IMLebanon

هكذا “طار” البيان الختامي للقاء الخماسي

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

لم يكن سهلاً على أي مرجع أن يحظى بتقرير مفصّل عن اللقاء الدولي – العربي الخماسي الذي عقد من أجل لبنان الاثنين الفائت في باريس. وفي انتظار التقارير الديبلوماسية فقد تحدثت بعض التسريبات عن لقاء ما زال مفتوحاً وان للبحث صلة. وان المجتمعين فوّضوا الى باريس صَوغ ورقة عمل سيعاد البحث فيها، بعد مراجعة ممثلي الأطراف لحكوماتهم. وعليه، ما الذي يمكن الاشارة اليه؟

قبل التفكير بما شهده لقاء باريس الذي جمع ممثلي الأطراف الخمسة على مستوى الموظفين الكبار في وزارات خارجية كل من فرنسا، الولايات المتحدة الاميركية، المملكة العربية السعودية، قطر ومصر، وما انتهى إليه، سأل بعض المراقبين عن صورة للاجتماع لمعرفة شكل الطاولة التي جمعتهم وطريقة توزّع ممثلي الأطراف الخمسة عليها، فلم يقدمها أحد. لعلها توحي لهم بما يمكن ان يرضي فضولهم خصوصا اولئك الذين ما زالوا يراهنون على دور خارجي يوفّر مؤشرا لإمكان سلوك الطريق الى إتمام الاستحقاق الرئاسي في وقت ما زال هناك من يترقب انعكاسا للحركة الخارجية على الجمود الداخلي بدلاً من ان يستدرج اي تطور داخلي الدعم الدولي حسبما أوحَت به المراجع الديبلوماسية الصديقة للبنان.

وفي الوقت الذي كان المكلفون ادارة ما يتصل بالوجه الرئاسي من مجموعة الازمات التي يعيشها لبنان على اتصال مباشر بباريس لرصد أي إشارة ترضي رهاناتهم على مثل هذا اللقاء ليُبنى على الشيء مقتضاه، كان آخرون يحصون الترددات العائدة للوجوه الاخرى من هذه الازمات. وخصوصا تلك التي كانت ترصد ما يمكن ان يشهده قصر العدل من ترددات المواجهة الداخلية في السلك القضائي نتيجة الخلاف الذي ما زال يتفاعل بين المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات والمحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار في موازاة متابعة الكوارث التي تسببت بها الهزات الارضية المتتالية التي ضربت الاراضي السورية والتركية وتردداتها على لبنان ودول الجوار، بطريقة لم يتنَبّه كثر الى انّ السرايا الحكومية كانت على موعد مع الجلسة الثالثة لحكومة تصريف الأعمال منذ خلو سدة الرئاسة التي كانت مهددة بالتأجيل في الساعات الاخيرة التي سبقت انعقادها.

واستناداً الى هذه المعطيات الأولية، فإنّ بعض المراقبين لم ينتظروا من لقاء باريس كثيرا من الخطوات المتقدمة التي يمكن ان ترفد الساحة اللبنانية بما يشجع الاطراف المتنازعة على النزول من السقوف العالية التي ارتقوا اليها اعتقاداً منهم ان هناك من سينتصر من الخارج لهذا الطرف أو ذاك. فقد راهن البعض منذ فترة على تقدم محوره في الإقليم والعالم وانّ ذلك يمكن ان يفرض معادلة جديدة تكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها الاستحقاق الرئاسي لمصلحته في أي لحظة. وقد فات هؤلاء ان العالم مُنشغل بكثير من الأزمات الكبرى التي تتقدم على ما عداها حتى تلك الاقليمية منها والداخلية، ليس في لبنان فحسب، انما في كثير من الدول الفاشلة التي أثبتَ اهل الحكم فيها عجزهم عن إدارة شؤونهم الداخلية.

وانطلاقاً من هذه الفرضيات التي تحكّمت بتصرفات أكثر من طرف داخلي، سعت بعض المرجعيات السياسية وما زالت الى استقصاء ما يمكن ان يكون قد انتهى اليه اللقاء الخماسي، فعدم صدور بيان نهائي عن المجتمعين دَفعهم الى مزيد من البحث عن الظروف التي عطّلت التفاهم على مشروع البيان الختامي ممّن اعتقد انه كان على تماس مباشر ببعض الأطراف الذين تمثّلوا على الطاولة الفرنسية. وسبق لهم ان ناقشوا مخارج كان البحث يدور حولها تأسيساً على بعض المناقشات القديمة التي سبقت الحملة الديبلوماسية الفرنسية الاخيرة في أكثر من عاصمة خليجية وغربية.

فقد سبق الموعد الاخير، أن سقطت محاولات اخرى لعقد اللقاء في مرحلة امتدت منذ ما قبل عيدي الميلاد ورأس السنة الى منتصف الشهر الماضي، وكأن الموعد الأخير في السادس من شباط الجاري قد تحوّل الفرصة الاخيرة التي على باريس خوضها. فقد كان لديها مجموعة من الأفكار التي لا بد من مناقشتها والبت بها على قاعدة ان الوضع في لبنان اقترب من الإنهيار الكبير، وخصوصا في المجالات الانسانية والاجتماعية وربما الامنية، نتيجة تداعيات النزوح السوري وتراجع قيمة العملة الوطنية الى درجة غير مسبوقة تهدّد بموجات ارتدادية خطيرة ولا يمكن التفرّج على ما يجري الى ما لا نهاية.

وعليه، فإن المعلومات الأولية التي توافرت من اكثر من مصدر غربي وخليجي، أثبتت عقم هذه النظرة، اذ تبين ان الاجتماع الذي استمر اربع ساعات ونيف انتهى الى أكثر من قراءة مختلفة ومتناقضة. فبعض الأفكار السعودية والأميركية اصطدمت بمشروع الصيغة النهائية التي أعدّتها فرنسا، خصوصا على مستوى الرهان على ما يمكن ان يطلبه المجتمعون من أهل الحكم في لبنان، فعجزهم فاق كل التوقعات ولم تكن باريس قد اطّلعت على نتائج زيارة موفد الرئيس الفرنسي المكلّف تنسيق المساعدات الى لبنان بيار دوكان الذي نقل الى الخارجية الفرنسية ما سُمي «التقرير الاسود» الذي نعى فيه أي أمل في ان تُنجز المنظومة اللبنانية الحد الادنى مما هو مطلوب وما كان متوقعاً منها.

وما زاد في الطين بلة، انّ دوكان تبلّغ قبل انتقاله من القاهرة وعمّان الى بيروت بتجميد البنك الدولي البحث من طرف واحد في طلب لبنان قَرض الـ 300 مليون دولار لتمويل استجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية عبر الأراضي السورية. وهي خطوة سلبية جاءت في وقت باتَ صندوق النقد الدولي متردداً ومشككاً بقدرة اللبنانيين على تنفيذ الخطوات الأولى التي تحدّث عنها الاتفاق المُبرم على مستوى الموظفين في 9 نيسان من العام الماضي. فتراكمت المؤشرات السلبية التي اضيفت الى حصيلة جولة وزيرة الخارجية الفرنسية على الرياض وأبو ظبي. وباتت الورقة الفرنسية وكأنها في رأي الاميركيين والسعوديين من الماضي وهي في حاجة الى عملية «تيويم». فكانت الدعوة الاميركية الى التريّث في ابداء أي رأي او البت بأي خطوة اضافية تجاه لبنان مهما كانت متواضعة، فأيّدتها قطر ومصر وانتهت المناقشات الى تفويض الفرنسيين تجديد مقترحاتهم والأخذ في الإعتبار ما انتهت اليه التطورات الاخيرة.

وبناء على ما تقدم، لا يمكن لبعض المراجع الديبلوماسية ان تضيف الى هذه المعطيات أي معلومة مفيدة سوى الاسترسال في التنظير. فتوقف الحديث عن السيناريوهات المرتقبة باتَ رهن ما يمكن ان يقوم به اللبنانيون قبل غيرهم من خطوات، وان عليهم تترتب المسؤولية الاولى في التقدم بانتخاب رئيس للجمهورية. فباستثناء باريس ليس لدى الدول الاربع أي مرشح رئاسي لِتتقدّم الصفوف في اتجاه مثل هذه الخطوة التي ينتظرها بعض اللبنانيين وما عليهم سوى التصرف على هذا الأساس.