IMLebanon

“أفكار عملية” يحملها ميقاتي إلى الفاتيكان

كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:

على وقع صفيح ازمة إقتصادية لم يشهدها لبنان منذ الحرب العالمية الأولى وفراغ في موقع رئاسة الجمهورية المسيحي الأوحد في الشرق ووقع تداعيات تقرير مفبرك عن تقلص أعداد المسيحيين في لبنان مما يهدد بدق نفير الخطر على مستوى الوجود المسيحي في لبنان خصوصا والشرق عموما، تأتي زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الفاتيكان لترسم جملة علامات استفهام حول التوقيت والخلفيات.

في قراءة أولية لأبعاد هذه الزيارة يرى الكاتب والمحلل السياسي الياس الزغبي أن “زيارة ميقاتي إلى الفاتيكان ليست طارئة بمعنى أنها جاءت بعد التطورات الأخيرة، بما فيها المصالحة السعودية-الإيرانية والتقارير التي تحدثت عن انخفاض هائل في أعداد المسيحيين الباقين في لبنان. هذه الزيارة طلبها ميقاتي قبل 3 أشهر على الأقل بعدما تفاقم اتهامه من بعض القوى المسيحية أنه تواطأ مع قوى أخرى على تفريغ الرئاسة الأولى في لبنان بهدف الإستئثار بالسلطة عبر رئاسة الحكومة وبالتنسيق مع رئاسة مجلس النواب ومن يدعمها، أي حزب الله.

ويضيف أن “ميقاتي حرِصَ أن يبرر للمرجعية العليا للمسيحيين في العالم دوره في رئاسة السلطة في ظل الشغور الرئاسي وكيف أنه لا ينطلق من حسابات طائفية ولا يستهدف الدور المسيحي ولا المسؤوليات والصلاحيات التي يتولاها رئيس الجمهورية”.

إذا الشق الأول للزيارة يحمل هدفاً توضيحياً “لوضع الأمور في سياقها الدستوري والسياسي. على أن ما يقوم به ميقاتي لا يتخطى مسؤولية الشراكة الوطنية بين المسيحيين والمسلمين في الحكم، يقول الزغبي مضيفا” إلا أن هذا الهدف اقترن بآخر أوسع وأبعد بفعل التطورات الأخيرة خصوصا لجهة عاملين هما: اللغط الذي شارك فيه حول النقص المقلق في أعداد المسيحيين بما يشي بأن ضعف دورهم ناتج عن ضعف عددهم. في ما الحقيقة أن دور المسيحيين لم يكن يوما بفعل عددهم إنما بفعل حضورهم وتأثيرهم وعملهم الدؤوب في بناء لبنان الحديث وجعله نموذجاً متقدماً في الشرق العربي والأوسط.

العامل الثاني الذي فرض نفسه على الزيارة هو مصير لبنان بأكمله كدولة ووطن. وكان للمسيحيين الدور الأول في تأسيسها والتبصّر في مستقبله ضمن موجات الخطر التي تتهدد المنطقة. وشاءت الظروف أن تأتي هذه الزيارة غداة التطور المحوري في العلاقة بين الجبارين الإقليميين، السعودية وإيران.

من المحور إلى الداخل، بحيث اعتبر البعض أن زيارة ميقاتي إلى بكركي قبل مغادرته إلى الفاتيكان كانت بهدف نقل رسالة تتضمن موقف بكركي من ملف الرئاسة. وفي هذا السياق، يوضح الزغبي أن “ميقاتي بعد زيارته بكركي حمل ما عُرِفَ ب”الأفكار العملية” بالتوافق بينه وبين سيد بكركي مار بشارة بطرس الراعي. إلا أنه لم يتضح في الواقع المقصود الفعلي بهذه العبارة .غير أنها لا يمكن أن تكون مجرد فكرة تقليدية عن نمط التسويات السابقة التي أثبتت فشلها في إدارة لبنان، خصوصا تسوية العام 2008 أي اتفاق الدوحة، وتسوية 2016 أي انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية.فإذا كان المقصود بالأفكار العملية مثل هاتين التسويتين فإن الأمل بالحل سيكون خائباً”.

وبحسب الزغبي فإن المراقبين يرون أن ما يحمله ميقاتي بالتنسيق مع الراعي يتجاوز الفكرة التقليدية للتسوية بحيث يلامس فكرة المؤتمر الدولي برعاية الأمم المتحدة حول لبنان لإقرار حياده العملي عن الصراعات الخارجية، وإعادة صياغة طريقة حياة جديدة بين اللبنانيين قائمة على ميثاق العيش المشترك والمناصفة ، ومعززة بفكرة اللامركزية الموسعة تطبيقا للدستور واتفاق الطائف. وفي السياق، يشير إلى ما يتردد عن التحضير لمؤتمر إقليمي دولي بعدما باتت المصالحة السعودية-الإيرانية تسمح به، وذلك بحثاً عن صيغة إنقاذ للبنان. ولا شك ان للفاتيكان دوراً رئيسياً في التحضير لمثل هذا المؤتمر على أساس الرؤية الجديدة التي نص عليها اتفاق بكين وتدور في جوهرها حول تحصين الدول الوطنية في منطقة الشرق الأوسط ومن بينها طبعا لبنان، على قاعدة وقف التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول. وتشكل هذه العبارة العنوان الأبرز الذي سيخضع له الإتفاق اللصيق في الشهرين المقبلين بالتزامن مع إعادة نسج العلاقات الإيرانية-السعودية بلوغا إلى مستوى تبادل السفارات وتنفيذ الإتفاقات لا سيما منها الإتفاق الأمني الذي من شأنه أن يعيد إيران إلى الدولة القوية داخل حدودها، كما يقلّص تأثير أذرعها في الدول العربية الأربع ومن بينها طبعاً لبنان”.

تبقى مسألة “من سيكون رئيس جمهورية لبنان” التي تحظى باهتمامات الفاتيكان وهذا بديهي كون الموقع هو المسيحي الأوحد في منطقة الشرق الأوسط.

” محاولة طلب المساعدة من الفاتيكان لا يمكن فهمه على أنه سعي لزجّ الفاتيكان في التفاصيل اللبنانية الداخلية خصوصا لجهة الأسماء المخولة أو المقترحة لرئاسة الجمهورية”. ويضيف الزغبي” في هذا السياق لا يختلف موقف الفاتيكان عن موقف بكركي في الترفع عن لعبة الأسماء أو تزكية إسم على آخر. فالمرجعيتان ستبقيان خارج هذا التدبير السياسي المتروك أصلا للقوى السياسية ليس المسيحية وحسب إنما اللبنانية عموما.

وعليه يختم “الفاتيكان يتدخل في الرسوم الكبرى لمصير لبنان ولا يمكن استدراجه إلى الميدان الصغير الضيق الذي يدور داخل الأروقة السياسية اللبنانية”.