IMLebanon

ما حصّة لبنان من التفاهم الإيراني – السعودي؟

كتب طوني جبران في “المركزية”:

عندما كان السباق قائما بين المسارين السعودي – الايراني والاميركي – الإيراني بما فيه المفاوضات الجارية مع مجموعة الـ (5+1) بشأن ملفها النووي كان يقال ان طهران رفضت منذ بداية المفاوضات قبل اتفاق تموز عام  2015 وبعد تجميده من طرف واحد من قبل الرئيس الاميركي دونالد ترامب في 8 أيار 2018 أنها لا تخلط في مفاوضاتها بين محتويات هذا الملف بما يؤكد على اهميته الإستراتيجية المتصلة بالامن القومي الايراني وما تسميه الدول الاخرى بضرورة ان تساهم إيران في معالجة مجموعة من الأزمات التي نشأت في عدد من دول الشرق الأوسط والخليج العربي التي تمددت إليها وتمارس وصايتها على “أذرعها” الى درجة اعترفت فيها بإنشاء جيوش لها في خمس عواصم عربية.

على هذه القاعدة، بنى محور الممانعة الكثير من النظريات التي تهاوت واحدة بعد أخرى وعلى مراحل مختلفة، من اليمن الى لبنان وسوريا والعراق طيلة السنوات الماضية. وإن كانت المفاوضات النووية قد تجنبت مثل هذه التفاهمات، فقد كشف الحوار السعودي – الايراني الذي رعته بغداد عن تعهدات ايرانية في أكثر من مناسبة بأنها باتت مستعدة للتعاون مع الرياض في ملف اليمن على الرغم من إصرارها على استقلالية الحوثيين والاصرار على أنهم أحرار لا يستمدون اي شكل من أشكال القوة منها، متجاهلين ما أنجزه الحرس الثوري الايراني وحزب الله من دور كبير مكن اليمنيين من تصنيع الصواريخ الباليستية المجنحة والطائرات المسيرة التي غيرت في مجرى الأحداث في أكثر من ازمة دولية امتدت من اليمن الى السعودية ودخلت منذ اسابيع قليلة في الحرب الاوكرانية كقوة مساندة للجيش الروسي في أكثر من معركة.

انطلاقا من هذه الوقائع التي لا تحتاج الى الكثير من التدقيق، كشفت مصادر ديبلوماسية مطلعة لـ “المركزية” ان لم يكن بالإمكان تحقيق اي تقدم على المسار السعودي – الايراني ما لم تتعهد ايران في مسلسل جلسات المفاوضات الخمس التي شهدتها بغداد ابتداء من الجلسة الثالثة منها بأنها ستلعب دورا مساعدا لتهدئة الوضع في اليمن وخصوصا في اعقاب الهجمات التي طالت منشآت أرامكو في المملكة العربية السعودية في 25 أيار العام 2022 وما سبقها وتلاها من هجمات على  منشآت حيوية اخرى في العديد من المناطق السعودية القريبة من الحدود اليمنية، ولا سيما في جيزان والظهران وأبها وخميس مشيط قبل ان تتطور لتطال منشآت أخرى في الإمارات العربية المتحدة في 17 كانون الثاني من العام 2022.

وتبعا لذلك، ساهمت الوساطة العراقية التي قادها رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي مدعوما من أكثر من قوة دولية وعربية والامم المتحدة في استدراج إيران الى ممارسة المزيد من الضغوط التي أثمرت تفاهما على وقف لاطلاق النار في اليمن لاقته السعودية بانهاء حكم الرئيس اليمني عبد الهادي منصور وتشكيل مجلس قيادة يجمع المكونات اليمنية المختلفة بهدف الحوار مع الحوثيين والبدء بالحل السياسي في البلاد توصلا الى صيغة حكم ترضي جميع الاطراف وتوزع مناطق النفوذ ومواقع السلطة في ما بينها بما يعزز الائتلاف المطلوب بينها وانهاء كل اشكال الصراع الذي يحظى بجانب قبلي وعشائري كبير لا يمكن تجاهله.

استنادا الى التجربة اليمنية توسعت المراجع الديبلوماسية في قراءة النتائج المترتبة على الوضع في لبنان، فالاستحقاق الرئاسي يغطي كبرى الأزمات اللبنانية ويشكل في حال مقاربته بصيغة تعيد الانتظام الى الحياة الدستورية في البلاد ليشكل اولى الخطوات المطلوبة من اجل احياء مشاريع التعافي المالي والاقتصادي بعد السياسي. ولذلك توجهت الانظار لفهم موقع لبنان وحصته من التفاهم الإيراني – السعودي على إحياء العلاقات الديبلوماسية بينهما بعد سبع سنوات من القطيعة، تلت الهجوم الذي نفذه الحرس الثوري على السفارة السعودية وقنصليتها في كانون الثاني العام 2016.

على هذه الخلفيات، تدعو المراجع الديبلوماسية الى التريث في الحكم على حجم الانعكاسات المتوقعة على لبنان، فوجهات النظر للدولتين بشأن ما يجري في لبنان ما زالت متباعدة على عكس التقدم الذي تحقق في اليمن وسمح بتجديد العمل بوقف النار على مرحلتين حتى اليوم، ولكن الأمر قد لا  يطول إن صحت السيناريوهات المتداولة عن إمكان الاستفادة من التقارب الايراني – السعودي لتنطلق الحركة الديبلوماسية التي يخوضها ممثلو لقاء باريس العربي – الدولي الخماسي الذي أطلق  في السادس من شباط الماضي وخصوصا ان الجانب القطري كان قد قطع شوطا بعيدا في مقاربته للأزمة في اتصالاته مع إيران وأطراف اخرى سمحت بتجنب الكثير من المطبات المحتملة مع امكان الوصول الى لائحة جديدة للمرشحين لرئاسة الجمهورية تخرج الأطراف كافة من الستاتيكو السلبي القائم اليوم، نتيجة عجز اي طرف من تأمين الاكثرية التي تضمن وصول مرشحه الى قصر بعبدا وهو ما قد يدفع الى البحث جديا عن اسماء جديدة تصلح لخوض السباق الى قصر بعبدا.

وتنتظر المراجع الديبلوماسية حراكا من نوع آخر يثبت الفصل بين مسار العلاقات السعودية – الايرانية والتفاهم على معالجة بعض الأزمات الداخلية في عدد من البلدان التي يتواجهان فيها. وهو ما سيتولى إدارته السفير السعودي في لبنان وليد البخاري الذي ستكون له جولة جديدة هذا الاسبوع تشمل رئيس مجلس النواب نبيه بري وعددا من القيادات السياسية والحزبية من أجل شرح ما يمكن ان يؤدي اليه التفاهم مع إيران ومعه المواصفات السعودية التي اسقطت عددا من الترشيحات بفعل الحد الادنى من التوافق الذي توصل اليه أطراف “لقاء باريس” ليشكل دافعا الى البحث عن مخرج لا يؤمنه سوى مرشحين جدد بعدما فعل “الغربال” السابق فعله في فرزهم، لنصل الى مرحلة “المنخل” الذي يمكن ان يقود الى ولادة لائحة صغيرة ومختصرة لا تتجاوز الأسماء الثلاثة وربما وصلت الى إثنين، قد لا يشكل وصول احدهما الى قصر بعبدا نفورا لدى الاكثرية النيابية التي يمكن تكوينها من جديد بصيغة غير مسبوقة تتراوح بين من يؤمن النصاب القانوني لجلسة الانتخاب بالثلثين ومن يوفر ما يفيض عن النصف زائد واحدا للرئيس العتيد.