IMLebanon

سياسة النكايات تتهدد آخر معاقل الدولة!‏

كتبت نجوى ابي حيدر في “المركزية”:

حسنا فعل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بجمع وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزاف عون في مكتبه عقب اجتماع امني صباحي في السراي حضره اليهم المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، المدير العام لامن الدولة اللواء طوني صليبا، المدير العام للامن العام بالوكالة العميد الياس البيسري والمدير العام لوزارة المال جورج معراوي، عرض اوضاع المؤسسة العسكرية والعلاقة بين وزارة الدفاع وقيادة الجيش، بعدما بلغ الخلاف بين القائد والوزير حداً غير مسبوق وخرج الى العلن في شكل فاقع. بحسب معلومات السراي جرى الاتفاق على حل التباينات بروح التعاون حفاظا على الجيش ودوره وعلى العلاقة الوطيدة بين وزير الدفاع وقائد الجيش.

الاجتماع فرضته تطورات الساعات الاخيرة في ضوء قرار وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم ايقاف احالة بريد قيادة الجيش الوارد اليها والصادر منها إلى باقي الوزارات والجهات الخارجية. امر يؤدي حكما إلى عرقلة العديد من المهمات المنوطة بالمؤسسة العسكرية وينعكس تعطيلاً لجوانب تقنية في موجبات القرار 1701 من خلال عرقلة كافة عمليات التواصل مع قوات اليونيفيل و قيادتها و الامم المتحدة التي يمر بعضها عبر وزارة الدفاع.

ليس الخلاف بين الرجلين مستجدا ولا يتيما، فحروب الصلاحيات تعصف بمؤسسات الدولة كافة، الا ان مفاعيلها في المؤسسة العسكرية تكاد تكون الاخطر في زمن الشغور الرئاسي والازمات المحيطة بالبلاد سياسيا واقتصاديا وماليا مهددة بفوضى اجتماعية قد تنفجر في الشارع في اية لحظة. قبل البريد، انفجرت الازمة بين الرجلين على خلفيّة تسيير أعمال المفتشية العامّة في الجيش، بعد إحالة المفتش العام اللواء الركن ميلاد إسحق إلى التقاعد ورفض سليم توقيع إرجاء تسريحه ورئيس الأركان اللواء أمين العرم. وهو ما فاقم الأزمة وادى الى غياب التنسيق بالكامل بينهما. الا ان وضع قائد الجيش العميد الطبيب ملحم الحداد الذي كلفه سليم تسيير اعمال المفتشية في تصرفه شكل نقطة فاض بها الكأس.

بعيدا من عمق النزعة السياسية المتحكمة بالعلاقة بين الوزير والقائد، اذ ياخذ البعض على الوزير عمله تحت سقف قرارات رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل المعروف مدى نفوره من قائد الجيش، وغني عن التذكير بالحملة الشرسة التي يشنها على عون في الملف الرئاسي، تقول مصادر سياسية مطلعة على ما يدور على حلبة الصراع العسكري لـ”المركزية” ان طريقة التعاطي “الصبيانية” في ملفات على هذا القدر من الحساسية والدقة غير مقبولة، اذ تبدو خلفياتها كيدية انتقامية ،عوض ان تعتمد المنطق الوطني في ادارة شؤون البلاد وامنها، وما قرار ايقاف احالة بريد القيادة الى الوزارة سوى وجه من الوجوه الفاقعة لغياب الحكمة في التعاطي. وعلى رغم دخول الوساطات بقوة على خط ترميم العلاقة لتسيير الامور بالحد الادنى بين الوزارة والقيادة، تجدد الاشتباك وانقطعت خطوط التواصل مجددا عند اول استحقاق، مهددة بانفجار سياسي –امني لا تحمد عقباه. امر حتّم على رئيس الحكومة عقد الاجتماع الامني وجمع عون وسليم لوضع الامور في نصابها ووقف الانزلاق نحو مزيد من الخلافات والمخاطر.

المصادر تستغرب مدى انغماس سياسة النكد والمصالح في ادارات الدولة، وقد نخرتها حتى العظم وصولا الى الاجهزة الامنية والعسكرية، سائلة ” الا يدرك من يقف خلفها ويحركها عن بعد مدى الضرر والخطر الذي يتسبب به للبلاد عموما والمؤسسة العسكرية في شكل خاص وهي تكاد تكون اخر المعاقل الحصينة في الدولة اللبنانية بعد انهيار سائر اعمدة الهيكل. هذه المؤسسة التي تحمي الحدود وتزود عن الوطن وقد اثبتت بسالتها في مواجهة محاولات الاعداء المتربصين شرا بلبنان، من اسرائيل الى التنظيمات الارهابية التي خاضت وما زالت حروبا شرسة ضدها وتمكنت من دحرها وضبط خلاياها النائمة، تماما كما تحفظ الامن في الداخل وتحارب تجار المخدرات وتمنع الفتنة، هذه المؤسسة لا يجوز التعاطي معها على هذا النحو، وهي تجاهد في سبيل الحفاظ على ضباطها وعناصرها القابعين كما سائر اللبنانيين في ظل ازمة خانقة، تكاد تتهدد وحدتها واستمرارها وتماسكها لولا المساعدات التي تمكن قائد الجيش من توفيرها من خلال مروحة جولاته الخارجية تأمينا لدعم عيني وعسكري ولوجستي وطبي وتسهيلات قدمها في اكثر من اتجاه…

اذا كان من اشكالات قانونية، تختم المصادر، او مآخذ معينة لطرف على آخر، فالعلاج ليس حتما بسياسة النكد والنكايات. اضعف الايمان، الركون الى مقتضيات القانون والنظام العام حيث لكل مشكلة حل ولكل خطأ عقاب…اما اقحام النكايات في ادارة المؤسسات والاجهزة فممارسات لا تصحّ الا في شريعة الغاب ودولة المزرعة…. على امل ان يضبط اجتماع السراي اليوم ايقاع العلاقة على وتر الوضع البالغ الحراجة في البلاد.