IMLebanon

بعد أحداث الجنوب.. هل باتت الاستراتيجية الدفاعية بعيدة؟

كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:

توقفت الأوساط السياسية أمام اتباع «الثنائي الشيعي» سياسة النأي بالنفس بعدم التعليق على عشرات الصواريخ الفلسطينية التي أُطلقت من المنطقة الواقعة بين بلدتي القليلة وزبقين في قضاء صور باتجاه إسرائيل، وسقطت في الجزء الغربي من الجليل، وقالت إن الصمت الشيعي حتى الساعة لا يعني أن «حزب الله» على توافق مع حركة «أمل» بمقدار ما ينم عن تباين بينهما ارتأيا عدم تظهيره للعلن لقطع الطريق على الدخول في سجال يمكن أن ينعكس سلباً على الساحة الجنوبية.

وقالت الأوساط السياسية لـ«الشرق الأوسط» إن إطلاق الصواريخ الفلسطينية سيفتح الباب مجدداً أمام السؤال عن جدوى استباحة السلاح الفلسطيني للجنوب، وما إذا كان بمثابة رسالة عبر البوابة الجنوبية بأن محور «الممانعة» يخطط لتشكيل جبهة رفض فلسطينية جديدة على غرار الجبهة التي شُكّلت في الماضي واستمرت إلى ما بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران عام 1982، تحت اسم «قوى التحالف الفلسطيني» التي اتخذت من دمشق مقراً لها.
وسألت إذا كان لدى الجهة اللبنانية التي رعت وسهّلت إطلاق الصواريخ من سهل القليلة نية في تحويل الجنوب إلى جبهة مواجهة مفتوحة مع إسرائيل بدلاً من الإبقاء على لبنان في عداد الدول المساندة للقضية الفلسطينية. وقالت إن حركة «أمل»، وإن كانت تتناغم بصمتها مع صمت حليفها «حزب الله»، فإنها لا تُبدي ارتياحاً للعب بأمن واستقرار الجنوب، ولا توفّر الغطاء السياسي للتوقيت الخاطئ الذي أملى على الجهة الفلسطينية إطلاق الصواريخ الذي يشكّل خرقاً للقرار 1701 الذي يتعرض باستمرار لخروقات بحرية وجوية وبرية تتحمّل إسرائيل مسؤولياتها وفي غالب الأحيان بلا مبرر.
ولفتت إلى أن «حزب الله» لم يبادر حتى الآن للتعليق على إطلاق الصواريخ الذي تزامن مع إطلالة لأمينه العام حسن نصرالله واكبتها مجموعة مواقف صدرت عن قيادات من الصف الأول في الحزب، وقالت إن السبب يكمن في أن المزاج الشعبي في الجنوب لا يحبّذ تحميل لبنان رد فعل إسرائيل على إطلاق عشرات الصواريخ من قبل جهة فلسطينية.
واعتبرت الأوساط نفسها أن التوقيت الخاطئ لإطلاق الصواريخ لا يعود فقط إلى «تحرير» رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو من المأزق الذي يتخبّط فيه على المستويين القضائي وتماديه في الاعتداءات التي تستهدف المصلين في المسجد الأقصى، وإنما أيضاً إلى الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان والتي لا تحتمل قيام إسرائيل برد فعل يمكن أن يخرج عن السيطرة، رغم أنها محكومة بعدم تغيير قواعد الاشتباك المعمول فيها جنوباً منذ صدور القرار 1701.

وتساءلت إذا كان إطلاق الصواريخ يوفر الضمانة المطلوبة للبنان، والتي كانت محور اللقاء الذي عقده المرشح لرئاسة الجمهورية زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية مع المستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل. وهل يصب في إطار تمكين لبنان بأن يستعيد سيادته على أراضيه؟ وبالتالي لماذا قرر محور الممانعة عدم التعليق على إطلاقها؟ وهل يعود إلى اعتقاده بأنه لن يحظى باحتضان شعبي بخلاف الجهة التي وفّرت الغطاء اللوجيستي لإطلاقها؟
كما سألت: كيف يمكن التوافق على الاستراتيجية الدفاعية للبنان في ظل تعدّد السلاح غير الشرعي والإمرة التي تطلق يد هذه الجهة أو تلك في الإمساك بقرار الحرب والسلم؟ وكيف إذا كانت فلسطينية تنتمي إلى محور «الممانعة»، مع أن هذه الاستراتيجية تتصدّر الشروط التي يجري نقاشها دولياً مع المرشحين لرئاسة الجمهورية؟
وأكدت أن تعدّد السلاح وعدم حصره بالدولة باتا يشكلان عقبة أمام التوصل إلى توافق لبناني بلا تدخّل خارجي على الاستراتيجية الدفاعية للبنان، خصوصاً أنه لم يعد من دور للسلاح الفلسطيني في التصدّي للاعتداءات الإسرائيلية أو في توفير الحماية لأمن المخيمات بعد أن أصبح أداةً تستخدم للاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني في أماكن وجود اللاجئين الفلسطينيين.
ورأت الأوساط نفسها بأن هناك ضرورة لإعادة طرح تجميع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وضبطه وتنظيمه بداخلها؛ إذ من دون حسمه يبقى من العبث توحيد الجهود لإخراج الاستراتيجية الدفاعية من الحصار المفروض عليها، رغم أن البعض في محور «الممانعة» يطلب سراً ترحيل البحث فيها إلى ما بعد زوال الأطماع الإسرائيلية بلبنان.
وكشفت أن المشاركين في مؤتمر الحوار الأول الذي رعاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في آذار 2006، أجمعوا على ضرورة تجميع السلاح الفلسطيني الموجود خارج المخيمات وضرورة ضبطه وتنظيمه بداخلها، وقالت إن الإجماع بقي حبراً على ورق؛ لأن النظام السوري سعى للالتفاف على تطبيقه بتنصيب قوى التحالف الفلسطيني كممثل شرعي ووحيد للفلسطينيين في لبنان.

وأكدت أن دمشق كانت أوعزت بالتفاوض مع قوى التحالف الموالية لها بدلاً من منظمة التحرير بسبب خلافها آنذاك مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقالت إنها أوفدت أمين عام الجبهة الشعبية – القيادة العامة – (آنذاك) أحمد جبريل إلى بيروت للتفاوض مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وكانت النتيجة – كما تقول الأوساط نفسها – ان المفاوضات التي تولاها جبريل انتهت من دون التوصل إلى اتفاق؛ لأن دمشق تريد الإمساك بالورقة الفلسطينية بموافقة إيرانية لتحسين شروطها في التفاوض مع إسرائيل في حال تقرر استئناف المفاوضات.