IMLebanon

النزوح السوري “كرة نار” تتدحرج فوق الهشيم اللبناني

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:

تعدّدتْ القراءاتُ لخفايا «الضغطِ على زرّ» ملف النزوح السوري في لبنان والرفعِ التصاعدي لمنسوب الحقن والاحتقان فيه، ولكن النتيجة واحدة وهي أن هذا العنوان الذي يعتمل منذ اندلاع الحرب في سورية أُنزل في شكل غير مسبوق من على الرفّ ووُضع على الخريطة المحلية، المدجَّجة بالأزمات المالية والسياسية، في قالبٍ توتيري يحتمل سيناريوهات شتى يُخشى أن تتشابك لتشكل مجتمعة أو «بالمفرّق» فتيلَ تفجيرٍ قابل للاستثمار و«بلا رفّة جفن» في أكثر من اتجاه.

ورغم أن وجود سوريين يدخلون لبنان بطريقة غير شرعية وآخَرين يُشكّلون جزءاً من يد عاملة غير قانونية ولا مرخّص لها ليس مسألة طارئة على ملف النزوح ولطالما حَضَرَ في «الحروب الصغيرة» بين قوى لبنانية «تقاتلتْ» مراراً بهذا العنوان الذي «يشدّ العصَب» عند كل مفترق انتخابي أو لزومَ زيادةِ جرعة المزايدات على تخوم منازلات سياسية، فإن هذه القضية انفجرت مع مقدّماتٍ بدت أقرب إلى «دس السم في عسل» عودةٍ لا يختلف أي من اللبنانيين على ضرورة حصولها، ولكن خلافاتٍ لطالما طبعتْ توقيتها وآلياتها وهل يمكن أن تحصل من خارج سياقاتِ آمِنة صارت ملازِمة للحل السياسي المعقّد.

ولم يكن عابراً أن يرتقي ملف النزوح إلى مرتبة «أولى الأولويات»، ومع بوادر «تفخيخ» له بمقوّماتِ ما يُنْذِر بأن ينزلق إلى اقتتال لبناني – سوري، فيما الباب العربي يُفتح من دون مواربة أمام نظام الرئيس بشار الأسد لـ «إعادة تأهيل نفسه» للعودة إلى النظام العربي وفق «دفتر شروط» عبّر عنه الاجتماع الخليجي الذي استضافتْه جدّة قبل نحو أسبوعين بمشاركة مصر والعراق والأردن وأرسى ما يشبه «مضبطة سلوك» للأسد ومساراً متكاملاً لحلّ شامل سياسي ومن ضمنه «تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم».

ولم يقلّ دلالة أن يقفز هذا العنوان الشائك إلى صدارة المشهد الداخلي – الذي ينشغل اليوم، بزيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان (وصل أمس إلى بيروت) – من بوابة إشكالات بأكثر من منطقة وبعضها مسلّح بين نازحين ومجتمعات مضيفة ومباشرة الجيش اللبناني إجراءات ترحيل عشرات السوريين الذين دخلوا خلسة ولا يملكون الأوراق القانونية للإقامة، وذلك بالتزامن مع الذكرى 18 لانسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 أبريل 2005 على وهج اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو ما لم يتوانَ كثيرون عن استحضاره وإسقاطه على قضية النزوح وصولاً لإعلان نائب «القوات اللبنانية» غياب يزبك في تغريدة له: «26 نيسان 2005 نضالُنا الطويل، العسكري والمدني، أدى إلى إخراج جيش الاحتلال السوري. 26 نيسان 2023 نضالنا المدني والسياسي متواصل للتخلص من جيش النزوح السوري، لأننا كما لم نسمح بطمسِ هوية لبنان وحرفِه عن دوره التاريخي لن نسمح بتجويعِ شعبه وضربِ أمنهِ ومقوماتِ عيشه الكريم».

وفي حين تتقاطع غالبية القوى السياسية على اختلاف مشاربها على إثارة ملف النازحين (يُقدر عددهم بنحو 1.5 مليون نازح)، تبرز تمايزاتٍ بين داعين لضبْطه وبين مَن يقرعون «أجراس عودتهم الآن وليس غداً»، وبين الاثنين سلطات رسمية أعلنت «نحن هنا» واضعةً خطة لمعالجةٍ تقوم على «عدم معاداة» المجتمع الدولي والمنظمات المعنية عبر إدارةٍ لا تراعي الاتفاقات الدولية ويمكن أن تستجرّ متاعب لا تُعد ولا تُحصى على لبنان الذي لا يحتمل خروجاً إضافياً عن الشرعية الدولية، وفي الوقت نفسه إبقاء «الزخم الجديد» الذي اتخذه هذا الملف وحماية الجيش والأجهزة الأمنية في إجراءاتها عبر التأكيد على «التدابير المتخذة تنفيذاً لقرار المجلس الأعلى للدفاع تاريخ 24/4/2019 من الجيش والأجهزة الأمنية كافة بحق المخالفين لاسيما لجهة الداخلين بصورة غير شرعية وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية».

وجاءت هذه التوصية في ختام اجتماع اللجنة الوزارية لبحث ملف النزوح التي اجتمعت برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحضور قادة الأجهزة الأمنية، حيث أكد وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار «الاستمرار في متابعة العودة الطوعية للنازحين السوريين، مع مراعاة ما تفرضه الاتفاقيات والقوانين لناحية المحافظة على حقوق الإنسان وذلك تحت إشراف الوزارات والإدارات المختصة لاسيما وزارة الشؤون الاجتماعية والمديرية العامة للأمن العام، والطلب من المفوضية العليا لشؤون النازحين، وضمن مهلة أقصاها أسبوع من تاريخه تزويد وزارة الداخلية والبلديات بالداتا الخاصة بالنازحين السوريين على أنواعها، على أن تسقط صفة النازح عن كل شخص يغادر الأراضي اللبنانية».

كما تقرر «الطلب من وزارة العمل بالتنسيق مع الأمن العام، التشدد في مراقبة العمالة ضمن القطاعات المسموح بها»، ودعوة الأجهزة الأمنية «للتشدد في ملاحقة المخالفين ومنع دخول السوريين بالطرق غير الشرعية، والاستمرار في متابعة العودة الطوعية للنازحين السوريين مع مراعاة ما تفرضه الاتفاقيات، والطلب من وزارتي الداخلية والبلديات والشؤون الاجتماعية إجراء المقتضى القانوني لناحية تسجيل ولادات السوريين على الأراضي اللبنانية بالتنسيق مع المفوضية العليا لشؤون النازحين، والطلب من الدول الأجنبية المشاركة في تحمل أعباء النزوح السوري لاسيما مع تزايد أعداد النازحين في ضوء تفاقم الأزمة الاقتصادية، والطلب من وزير العدل البحث في إمكان تسليم الموقوفين والمحكومين للدولة السورية بشكل فوري مع مراعاة القوانين والاتفاقات ذات الصلة وبعد التنسيق بهذا الخصوص مع سورية».

وأعلنت اللجنة «تكليف وزيري الشؤون الاجتماعية والعمل وأمين عام المجلس الأعلى للدفاع ومدير عام الأمن العام بالإنابة متابعة تنفيذ مقررات اللجنة والتنسيق في شأنها مع الجانب السوري ورفع تقارير دورية بهذا الخصوص إلى اللجنة الوزارية».

وخلال الاجتماع أشار ميقاتي إلى «أن هناك عصابات تُدْخِل السوريين بطريقة غير شرعية عبر البقاع أو عكار إلى لبنان مقابل مبالغ مالية ضخمة، فيما البلد لم يعد يتحمل أعباء النزوح»، مستغرباً عندما يسأل البعض «لماذا أوقفت الحكومة طلبات تسجيل النازحين؟ ولماذا يتم ترحيل من دخل خلسة أو بطريقة غير شرعية؟ وما بصير اللبنانيين معاملتهم هيك»، في حين نُقل عن وزير العمل مصطفى بيرم قوله «إن 37 ألف سوري دخلوا سورية خلال فترة عيد الفطر ثم عادوا الى لبنان بعد انقضاء عطلة الأعياد بما ينفي عنهم صفة النازح».

وبالتوازي مع وضْع اليد الرسمية على عنوان النزوح الذي تَرافَقَ مع دعواتٍ «لقيطة» لتظاهرة لنازحين أمس أمام مبنى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين رفضاً لعمليات الترحيل وهو ما تمت مواجهته بدعوات مضادة لبنانية للتجمع في نفس المكان والزمان ما استدعى توجيه وزير الداخلية بسام مولوي كتاباً إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لمنع التظاهر من النازحين كما التظاهرات المضادة لها، برزت أكثر من قراءة لـ «فورة» هذا الملف، بينها أن «النفخ» فيه والذي غذّته فيديوهاتٌ بعضها «نُبش» وعمره أشهر وتعليقاتٌ عدائية تجاه اللبنانيين لناشطين أو مواطنين سوريين، هو في سياق تحمية، أو يمكن استثمار تأجُّجه لتحويله مدخلاً لتطبيع مباشر يحمل طابع «الحالة الطارئة» مع النظام السوري، وهو ما يدفع باتجاهه منذ سنوات فريق 8 مارس الذي يقوده «حزب الله» وحلفاؤه.

وفي قراءة أخرى أن هذا «التسخين» هو من عُدة رفْد زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي يفترض أن يكون أعلن ترشحه رسمياً ليل أمس في إطلالة تلفزيونية، بمقوياتٍ ترتكز على أنه الأقدر بـ «عضلات» صلاته بالنظام السوري على انتزاع تنازلاتٍ من الأسد في هذا الملف فور دخوله قصر بعبدا مدعوماً بقاطرةٍ يتقدّمها حزب الله والرئيس نبيه بري، في مقابل اعتبار آخَرين أن رفْع الأحزاب المعارِضة المسيحية (القوات اللبنانية والكتائب) الصوت بإزاء ضرورة الإسراع بإيجاد حل جذري لموضوع النزوح يأتي في إطار الرغبة في تأكيد الأولوية القصوى لهذا البند في أي ترتيباتٍ لترميم وضعية النظام السوري عربياً ودولياً.

وإذ تسود خشية موازية من أن يكون هذا الملف صاعقاً يجذب أكثر من طرف في الداخل والخارج لاستخدامه لتفجير الوضع اللبناني «بالتوقيت المناسب» ربْطاً بالملف الرئاسي وبهدف جرّ الجميع «على الحامي» إلى خيار فرنجية أو إلى تسويةٍ على اسم ثالث، كان بارزاً ارتسام تمايُز لـ «التيار الوطني الحر» في مقاربة هذا العنوان الذي لطالما تصدَّر أجندته، وهو ما عبّر عنه موقف لرئيسه النائب جبران باسيل بدا برسم خصومه المسيحيين.

فقد أعلن باسيل «أن النزوح السوري العشوائي كان مؤامرة واجهناها وحدنا وإخراجهم بالعنف مؤامرة سنواجهها»، مؤكداً «نحن مع العودة الآمنة والكريمة وتطبيق القانون الدولي واللبناني بعودة كل نازح غير شرعي ومنع أيّ توطين. الفرصة الإقليمية سانحة لعودة لائقة، ولن نسمح للمتآمرين والمستفيقين بتضييعها بالتحريض واللاإنسانية».

وفي موازاة ذلك، كان رئيس «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع يؤكد أمام المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان السفيرة يوانا فرونتسكا «ضرورة معالجة مسألة اللجوء في لبنان باعتبار أنها تحولت من قضية إنسانية إلى مسألة سيادية، تتطلب من جميع المعنيين، بدءاً من الحكومة اللبنانية وصولا إلى الدول والمنظمات المانحة، إيلاءها الجدية المطلوبة وإعطاءها طابع العجلة والطوارئ منعاً من تفاقمها ووصولها إلى ما لا تحمد عقباه»، مشدداً على أنه «بات من الواجب والضرورة على المعنيين، إعادة النظر بشكل جدي بموضوع اللاجئين السوريين في لبنان، والاستفادة من التطورات الإقليمية للوصول إلى حل جذري في موضوع العودة».

ويُذكر أن بلديات لبنانية عدة باشرت إجراء مسوحات وكشوف لتسجيل النازحين وتقييد تحركاتهم في نطاق عملها، على وقع دعوة «منظمة العفو الدولية» السلطات اللبنانية إلى «وقف عمليات ترحيل السوريين» بعدما وصفتها بأنها «غير قانونية»، معربة عن «مخاوف من أنّ هؤلاء الأفراد مُعرّضون لخطر التعذيب أو الاضطهاد على أيدي الحكومة السورية لدى عودتهم».