IMLebanon

التفاهم الايراني – السعودي لا يكفي: لبنان يحتاج أكثر

كتب طوني جبران في “المركزية”:

يُخطئ من يعتقد أنّ مجرد التفاهم بين طهران والرياض سيغير الأمور في لبنان وسيكون سهلًا التوصل إلى تفاهم لإنهاء مرحلة خلو سدة الرئاسة من شاغلها. فالتطورات الأخيرة تشير إلى أنّ الأمور ما زالت متشابكة ومعقدة وأنّ ما هو مطلوب يستدعي التفاهم على مستوى اوسع مما يراهن عليه البعض ويبني عليه المزيد من السيناريوهات الوهمية.

على هذه الخلفيات، عبّرت مصادر ديبلوماسية عبر “المركزية” عن اعتقادها بأنّ الحراك الذي قاده السفير السعودي وليد البخاري – إلى جانب نظرائه من لقاء باريس الخماسي – لم يكن لمجرد الحديث عن موقف بلاده، فهو عاد الى بيروت ومعه مخزون من المعلومات تتناول مواقف مختلف الأطراف المعنيين بالساحة اللبنانية وهو أمر يتجاوز الرهان على أي تفاهم ايراني – سعودي فما بلغته العلاقات بين البلدين وحجم الملفات العالقة بينهما لم يتم التطرق إليها كاملة بعد، وهما على دراية تامة بانهما ليسا القوتين الوحيدتين اللتين يمكنهما ان تنتجا تفاهما يؤدي إلى حلحلة ما في الأزمة اللبنانية وخصوصا لجهة التوصل الى انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية.

وإلى هذه المعطيات، فإنّ طرفي “اتفاق بكين” يفهمان جيدًّا التركيبة اللبنانية والخلل الذي أصاب التوازنات الداخلية وهما على علم بمجموعة العوائق التي ما زالت قائمة. ولكن العقدة الكبرى تكمن في ان ما تراه طهران من نقاط قوتها في لبنان لا يمكن ان يواجهها أحد في الداخل اللبناني كما بالنسبة الى الجانب السعودي. وهو ما يظهر جليًّا بالتمثيل الشيعي الذي تعبر عنه “ثنائية استثنائية” عملت ايران على تركيبها منذ اكثر من 35 عاما تقريبا وقد بنيت على توازنات ايرانية – سورية مشتركة ودقيقة للغاية لما هنالك من فوارق بينها على تعدد وجوهها في الفقه والسياسة. وهي مرحلة جرى التأسيس لها منذ ما عرف بـ “حرب الاخوة” بين طرفيها الحزب والحركة والتي شهدت اسوأ المواجهات العسكرية بين العامين 1988 و1990. وتحديدا ما بين أحداث آذار 1988 و5 نيسان من العام نفسه واستمرت بعدها متقطعة لثلاث سنوات حتى توقفت كليا في تشرين الثاني 1990 بتفاهم سياسي رعته كل من دمشق وطهران. وكان ذلك بعد ست سنوات على تأسيس “حزب الله” العام 1982 بعد مرور ثماني سنوات على قيام “أفواج المقاومة اللبنانيّة” التي تختصرها تسمية “حركة أمل” كجناح مسلح لحركة “المحرومين” التي ولدت على يد الإمام موسى الصدر العام 1974.

وتعتقد المصادر الديبلوماسية ان التفاهمات الايرانية – السعودية وان تناولت حتى اليوم بعض الملفات العالقة بينهما على سخونتها ووفق اولوياتهما، لم يثبت بعد ان ما يجري على الساحة اللبنانية من بين هذه الأولويات في ظل تفاقم الأزمات الأخرى التي بوشر بحلحلتها وتحديدا في اليمن والبحرين ومنطقة الخليج العربي.

وتعترف المصادر العليمة، انه وان حظي العراق بلفتة مزدوجة من الطرفين، فهي قد سبقت التوصل الى “تفاهم بكين” الذي تم التوصل اليه في 10 آذار الماضي فبغداد رعت المفاوضات بين طرفيه لسنتين على الأقل وكان لا بد من رد الجميل لها فعادت السفارة السعودية الى بغداد بعد اتفاق مبدئي مع إيران وعادت العلاقات بينهما لتتجاوز التمثيل الديبلوماسي ونشطت على اكثر من مستوى بينهما وكأن ما طرأ على العلاقات بينهما كان امرا عابرا تم تجاوزه. ولذلك فان ما هو محتسب للساحتين السورية واللبنانية لا يقاس بما للساحات الاخرى من اولوية.

وان كانت المملكة العربية السعودية قد مدت اليد الى سوريا قبل اي تفاهم ايراني – سعودي بشأن لبنان، فانها تدرك حجم المصاعب على الساحتين، وان حلحلتها تحتاج إلى جهود إضافية لم تبذل بعد بانتظار القمة بين الدولتين والتي ينتظر تحديد موعدها بعض الخطوات التي تقررت من ضمن مهلة الستين يوما التي تلت تفاهم بكين وهي مهلة اقصاها العاشر من ايار الجاري.

وبالنظر الى اقتراب هذه المواعيد وما تحمله من استحقاقات كبرى، فإن اي لقاء إيراني – سعودي في وقت قريب قد يشكل متنفسا لما يمكن ان يتناول الوضع في لبنان مع العالم والاكيد ان الطرفين يملكان ما يكفي من معلومات عن مواقف القوى الاقليمية والدولية الاخرى المعنية بملف لبنان وما يمكن تحقيقه على اكثر من مستوى. فالرعاية الدولية المطلوبة لأي حل في لبنان تتطلب تضافر القوى الاخرى كافة بما يمثلها “لقاء باريس الخماسي” وقبله “المجموعة الدولية من أجل لبنان” عدا عن الاتفاقيات والتفاهمات المطلوبة على مستوى العلاقة الواجب قيامها مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عند البحث بكل ما يتعلق بمجموعة الأزمات المتشابكة على الساحة اللبنانية.

وعليه لا تتنكر المصادر العليمة الى حجم العقدة المتمثلة بـ “الثنائي الشيعي” الذي يحكم السيطرة على ساحة النجمة من بوابتين أساسيتين: أولهما إمساك رئيس “حركة أمل” برئاسة المجلس النيابي واحتكار التمثيل الشيعي النيابي بالكامل وهو ما يعيق سعي اي مرشح يسعى لخوض السباق الى قصر بعبدا الى تجنب مقاطعتهم الشاملة عدا عن فقدان النية بقبول الحديث عن اي مرشح آخر غير رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وتاليا الدعوة إلى اي جلسة لانتخاب الرئيس قبل ضمان فوزه ولو بالنصف زائدا واحدا. وعندها سيكون على اي مرشح آخر الاعتراف مسبقا بفقدانه الميثاقية الطائفية ان سمح الثنائي بنصاب الثلثين مرة واحدة لعقد جلسة انتخابية دستورية وطبيعية رغما عن إرادته. وعليه فان اي سيناريو آخر يفترض به ان يحيي تجربة العام 2016 بخروج حركة امل مرة اخرى كما حصل عن التفاهم مع حزب الله على انتخاب عون رئيسا للجمهورية وهو امر مستبعد هذه المرة.

وبناء على كل ما تقدم تنصح المراجع الديبلوماسية بمزيد من الصبر والتروي عند مقاربة ما يؤدي إلى حلّ ليس على مستوى انتخاب رئيس الجمهورية فحسب، ذلك أنّ مثل هذه الخطوة تشكل ساعة الصفر التي يمكن الانطلاق منها لتشكيل حكومة فاعلة بكامل مواصفاتها الدستورية لترعى مسلسل الإصلاحات المطلوبة على أكثر من صعيد ليقال عندها ان لبنان بات على اول الطريق الى مسيرة الإنقاذ والتعافي.