IMLebanon

“عاصفة الساعة” مرّت بعد تداعيات هوجاء

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:

على طريقةِ «الزوبعة في فنجان»، مرّتْ «عاصفةُ الساعة» في لبنان الذي عاد إلى اعتمادِ التوقيت الصيفي ابتداء من منتصف ليل الأربعاء – الخميس بعد مَخْرَجٍ تمت حياكته سياسياً في «ليلة القبض على الساعة الشتوية» التي وفّرتْ «هبوطاً آمِناً لرئيسِ الحكومة نجيب ميقاتي و(جسرَ عودة) عن قرارِ تأجيل تقديم الساعة حتى نهاية شهر رمضان المبارك».

ورغم تراجُع الرئيس ميقاتي عن القرار الذي اتخذه«من جانب واحد»خلافاً لتثبيت مجلس الوزراء في 7 الجاري تقديم الساعة ساعة منتصف ليل 25 – 26 الجاري التزاماً بالقرار الحكومي الصادر في آب 1998 والذي ينص على بدء التوقيت الصيفي في ليل آخِر سبت – أحد من آذار، فإن «الندوبَ» التي تَرَكَتْها «حرب الساعة»جاءت لتؤكد المؤكد لجهة هشاشة الواقع اللبناني وقابليّته الخطيرة للعودة إلى «التخندق» الذي استعيد بأكثر تجلياته نفوراً من بوابةِ إجراءٍ إداري ارتجاليّ تَشارك الدفعَ في اتجاهه وإعطاء إشارة السير به رئيس الحكومة ورئيس البرلمان نبيه بري وسرعان ما حُمِّل كل عناصر الصراع المزمن في لبنان بأبعاده السياسية والطائفية لتوغل «العقارب» في العودة إلى الوراء، إلى الزمن القاتم في تاريخ الوطن الصغير الذي اكتملت مع «لعنة الساعة» سلسلة اللعنات التي لم تنفكّ تحلّ عليه.

ومنذ أن فتحتْ بيروت جفنيْها أمس الاثنين على يوم ثانٍ من «الانشطار» بين مناطق زمنية بعضها اعتمد ما اصطُلح على تسميته «توقيت ميقاتي – بري»وبعضها الآخر (غالبية المناطق المسيحية ومؤسساتها الكنسية والتربوية والتجارية) ما اختير له عنوان«التوقيت العالمي»، كانت كل المؤشرات تدلّ على أن الفوضى العارمة التي شهدتها البلاد منذ صدور مذكرة إرجاء العمل بالتوقيت الصيفي وانفجرت بالكامل منتصف ليل السبت – الأحد لن تدوم أكثر بفعل اتصالات على أعلى المستويات حضّت على إطفاء «الحريق الطائفي» سريعاً وتفادي ترْك لبنان ينزلق «في ساعة» وبالتوقيت الخاطئ إلى «ملعب نار» قد لا يبقي ولا يذر فيما الانهيار المالي يأكل الأخضر واليابس.

وبينما كان وسط بيروت، الذي انطبع بعد الحرب الأهلية وكأحد أبرز مؤشرات «لبنان التعايش» بمشهد الجامع والكنيسة «يتعانقان»، يعبّر عن «الانقسامِ الزمني»بأبهى صوره مع لقطةٍ لساعة السرايا الحكومية على التوقيت الشتوي وساعة الكنيسة الانجيلية على التوقيت الصيفي، عَبَرَ ميقاتي عبْر مجلس الوزراء بالبلاد من «منطقة الخطر» التي زُج معها وبغفلةٍ من كل نكباته المالية والمعيشية في أتون سياسي – طائفي سهُل معه الاصطياد في«الساعة العكرة»، فانعقدت حكومة تصريف الأعمال في جلسة استثنائية خلصت إلى تقديم «الزمن اللبناني» كما كان يُفترض أن يحصل منتصف ليل السبت – الأحد.

وبهذه الخطوة تم تعطيل «صاعق» كان موْصولاً بـ «برميل البارود»الجاهز للتفجير بفتيل أو بآخَر، وذلك بعدما كان ارتسم مساران متداخلان:

– الأول ظَهَرَ معه قرارُ ميقاتي وكأنه لم يكن، سواء في عالم الانترنت والالكترونيات الذي بدا معه التوقيت الصيفي هو «المعترف به دولياً» (وهو شعار رفعته وسائل إعلام لبنانية رفضتْ مذكّرة ميقاتي)، أو في حركة العصيان السياسية – الدينية التي قوبلت بها خطوة رئيس الحكومة التي تسببت بارباكات كبرى لشركات الطيران ومصرف لبنان وغالبية القطاعات التي تشكل جزءاً من عولمةٍ ترتكز على العالم الرقمي والانترنت، كما للقطاع التربوي بعد «انفصال» المدارس المسيحية عن التوقيت الشتوي وسيرها بالساعة الجديدة وهو ما أوجد «منطقتين زمنيتين» داخل العائلة الواحدة (حيث بقيت دوامات غالبية الأهل على التوقيت القديم) ناهيك عن مشهدية مؤسسات تربوية في البقعة نفسها وكل منها «يغنّي على ساعته».

– والثاني أملاه بداية تشقُّق حكومة تصريف الأعمال التي بالكاد يتوافر النصاب لعقد جلساتها المخصصة لمعالجة قضايا معيشية ملحة، حيث لاحت «انتفاضة» وزارية على قرار ميقاتي بدأها وزير التربية عباس حلبي (من حصة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط) الذي أعلن بعد ظهر الأحد اعتماد التوقيت الصيفي في القطاع التربوي برمّته، معتبراً أن قرار تأجيل تقديم الساعة يحتاج إلى مجلس وزراء.

وسرعان ما ظهر أن خطوة الحلبي، التي عاد وتراجع عنها ليلاً تاركاً الحرية لمؤسسات التربية لاختيار توقيتها، كانت في سياق«رفع السقف»بالتوازي مع مبادرة أطلقها جنبلاط لمحاولة إنهاء «أزمة الساعة»، في اتجاه كل من ميقاتي وبري، واستمرت حتى ساعة متأخرة من ليل الأحد في محاولة لجعل رئيس الحكومة يدعو مجلس الوزراء لعقد جلسة الاثنين يتم فيها العودة لتقديم الساعة، ووفق صيغة لا يبدو فيها رئيسا الحكومة والبرلمان وكأنهما خسرا بل أن «البلد ربح» بتقديرهما حراجة اللحظة.

وسبقت دعوة ميقاتي منتصف الليل مجلس الوزراء الى الاجتماع، دخول رئيسيْ الحكومة السابقيْن فؤاد السنيورة وتمام سلام على خط احتواء الوضع وتوفير إطار لميقاتي لـ «توسيع كوع» التراجع البنّاء عبر مجلس الوزراء وتالياً الحدّ من الأضرار التي تطايرت تشظياتها في كل الاتجاهات وبعضها أصاب موقع رئاسة الحكومة نفسه.

وبدا واضحاً من البيان الذي صدر عن اللقاء الثلاثي أن ميقاتي كان في وارد الاعتكاف عن تصريف الأعمال، إذ أكد«ان الرئيسين السنيورة وسلام تمنيا على رئيس الحكومة متابعة تصريف الأعمال الحكومية، ودعوة مجلس الوزراء في أقرب فرصة لاتخاذ القرار المناسب في موضوع التوقيت ومعالجة الأمور بما يراه مناسباً انطلاقاً من مداولات مجلس الوزراء»، موضحا «أن الاجتماع تمَّ خلاله البحث في آخر المستجدات، وتحديداً استعار الأجواء الطائفية في هذه اللحظة الوطنية المصيرية والخطيرة التي يعيشها لبنان والشعب اللبناني على مختلف المستويات».

وعكست كلمة ميقاتي بعد جلسة الحكومة أمس المنحى الخطير الذي اتخذه إجراء إداري قوبل بـ«ضخّ طائفي». ومع طيّ «صفحة الساعة»، عاد لبنان إلى «توقيت أزماته» المتشابكة التي أطلت برأسها على هامش اجتماع «البند الوحيد» للحكومة مع استمرار موظفي «هيئة اوجيرو» بإضرابهم المفتوح الذي يُنْذر بقطع «بلاد الأرز» عن العالم، فيما كان موظفو القطاع العام والمتقاعدون يراهنون على الجلسة بصيغتها الأصلية التي كان ميقاتي أعلن إلغاءها على وهج «إعصار» التوقيت الصيفي – الشتوي لإقرار زياداتٍ على رواتبهم، وسط مخاوف من استعادة الشارع غضبته الفوضوية والصِدامية وفق ما عبّر عنه حِراك في وسط بيروت الأسبوع الماضي.

وفي موازاة ذلك، انشغل لبنان بالاتصال الذي جرى بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الأحد، ولا سيما ما أعلنه الإليزيه من أن الرجلين «عبّرا عن قلق مشترك حيال الوضع في لبنان وكرّرا عزمهما على العمل معاً للمساعدة في إخراج البلاد من الأزمة العميقة التي تمرّ بها».

وسيسود تَرَقُّب جديد لمآل التواصل الفرنسي – السعودي على أعلى مستوى وتداعياته على الانتخابات الرئاسية المستعصية على حلّ منذ أكثر من 5 أشهر، وسط تَزايُد المؤشراتِ إلى خطأ الرهان على«حلول خارجية جاهزة»تهبط على لبنان وفق الخطوط المفتوحة، الجديدة أو القديمة، بين عواصم دولية وإقليمية، وإلى وجوب الالتفات إلى أبعاد ما بدا «ساعةً رملية» قلَبها الخارج ولا سيما واشنطن وصندوق النقد الدولي لـ «بلاد الأرز» على قاعدة «أن الوقت نَفَد» وأن الحاجة هي لانتخاب رئيسٍ «الأمس قبل اليوم و… فوات الأوان».