IMLebanon

التفاهمات والتقاطعات

كتب طوني فرنسيس في “نداء الوطن”:

احتاج فوز مرشح «حزب الله» إلى الرئاسة اللبنانية في خريف 2016 إلى «تفاهم» و»تقاطعين» سياسيين، رغم أنّه أسبِغت عليهما صفة «التفاهم».

التفاهم الأول هو تفاهم «مار مخايل» (2006) بين السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون، وفيه وُضعت اللبنة الأولى لإيصال عون إلى الرئاسة، الأمر الذي لم يتحقق في نهاية ولاية اميل لحود ولا في نهاية ولاية العماد ميشال سليمان، فاستمر الفراغ نحو عامين ونصف العام قبل أن يتحقق الحلم العوني في بعبدا.

أظهر ذلك أمرين. الأول ثبات «حزب الله» في التمسك بمرشحه، والثاني عجزه منفرداً عن تحقيق هذه المهمة رغم تمتع عون في حينه بكتلة نيابية كبرى.

احتاج عون للوصول إلى مبتغاه إلى «تفاهمين» إضافيين. فكان التفاهم الأول في معراب بين عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، ثم أعقبه تفاهم بيت الوسط بين عون والرئيس سعد الحريري الذي كان سبق له وأعلن دعمه ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية إلى منصب الرئيس.

كان اتفاقا معراب وبيت الوسط أشبه بتقاطع مصالح على النحو الذي يتردد الآن في وصف التقاء القوى المسيحية الوازنة في دعم الوزير جهاد أزعور كمرشحٍ رئاسي، لكن هذا الالتقاء سرعان ما تبدد أمام متانة التفاهم الفعلي الذي جرى توقيعه في رعاية رئيس الملائكة. وهكذا صار عهد عون بامتياز عهد «حزب الله» في رسم مصير الدولة.

لم يكن للتفاهمات الداخلية وحدها، التي أوصلت البلد في نهاية تشرين 2016 إلى الخيار الذي وصله، أن تحسم الأمور في هذا الاتجاه لولا توفر عدد من الشروط الإقليمية والدولية الحاسمة. أول تلك الشروط عدم الممانعة الأميركية بمجيء عون إلى الرئاسة. كانت إدارة الرئيس باراك أوباما قد أنجزت قبل عام اتفاقها النووي مع إيران ودخلت في «سوء تفاهم» مع الدول العربية خصوصاً في الخليح، وربما لم يكن صدفة تحديد موعد جلسة انتخاب عون قبل أيام قليلة من انتخابات الرئاسة الأميركية التي سيفوز فيها دونالد ترامب المعادي للاتفاق الذي وقعه سلفه. كان وصول مرشح «حزب الله» في نهاية ولاية أوباما مكسباً لإيران التي لم تخف ترحيبها بـ»انتصار حققته في بيروت» برضى الرئيس الديمقراطي الامبريالي وادارته.

في المقابل كان الخليج في موقع المُرتاب المنتظر لتحقيق أسوأ انتظاراته من القيادة اللبنانية الجديدة بعد احتدام حرب اليمن وتداعياتها نتيجة الهجمات الإيرانية على السعودية بالوكالة أو مباشرة.

سيحتاج الرئيس المقبل إلى تفاهمات بنفس قوة تفاهمات 2016 المحلية وإلى إطار من التقاطعات الإقليمية والدولية، وهذه التفاهمات والتقاطعات هي التي سترسم صورة هذا الرئيس.

بديهي أنّ موازين القوى الداخلية لن تعيد إنتاج تجربة بائدة. الحريري مغّيب، وتفاهم مار مخايل يهتزّ. السعودية وإيران تصالحتا، وسوريا عادت إلى «الحضن» العربي و»حزب الله» قاد حملة ترسيم حدود لبنان البحرية مع إسرائيل برعاية أميركا. فوق ذلك تنخرط أميركا في مفاوضات جدية مع إيران عبر مسقط، وكل شيء يبشر بـ» تفاهم» بينهما سيترك أثره على كرسي بعبدا الذي لم تنسه واشنطن وزادت خلال الأسابيع الماضية من اهتمامها به…