IMLebanon

لبنان مسرحًا لـ”البريد بالنّار”… أي رسائل ولِمَن؟

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:

سواء كان العنوان، أن «المسجد الأقصى لن يُترك وحيداً»، أو إعادة «توازن الردع» بعد تمادي إسرائيل في غارات «دورية» في العمق السوري ضدّ مواقع للحرس الثوري الإيراني و«حزب الله»، أو رسْم «خط نار» متقدّم بإزاء أي ترجمةٍ لتهديداتٍ وتقديراتٍ بإمكان أن تندفع تل أبيب نحو ضرب المنشآت النووية إيرانية، فإنّ الأكيدَ أن التحريكَ الأكثر دراماتيكية للجبهة الجنوبية اللبنانية دشّن مرحلةً جديدةً تحت سقف «تَضامُن الجبهات» ضمن المحور الإيراني أو وحْدتها.

وبعد مرور يوميْن على استعادة الجنوب دورَ «ملعب النار» عبر زخّةِ الصواريخ «المضبوطة الضَرَر» التي استهدفتْ المقلب الاسرائيلي، والردّ «المنضبط» في الجانب اللبناني، لم تخرجْ بيروت من تحت تأثيرِ صدمةِ الانفلات الواسع للحدود اللبنانية التي بدت «سائبةً» لمنصاتٍ أطلقتْ أكثر من 30 صاروخ «كاتيوشا» و«غراد»، اتّهمت تل أبيب، «حماس» بالوقوف، وراءها من دون أن تنفي الحركة ذلك رسمياً، في الوقت الذي كان رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية وصل إلى لبنان عشية «الضغط على الزناد».

ومع «ثبوت» أن هجوماً صاروخياً بهذا الحجم يستحيل أن يكون حصل بمعزل عن «حزب الله» الذي يقيس كل خطوة باتجاه اسرائيل و«يحسب النَفَس» الذي يتم أخْذه على الحدود أو عبْرها بما يتلاءم مع مقتضيات عدم رغبته في وقوع حربٍ ومع إدراكه أن تل أبيب باتت تحسب «انتصاراتها» وفق معيار، «حققنا هدف تجنب الاشتباك مع حزب الله»، فإن الأكيد أن ما شهده الجنوب يوم الخميس لم يكن بأي حال «صواريخ طائشة» من عيارِ ما سبق أن أُطلق من «أرض القرار 1701» إبان محطات ساخنة عدة، أكان في غزة أو في المسجد الأقصى.

فـ «الهبّةُ الصاروخية» وهي الأوْسع منذ حرب «تموز 2006» جاءت على مسرح سياسي وميداني معقّد ومُتشابِك أتاح تعدُّد القراءات لخلفياتها و«صندوقها الأسود»، من دون أن يحجب ذلك حقيقةً راسخةً مزدوجة أطلّتْ من خلف غبار «اندفاعة النار»:

– أوّلها أن التطور الخطير جنوباً الذي جاء فيما لبنان يصارع أعتى عاصفة مالية عَمَّقَ مظاهر «الدولة المتحلّلة» التي غابت عن السَمَع لساعاتٍ قبل أن يخرج رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على وقع «حَبْس الأنفاس» ليل الخميس،

معلناً إدانة الصواريخ، ليكمل لبنان الرسمي تخبُّطه باجتماعاتٍ تحت عنوان «متابعة البحث في الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان وموضوع الصواريخ التي أطلقت من الأراضي اللبنانية»

وخلصتْ إلى إعلان وزير الخارجية عبدالله بوحبيب أنه «تقرّر توجيه رسالة شكوى إلى الأمين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريس ومجلس الأمن عبر بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة»، موضحاً «ان الرسالة تتضمن تأكيد التزام لبنان القرار 1701، كما تشجب الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان جواً وبراً وبحراً».

– والثانية أن لبنان استعاد بقوةٍ وفي غفلة من الأجندة الداخلية المأخوذة سياسياً بالأزمة الرئاسية المستحكمة، دورَ «صندوقة البريد» وهذه المَرة بـ «البندقية الفلسطينية» التي استحضر خصومُ «حزب الله» بإزائها مرحلة ما عُرف بـ «العمل الفدائي» في جنوب لبنان قبل الحرب الأهلية التي شكل العاملُ الفلسطيني أحد فتائلها، مبدين الخشيةَ من «حماس لاند» (عوض «فتح لاند» التي تسيّدت أواخر الستينات) ترتسم بـ «رعاية الحزب» وبتوزيع أدوارٍ دقيق، وصولاً إلى مُطالَباتٍ للسلطات اللبنانية بتوقيف هنية.

في موازاة ذلك، كانت التحرياتُ على أشدّها حول توقيت الهجوم الصاروخي، الذي وإن لم يغيّر «قواعدَ الاشتباك» مع اسرائيل بمعنى بقاء الالتزام بـ «التصعيد الموجَّه والمحدَّد» الذي يسبّب أضراراً تُبْقي لاسرائيل البابَ مفتوحاً أمام الاكتفاء بردٍّ «موْضعي» ومحدود، وهو ما حصل فجر الجمعة، حيث أغار طيرانها قرب مخيم الرشيدية، إلا أنه حَمَلَ أبعاداً بالغة الأهمية لجهة تجيير الحزب «الضغط على زرّ» توجيه الرسائل اللاهبة إلى «حماس» أو تشارُكهما في ذلك.

وراوحت التحليلات الأكثر واقعية لخفايا تحريك الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية بين:

– اعتبارها تنويعاً لمصادر الردّ على الاستهدافات التي تكثّفت أخيراً من اسرائيل ضدّ مواقع للحرس الثوري و«حزب الله» في سورية ومحاولة إرساء «توازن رعبٍ» يُلاقي عمليات «الذئاب المنفردة» التي تُنفّذ داخل الكيان الاسرائيلي، وبعضها نوعيّ وارتفعتْ وتيرتها أخيراً.

– أنها «جرس إنذار» مبكر إزاء أي «سوء تقدير» اسرائيلي لإمكان أن تمرّ أي ضربة لإيران تستهدف برنامجها النووي من دون إشعال «جبهات المحور» كلها.

وهاتان القراءتان تقاطعتا، عند أن هوامش الردّ أو التحذير التي تملكها طهران ضاقت جغرافياً، بعد «تَفاهُم بكين» مع السعودية،

ما يجعل إيران تستخدم الساحة اللبنانية، وإن كانت أوساط أخرى اعتبرتْ أن «الوجه الآخَر» لهذا الاستنتاج يعني أنه يخطىء مَن يعتقد أن طهران التي «تبذل كل جهد» لكسْب رضى الرياض ودول الخليج فقدتْ القدرة على المناورة والإمساك بزمام الأمور في ما خص ما تعتبره المَخاطر الاستراتيجية أو مشروعها الكبير.

وفيما كان «الإسقاطُ اللبناني» لأحداث الجنوب يركّز على تداعياتِها على الملف الرئاسي وتحديداً «الضماناتِ» التي حاولت فرنسا انتزاعها من زعيم «المردة» سليمان فرنجية في معرض السعي لـ «تسويقه» ولا سيما في ما خص مسألة سلاح «حزب الله» والإصلاحات والعلاقة مع دول الخليج،

وسط اعتقادٍ بأن ما جرى الخميس «أحرق» مفعول أي ضمانات ثبت أن لا أحد يملك إعطاءها إلا الحزب في المسائل الكبرى،

فإن أجواءَ أخرى غير بعيدة عن «محور الممانعة» اعتبرتْ أن ما جرى الخميس يرتبط حصراً بما يشهده «الأقصى» ولا يحتمل أبعاداً أخرى ويعبّر عن قرارٍ بأن «الأقصى لن يُترك وحيداً».

وفي تقدير المصادر أنه «رغم أن الأمور مترابطة على مستوى جبهات المنطقة، فإن للمسجد الأقصى وما يجْري فيه خصوصية جرى التعبير عنها بتضامُن جبهات المحور عبر رسالة الصواريخ».

وكشفت عن «أن الجبهات الأخرى في سورية والعراق وسواهما كانت على جهوزية للانضمام إلى الرسالة التي أُطلقت من جنوب لبنان في حال جاء الرد الاسرائيلي متدحرجاً وعلى نحو أوسع».

وحرصت المصادر نفسها على ربْط صواريخ الجنوب بما يجري في «الأقصى» حصراً «لأن الغارات الاسرائيلية في سورية غالباً ما يُردّ عليها في الداخل الفلسطيني عبر الذئاب المنفردة لاسيما أن «الحساب مفتوح» بين إيران واسرائيل على هذا المستوى».

وقللتْ المصادر من وطأة الكلام عن احتمال الانزلاق إلى الحرب «فعملية إطلاق الصواريخ جاءت مدوْزَنة، وببصماتٍ يعرفها الاسرائيلي تماماً وكان اختبر القصْد منها وتُركت له طريقة الردّ الموْضعي عليها».

ونأت هذه المصادر عن أي كلامٍ عن الجهة التي أطلقتْ الصواريخ «رغم أن أحداً لم يُلْقِ المسؤولية على «حماس» إلا اسرائيل التي ربما أرادت الذهاب إلى الخاصرة الرخوة في غزة».

وكان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله قد قال في إطلالة له الجمعة، أنّه سيتحدث يوم الجمعة حول تفاصيل ما جرى في جنوب لبنان وتَرابُط الأحداث في القدس وقطاع غزة والضفة الغربية وفي سوريا.