IMLebanon

هذا ما يجب أن يفعله الفيفا “للعبة أفضل”

كتب رائد جرجس:

لقد تجاوزنا نهائيات كأس العالم 2022، ولكن قيل الكثير عن الهيئة المنظمة قبل وأثناء وبعد الحدث الكبير. ويبقى السؤال: هل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) قادر على ترميم صورته المتضررة من عدة أحداث سلبية وقعت خلال العقد الماضي؟ هل سيكون قادرًا على الارتقاء بنفسه إلى مكانة الرياضة التي يروج لها؟ لقد حان الوقت الآن، أكثر من أي وقت مضى، لإعادة التفكير في المستقبل.

بدأت اضطرابات الفيفا منذ سنوات عديدة وبدأت الشكوك حول التصرفات الخاطئة بالتصويت لكأس العالم 2006 و2010 في ألمانيا وجنوب أفريقيا على التوالي. اتُهم أعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا بتلقي رشاوى أو الاستفادة من مزايا معينة مقابل أصواتهم. بعد سنوات، أدت التحقيقات التي قادتها المحاكم القضائية السويسرية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، بمساعدة تشاك بلازر، إلى تورط العديد من المسؤولين رفيعي المستوى من اللجنة التنفيذية للفيفا. واجه المحققون الأعضاء المتهمين والمدانين بعدها بقضايا الرشاوى والابتزاز والمزايا الشخصية والأجندات السياسية والاتهامات الأخرى.

أطلق جياني إنفانتينو، الرئيس الحالي للفيفا، أفكارًا جديدة خلال مؤتمر الفيفا الذي عقد في قطر بالتوازي مع كأس العالم، وهو يستعد لولاية أخرى على رأس الاتحاد الدولي لكرة القدم. ناقش إنفانتينو فكرة تنظيم كأس العالم كل عامين، والشكل الجديد لكأس العالم 2026 المقبل مع 48 فريقًا، والاقتراح الجديد لكأس العالم للأندية بالإضافة إلى العديد من القضايا الأخرى. تم رفض بعض الأفكار من قبل أطراف مؤثرة (اقتراح كأس العالم للأندية على سبيل المثال)، وعارضها بشدة اتحاد الأندية الأوروبية، والأفكار الأخرى لا تزال مطروحة للنقاش من قبل الدول الأعضاء في الفيفا ومن قبل مجتمع كرة القدم بشكل عام.

استنادًا إلى المناقشات الجارية بشأن الطرق الممكنة لتحسين اللعبة، سأشارك في هذا المقال سبع أفكار يمكن أن تخدم بفعالية أهدافًا مهمة مختلفة تتعلق بـ: شفافية الفيفا، وتعزيز اللعبة وتطويرها.

1-نظام التصويت

يتبنى الفيفا نظام “صوت واحد للعضو الواحد”. لكل دولة أو كيان عضو في الفيفا صوت واحد للإدلاء به أثناء انتخاب الرئيس، أو تغيير القوانين المهمة للعبة، أو إنشاء منافسات جديدة، وما إلى ذلك. يبدو الأمر منطقيًا لأن معظم الأنظمة “الديمقراطية” تتبنى الشيء نفسه، ولكن عندما ننظر عن كثب إلى التأثيرات التي يمكن أن يحدثها هذا النظام على القرارات المهمة، نجد أنفسنا مضطرين لطرح السؤال: هل هذا النظام عادل؟ هل من العدل إعطاء صوت واحد لألمانيا أو البرازيل أو الأرجنتين على سبيل المثال وصوت واحد لسان مارينو أو جبل طارق أو ليختنشتاين؟ بعض البلدان أو الكيانات ليس لديها بطولات محلية منتظمة حتى أو لا تنظم مسابقة دولية أبدًا. يسلط هذا المثال الضوء على الفارق الكبير بين التجارب المختلفة و “وزن” مختلف البلدان والكيانات التي وضعها نظام الفيفا جميعها في وعاء واحد.

الفكرة المقترحة هي إعطاء عدد مختلف من الأصوات لكل بلد أو كيان حسب معايير معينة. يمكن أن يعتمد هذا على سبيل المثال على تصنيف الفيفا الخاص بهم والذي يعكس وضعهم أو مستواهم داخل اللعبة. كلما تقدمت في التصنيف، زادت الأصوات التي تكسبها مع حد أدنى وأقصى لعدد الأصوات. بهذه الطريقة، ستكافئ البلدان أو الكيانات ذات المكانة الجيدة التي تساهم بنشاط في تقدم اللعبة، والتي تشارك بنجاح في البطولات الدولية، وما إلى ذلك، وفي الوقت نفسه تقدم حافزًا للبلدان “الأقل أداءً” أو الكيانات التي يجب أن تحسن أداءها من أجل الارتقاء في التصنيف وبالتالي لكسب المزيد من الأصوات. سيصنّف نظام التصويت البلدان أو الكيانات حسب المجموعات ضمن تصنيف الفيفا: أفضل 20 بلد أو كيان، يحصلون على 10 أصوات لكل منهم على سبيل المثال، من 21 إلى 40 يحصلون على 7 أصوات، إلخ.

2-كأس العالم

ستستضيف بطولة كأس العالم لكرة القدم المقبلة سنة 2026، 48 دولة. يتزايد عدد الدول المشاركة بشكل مستمر منذ كأس العالم الأولى سنة 1930. نحن نتفهم الحاجة إلى التطور وإشراك المزيد من الدول من مختلف القارات في أكبر منافسة في عالم كرة القدم، ولكن ما هو القدر الكافي؟ هل من الممكن رؤية كأس العالم بعد بضع سنوات تضم أكثر من 50 أو 60 دولة؟ ألن تكون كأس العالم أكثر جاذبية إذا كانت فعلاً تنافسية مع عدد أقل من الفرق ومستوى أعلى من المنافسة مما سيؤدي إلى ارتفاع معدلات المشاهدة وترويج أفضل للعبة؟ هل هو ممتع حقًا أو عادل أن نرى منتخبات تخسر بخمسة أهداف أو أكثر في المباراة الواحدة؟

يمكن للفيفا إعادة النظر في صيغة التأهل لمنح فرص متساوية لجميع الأعضاء للتأهل إلى كأس العالم. فقط الفرق التي تستحق المنافسة على أعلى مستوى من كل قارة يجب أن يكون لها حق الوصول إلى هذه المرحلة. يجب أن يكون تواجدهم في كأس العالم نتيجة لمهاراتهم ومكانتهم كأفضل الفرق في قارتهم أولاً وفي العالم في المرحلة الثانية. يجب ألا تكون مشاركتهم نتيجة أجندة سياسية أو لأسباب مالية.

3-حكم الفيديو المساعد (فار VAR)

أثبت النظام مساهمته الإيجابية في اللعبة بلا شك. يمكن مراجعة العديد من الحوادث المهمة أو إجازتها أو المعاقبة عليها بمساعدة حكم الفيديو المساعد. ومع ذلك، فقد شهدنا قرارات مثيرة للجدل خلال كأس العالم الأخيرة لسببين رئيسيين: الأول هو التفسير الشخصي للحكام (وهو غير مفهوم أحيانًا) والسبب الثاني هو الصلاحية الممنوحة للحكم الرئيسي لإلغاء قرار حكم الفيديو المساعد وأحيانًا عدم النظر حتى في المراجعة أو الإعادة المقترحة.

يجب أن تكون مراجعة تقنية الحكم المساعد بالفيديو وقرار الحكم (الحكام) في غرفة الفار إلزاميًا ويجب أن يبطل قرار الحكم الرئيسي. هناك أربعة حكام في هذه الغرفة، وزوايا أكثر للمراجعة ووقت كافٍ لاتخاذ القرار بعيدًا عن ضغط اللاعبين أو المتفرجين في الملعب. إذا تم إعطاء القرار النهائي لفريق الفار، فسيتم رفع هذا الضغط عن أكتاف الحكم الرئيسي، وسيتم تقليل هامش الخطأ (لكي لا نتحدث عن “أخطاء” الحكم المتعمدة التي قد تكون ممكنة لسبب أو آخر).

بالإضافة إلى ذلك، يجب اتخاذ بعض قرارات الحكم المساعد بالفيديو دون الرجوع إلى الحكم الرئيسي للمراجعة، مثل لمس الكرة باليد في منطقة الجزاء، وركلات الجزاء الواضحة وإلغاء أو تأكيد الأهداف.

4-الحكام

جميع الحكام الدوليين المعتمدين من قبل الفيفا يعملون بدوام جزئي. يتم الدفع لهم لقاء المباراة أو البطولة أو المشاركة في بعض الأحداث المختلفة (بما في ذلك المؤتمرات وحلقات التدريب أو غيرها). الحكام لديهم وظائفهم الخاصة، وهم يعملون في الأيام العادية ويتم استدعاؤهم قبل يوم أو بضعة أيام من موعد المباراة.

سيؤدي وجود حكّام بدوام كامل إلى رفع مستوى التحكيم وتقليل المنفعة الشخصية – إن وجدت – للتأثير على نتيجة بعض المباريات المهمة. أعلن رئيس الفيفا أن إجمالي الإيرادات لفترة كأس العالم الحالية هو 7،5 مليار دولار أميركي ويمكن أن يصل إلى أكثر من 10 مليارات خلال السنوات الأربع القادمة المؤدية إلى كأس العالم 2026. وبهذه الإيرادات، يكون الفيفا قادرًا ماليًا على التوظيف بدوام كامل ما بين 150 إلى 300 حكم يكرّسون جهودهم لتحسين مهاراتهم، وللمشاركة في المزيد من الدورات التدريبية والمحاضرات لتأهيل حكام جدد، وما إلى ذلك. أثبت نظام الحكّام بدوام كامل نجاحه في العديد من الرياضات والجمعيات الأخرى مثل الدوري الأميركي للمحترفين ورابطة كرة القدم الأميركية.

5- تطوير كرة القدم النسائية

تشكل النساء ما يقرب من نصف سكان العالم. هناك إمكانات هائلة للتطوير ضمن هذه الفئة وهي نشطة للغاية في أميركا الشمالية وفي أجزاء مختلفة من العالم. خلال سنة 2022، سجلت العديد من المباريات النسائية أرقاماً قياسية في الحضور الجماهيري مثل نهائي أوروبا للسيدات في ويمبلي (87،176 متفرجًا) ودوري رابطة الأبطال للسيدات في المباراة نصف النهائية بين ناديي برشلونة وفولسبورغ في كامب نو (91،648 متفرجًا). تظهر هذه الأرقام الاهتمام بكرة القدم النسائية والنمو المحتمل ليس فقط في أوروبا ولكن في جميع أنحاء العالم.

يُطلب من الفيفا، وكذلك الاتحادات الوطنية لكرة القدم، الاستثمار أكثر في كرة القدم النسائية من خلال تخصيص المزيد من الموارد، والمزيد من الدعم المالي (مكافآت وجوائز مالية أعلى)، وبنية تحتية أفضل (مرافق تدريب مناسبة)، وإدارة أفضل (المزيد من المدربين المؤهلين ومديري الفرق لجميع الفئات العمرية)، إلخ. عائدات التسويق من بطولات الرجال تبرر المبالغ الكبيرة المدفوعة لمنتخبات الرجال، لكن هذا لا ينبغي أن يمنع الفيفا والاتحادات المحلية من زيادة الحوافز بشكل كبير للاعبات اللواتي يمثلن بلدانهن. هذه مسؤولية مشتركة بين الاتحادات المحلية والفيفا عندما تشارك المنتخبات الوطنية في الأحداث الدولية برعاية الفيفا. من الأمثلة الواضحة على التفاوت الكبير بين الجنسين هو إجمالي الجوائز المخصصة لكأس العالم. تقاسمت الفرق الـ 32 المشاركة في بطولة كأس العالم للرجال 2022 في قطر مبلغًا إجماليًا بلغ 440 مليون دولار أميركي، بينما ستقوم الفرق الـ 32 التي ستشارك في بطولة كأس العالم للسيدات 2023 في أستراليا بتقاسم 60 مليون دولار فقط.

6- الشراكة مع الاتحادات القارية

يجب أن تعكس العلاقة بين الفيفا والاتحادات القارية شراكة حقيقية وليس نوعًا من المنافسة بينهما. يمكن رؤية هذه “المنافسة” بشكل خاص بين الفيفا واليويفا UEFA حيث يتم إنشاء أحداث مماثلة لتأمين صفقات إعلامية جديدة وكسب إيرادات أعلى. أحد الأمثلة على ذلك هو فكرة اعتماد 32 فريقًا في كأس العالم للأندية للفيفا والتي تشبه إلى حد بعيد مسابقة دوري رابطة الأبطال الأوروبية. مثال آخر هو فكرة تنظيم كأس العالم كل عامين، وهو مشابه لكأس الأمم الأفريقية. ستزيد هذه الأفكار من الضغط على الأجندة الدولية التي يجب أن تستوعب أيضًا بطولة أمم أوروبا كل أربع سنوات، والدوري الأوروبي (اليورو ليغ)، وكأس القارات، وكأس كوبا أميركا، ومباريات التأهل للعديد من هذه الأحداث.

يجب أن يعود الفيفا وجميع الاتحادات القارية إلى مرحلة التخطيط والاتفاق على الأولويات الرئيسية: لصالح اللعبة أولاً (الترويج للعبة كرة القدم وتطويرها) ولصالح الدول الأعضاء (بناءً على الاحتياجات المحلية لكل بلد). بناءً على هذه الأولويات الدولية والقارية، يتفق الفيفا وجميع الاتحادات الأعضاء على استراتيجية محددة للمضي قدمًا، وبالتالي على كيفية تقييم النجاح، والاستثمارات اللازمة والخدمات اللوجستية الضرورية.

7- قواعد جديدة

يعد تغيير القواعد والقوانين عند الحاجة خطوة أساسية لتطور اللعبة. بناءً على التجارب المختلفة من السنوات الأخيرة المتعلقة بقرارات التحكيم وتعطيل اللعب والروزنامة الدولية والعديد من المعطيات الأخرى، أقترح التغييرات التالية:

– السماح بتبديل اللاعبين بدون توقف اللعب (أسلوب الهوكي). سيحافظ هذا على إيقاع المباراة ويمنع إضاعة الوقت في بعض الحالات. يجب أن يكون الحكم الرابع مسؤولاً عن العدد الإجمالي للاعبين على أرض الملعب في أي وقت ويمكنه إيقاف التبديل أو معاقبة الفريق في حالة خرقه للقاعدة.

– السماح بعدد غير محدود من التبديلات خلال المباريات الرسمية للمنتخبات. سيساعد ذلك في تطوير اللاعبين الشباب الذين يتم استدعاؤهم لمنتخبهم الوطني، بدلاً من الجلوس على مقاعد البدلاء بحد أدنى من المشاركة أو بدون مشاركة على الإطلاق في المباريات الدولية. إضافة إلى ذلك سيساعد العدد غير المحدود من التبديلات على تقليل مخاطر الإصابات للاعبين الذين يشاركون في عدد كبير من المباريات طوال الموسم.

– في ما يتعلق بقسم الفار (انظر النقطة رقم 3)، ستؤثر بعض التغييرات على قواعد اللعبة من حيث إيقاف مسار اللعب، واحتساب الوقت الإضافي، والإجراءات الأخرى ذات الصلة.