيد الدرس…».

يعتبر البعض انّ السبب الذي دفع وفد «حزب الله» الى زيارة بكركي وتجاوز تعقيدات تلك الملفات المأزومة ووضعها جانباً، هو الملف الأهم، وهو الرئاسي بامتياز.

بَدا الحزب ظاهرياً أنّه أقرّ بضرورة مباركة بكركي لخياره او للرئيس الموعود الذي يبدو انّه مصرٌ عليه. وبغض النظر عن الأسماء التي تمّ إمرارها في اللقاء الذي دام ساعة، فقد علمت «الجمهورية» انّ الحزب كان مصغياً جيداً لأفكار الراعي ومطالبه، خصوصًا بالنسبة الى الملف الرئاسي وصلاحيات رئاسة الجمهورية.

ولخصت مصادر ثقة لـ«الجمهورية» المشهد السائد كالآتي:

الافق مقفل. جميع القوى ترفض أي حلحلة في الملف الرئاسي، وما زالت مصرّة على مرشحيها، وترفض الانتقال من الخطة «أ» الى الخطة «ب»، فمن هو متمسّك بقائد الجيش ما زال متمسكاً به، ومن هو متمسك بسليمان فرنجية ما زال متمسكاً به أيضًا.

وتقول اوساط قريبة من الحزب انّه ما زال متمسكاً بفرنجية، وانّ كلام السيد ابراهيم امين السيد من بكركي الذي أصرّ على مبدأ التوافق على اسم الرئيس، يعكس بشدة موقف الحزب الأساسي، أي التوافق الكبير على اسم الرئيس، وهو يعتبر أو يسلّم بأنّ فرنجية يعكس إلى حدّ ما توافقًا كبيرًا، ولا يرى في هذا الاسم تحدّيًا، إذ يستطيع فرنجية ان يكون الرئيس التوافقي، لأنّه لا يستفزّ الغرب ولا السعودية، وهو رئيس على المستوى السياسي، فقد يكون قريبًا او محسوبًا على طرف ما لكنه على المستوى الشخصي يمكن ان يكون رجل المرحلة، وعلى تواصل مع كافة الاطراف.

من هذه الزاوية يرى الحزب انّ تمسّكه حتى الساعة بفرنجية ضروري، كذلك موافقة جبران باسيل على فرنجية ضرورية. ويعتقد قريبون من الحزب انّ باسيل سيسير بفرنجية ضمن توافقات كبيرة ولها علاقة بأمور اخرى كبيرة، ولذلك فإن إمكانية تسويق فرنجية ما زالت مُتاحة.

بحسب المعلومات، ليس لدى الحزب خطة «ب» حتى الساعة، ولم يتطرّق وفده مع الراعي إلى مثل هذه الخطة، إذ يرى تحديدًا في هذه المرحلة انّ البيئة الاقليمية بالنسبة اليه هي اليوم غير ايجابية وليست مطمئنة، ففي الملف اليمني لم تتقدّم الوساطة العُمانية، والملف الأوكراني انعكس سلباً على علاقات ايران الاوروبية عموما والفرنسية تحديداً، فالاوروبيون يصعّدون كثيراً فيما يتعلق بالداخل الايراني رداً على ما يعتبرونه تدخّلاً ايرانياً في الأمن القومي الاوروبي في اوكرانيا. كذلك في الملف السعودي لم يحصل أي تقارب سعودي – ايراني في مؤتمر بغداد-2، لذلك ترى اوساط الحزب انّ «كركبة» الاقليم تستوجب بالنسبة اليه رئيساً مطمئناً بالمنطق السياسي، إلّا اذا…

اما بالنسبة الى الملف الحكومي، فلا قرار حاسماً حتى الساعة بالنسبة الى مشاركة الحزب في حال دعا ميقاتي إلى جلسة لمجلس الوزراء، في وقت لا يمكن استبعاد ان يكون الراعي قد «تمنّى» على الحزب، من باب الحرص على الملف الرئاسي، عدم المساس بالصلاحيات اللصيقة بالرئاسة المارونية ايضاً، ولو انّ السجالات والمساجلات الاخيرة بين ميقاتي ووزير التيار الخفي او وزير الظل أي جبران باسيل والوزير وليد فياض، توحي انّ ميقاتي باستفزازه «التيار الوطني» يريد ان يجرّه إلى طاولة مجلس الوزراء إن بالنسبة الى التعيينات العسكرية او بالنسبة الى سلفة الكهرباء التي استخدمها ميقاتي للضغط ربما او لابتزاز الوزراء المحسوبين على «التيار» وجرّهم للضرورة، إلى طاولة مجلس الوزراء!

ولكن السؤال المطروح: هل سينجح ميقاتي أم سيقبل بنصيحة البعض بعدم المساس بصلاحيات الرئيس؟ أم سَيمون «الحزب» عليه ويمرّرها «عيدية» للبطريرك؟