IMLebanon

اشتباكٌ قضائيّ… ومُلاحقات ستطال سياسيّين!

كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:

فجّر المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار «قنبلة قانونية»، أصابت شظاياها الجسم القضائي، قبل أن تصل إلى الأوساط السياسية والأمنية، إذ فاجأ الجميع بقرار عودته المباغتة إلى مكتبه في قصر العدل في بيروت، حيث استأنف تحقيقاته المتوقفة منذ 13 شهراً، مستهلا إجراءاته بطلب الادعاء على ثماني شخصيات جديدة تضمّ سياسيين وقضاة وأمنيين، وحدد مواعيد لاستجوابهم، وأرسل مذكرات لتبليغهم مواعيد الجلسات.

وفيما رفض البيطار الإفصاح عن أسماء المدعى عليهم، أفيد بأن ضمنهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، وثلاثة قضاة سبق أن طلب من النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الادعاء عليهم، كما اتخذ البيطار قراراً بإطلاق سراح خمسة موقوفين في الملفّ، هم مدير عام الجمارك السابق شفيق مرعي، ومدير العمليات السابق في المرفأ سامي حسين، ومتعهد الأشغال في المرفأ سليم شبلي، ومدير المشاريع في المرفأ ميشال نحول، والعامل السوري أحمد الرجب، ومنعهم من السفر، ورفض إخلاء سبيل 12 آخرين وأبقاهم قيد التوقيف.

ويبدو أن المحقق العدلي المطوّق بـ40 دعوى مقامة ضدّه وتطلب ردّه وتنحيته، تمكن من إعداد دراسة قانونية مفصّلة، تتيح له استئناف مهامه، وبرر خطوته المفاجئة، بأسباب قانونية منها أن المادة 357 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، نصّت على أن «المجلس العدلي يؤلف من الرئيس الأول لمحكمة التمييز، ومن أربعة أعضاء من محاكم التمييز يعينون بمرسوم يتخذه مجلس الوزراء؛ بناء على اقتراح وزير العدل، وموافقة مجلس القضاء الأعلى». ولفت إلى أن المادة نفسها تضمنت ما مفاده، أن «المرسوم نفسه يقضي بتعيين عضو رديف أو أكثر في المجلس العدلي، يحلّ محلّ القاضي الأصيل في حال إحالته على التقاعد أو الوفاة أو في حال ردّه». ولاحظ أن «القانون نصّ على ردّ أعضاء في المجلس العدلي، لكنه لا وجود لأي نص قانوني يتحدث عن ردّ المحقق العدلي، ما يعني عدم جواز ردّه، وبالتالي لا قيمة لدعاوى الردّ المقدمة ضده».

وقبل أن يواجه بالأسبقيات التي أفضت إلى تنحية القاضي إلياس عيد عن مهامه كمحقق عدلي في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وإلى تنحيته القاضي فادي صوّان عن هذا الملفّ، اعتبر البيطار أن «قرارات تنحية القاضيين عيد وصوّان لا تقع في موقعها القانوني، وهذا يعني أن القاضيين المذكورين تخليا عن مهمتيهما بإرادتهما الذاتية وتنحيا طوعاً». وشدد البيطار على أن «شخص المحقق العدلي مرتبط بالقضية التي ينظر فيها، فإذا أقيل المحقق العدلي فسوف تنتهي القضية». وتابع «يمكن للمحقق العدلي أن يدعي على جميع الأشخاص من دون طلب الإذن من أي إدارة أو وزارة»، معتبراً أن «المادة 356 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، أخذت معياراً واحداً لا غير يتعلق بطبيعة الفعل الجرمي لإحالة الدعوى على المجلس العدلي، دون إعطاء أي اعتبار لهوية المرتكبين، سواء كانوا من السياسيين أو العسكريين أو القضائيين، وأن المادة كرست المفعول الساحب للجرائم المحالة على المجلس العدلي، بحيث يصبح المجلس العدلي وحده المرجع الوحيد الصالح للبتّ بها».
وبرر المحقق العدلي إعطاء الحق لنفسه بالادعاء على قضاة وأمنيين وعسكريين من دون الحصول على إذن من الإدارات المعنية، وذكّر بأن «المادة 362 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، رفعت أي قيود عن مهام المحقق العدلي، وأعطته صلاحيات مماثلة للصلاحيات العائدة للنائب العام التمييزي في الادعاء».

وتوقّعت مصادر قضائية أن «تتجاهل النيابة العامة التمييزية قرارات البيطار وترفض تنفيذها، كونها مخالفة للقانون، ولا يجوز لقاضٍ مطلوب تنحيته، أن يتفرّد باجتهاد قانوني ويبرر لنفسه العودة»، ما يوحي بحصول اشتباك قانوني وقضائي معها.
إلا أن مصادر مقربة من المحقق العدلي أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن البيطار «لن يتأثر برفض النيابة العامة لقراراته، وعندها سيلجأ إلى إبلاغ المدعى عليهم لصقاً، وفي حال لم يحضروا فسيصدر مذكرات توقيف غيابية بحقهم». وأوضحت أنه «في حال رفضت النيابة العامة تبليغ المدعى عليهم، فعندها يستطيع المحقق العدلي إبلاغهم لصقاً، وبعدها قد يذهب إلى إصدار مذكرات توقيف غيابية بحقهم». ولفتت إلى أن البيطار «قطع شوطاً كبيراً في إعداد مسودة القرار الاتهامي خلال ملازمته منزله طيلة فترة تعليق عمله». وأشارت إلى أنه حتى الآن 540 صفحة من القرار الذي سيكون بحدود 650 أو 700 صفحة تفنّد فيها حقيقة انفجار المرفأ وأسبابه والمسؤولين عن هذه الجريمة.