IMLebanon

مَن سيدفع ولمَن… ثمن “رئاسة توافقيّة”؟

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

ثمّة تسليم تام بخروج الاستحقاق من صندوق اللعبة الداخلية. سُدّت الطرق والمنافذ. وما التعادل السلبي الذي أفرزته الجلسة الانتخابية الأخيرة، ولو بفارق ثماني أصوات حصّلها جهاد أزعور على سليمان فرنجية، إلا دليل مُثبت بـ»الوجه العددي»، على أنّ الفريقين عاجزان عن مواصلة هذا المسار، لأنه يواجه جداراً سميكاً من الفيتوات المتبادلة، المتمثلة بالقدرات التعطيلية.

باتت الانتخابات الرئاسية محكومة بمسار التفاهمات الاقليمية وتلك الدولية، والتي شهدت في الأيام الأخيرة جرعة جديدة من الزخم بفعل النقاش الفرنسي- السعودي والذي عبّرت عنه زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى فرنسا ولقاؤه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، بالتوازي مع استعداد باريس لإنعاش مبادرتها تجاه لبنان عن طريق وزير الخارجية السابق جان ايف لودريان.

فهل سيتوّج الحراك الفرنسي بانتخاب قريب لرئيس للجمهورية؟

تدلّ المعطيات على أنّ فترة الصمت الانتخابي قد تطول، لتزيد من عمر الشغور الحاصل في الرئاسة. جلسة 14 حزيران كانت بمثابة منصّة حامية لتوجيه الرسائل. وقد بلغت مراميها ومقاصدها. ولا بدّ من وقت مستقطع لكي تهدأ النفوس وتستوعب الأذهان النتائج وتراجعها بهدوء وروية. وما السجال الحاصل حول الربح والخسارة وقوّة التحالف مقابل هشاشة التقاطع، إلّا نفخ في الهواء، لأنّ ثمة توازناً دقيقاً بالنتيجة أظهرته تلك الجلسة، يشي بأنّ الأفق مقفل ومرشّح لمزيد من التعقيد، خلافاً لما يروّجه البعض خصوصاً اذا تبدّلت السيناريوات والوجوه: ماذا لو قرر «المتقاطعون الجدد»، تغيير هوية المرشح، لتبني زياد بارود مثلاً، ما يزيد أقله ستة أصوات على بلوك الـ59، ليصير 65 أو أكثر! عندها ينخفض حكماً المغزى المعنوي لحاصل الـ51 صوتاً، ولو أنّه لا يفقد قيمته التعطيلية، لكنه يزيد من حدّة الاصطفاف والخلاف ويرفع من منسوب طائفيته.

في مطلق الأحوال، يقرّ المعنيون أنّ الطابة باتت في الملعب الخارجي. وما إصرار الإدارة الأميركية على إجراء الاستحقاق من خلال الدفع باتجاه ابقاء جلسات مجلس النواب مفتوحة، إلا تعبير ملطّف عن انخراط واشنطن في هذا الاستحقاق، مع العلم أنّها واحد من مكونات اللجنة الخماسية التي تناقش الملف بالشراكة مع الفرنسيين والسعوديين والقطريين والمصريين.

اذ يقول أحد المتابعين لعمل اللجنة الخماسية، إنّ نقاش أعضائها تركّز منذ انطلاقها على مسألتين هما الآلية أو المسار الدستوري لانتاج الرئيس والدور الممكن في هذا الإطار، والأسماء أي المرشحون.

منذ حينه كانت واشنطن كما الرياض تتحفّظان على الشق الثاني وتحاذران الخوض في تفاصيل الأسماء والترشيحات، ولو أنّ المسؤولين الأميركيين لا يترددون في الاستيضاح من اللبنانيين عن خفايا المرشحين وخباياهم. وتفضّل واشنطن التركيز على ضرورة إجراء الاستحقاق وملء الفراغ.

مع الوقت تبيّن أنّ للكونغرس الأميركي وجهة نظر مختلفة أو بالأحرى مقاربة مختلفة للملف اللبناني، لكونه يفضّل أن يكون سلوك الإدارة أكثر وضوحاً وحسماً، لكن الأخيرة اكتفت بوضع سقفين: الأول هو لائحة المواصفات التي سبق وأعلنت عنها للرئاسة اللبنانية، والثاني هو الدفع باتجاه اجراء الانتخابات بلا أي تباطؤ.

ويقول المطلعون إنّ الإدارة الأميركية، وبعد الكلام الذي أدلت به مستشارة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند بعد إجرائها اتصالاً هاتفياً «بنّاءً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، حول الحاجة الملحة لانتخاب رئيس للجمهورية وسن تشريعات تسهل الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي»، أبدت واشنطن منسوباً أعلى من الاهتمام بالملف اللبناني ما ينذر بمزيد من المواقف التي قد تصدر عن واشنطن. اللافت، أنّ المسؤولة الأميركية قدّرت «التزام بري محاولة الحفاظ على النصاب وعقد جلسات انتخابية مفتوحة، طالما أن الأمر يتطلب إنجاز المهمة»… فيما الأخير أقفل بعد الدورة الأولى، البرلمان بالشمع الأحمر.

ومع ذلك، يؤكد المطلعون أنّ التدرّج في الموقف الأميركي قد لا يطال عتبة الانخراط في لعبة الأسماء، أقّله في العلن. كذلك الأمر بالنسبة للسعوديين الذين انتقلوا خلال الفترة الأخيرة إلى مربّع رفع الفيتوات والقبول بأي ترشيح يتفاهم عليه اللبنانيون. لكنهم يحاذرون أيضاً اعتماد سياسة تفضيل هذا المرشح على ذاك، مع أنّ مؤيّدي فرنجية يعولون على اندفاعة سعودية جديدة باتجاهه لحظة تستعيد المشاورات الاقليمية حيويتها.

ويشير المتابعون لمشاورات «الخماسية» إلى أنّ التطورات الأخيرة بما فيها التوازنات التي أظهرتها نتائج جلسة 14 حزيران، والتي كرست رفض القوى المسيحية ترشيح فرنجية، معطوفة على دخول الفاتيكان على خطّ الرئاسة الاولى من خلال الإصرار على الإدارة الفرنسية عدم تجاوز اعتبارات المكون المسيحي والذهاب نحو ترشيح توافقي ترضى عنه معظم القوى اللبنانية، بمعنى التفاهم مع الثنائي الشيعي أيضاً… كلها عوامل دفعت بباريس إلى مراجعة سلوكها ازاء الملف اللبناني، ولو أنّها قد لا تتراجع عن سياستها القائمة على البحث في الأسماء والترشيحات.

ولكن لهذه الجولة من البحث وفق المتابعين، قواعدها الجديدة التي ترتكز على معيار الجمع بين اللبنانيين، أو التوافق بمعنى البحث في أسماء قادرة أن تكون موضع تفاهم لبناني- لبناني يحول دون اعتراض أي فريق أساسي. وهذا بحدّ ذاته تغيير نوعي في الموقف الفرنسي يفترض وفق متابعي الحراك الباريسي أن يقود إلى فتح الباب أمام ترشيحات ثالثة.

ولكن بالنتيجة، بات الاستحقاق دولياً بامتياز بعدما كرس الاصطفاف الداخلي توازن رعب يصعب خرقه ذاتياً. وصار لا بدّ من تدخل دولي. فمن سيدفع ثمن الرئاسة اللبنانية ليحقق تفاهم أقله 86 نائباً؟

في هذه الأثناء، بدا طرح الانتخابات النيابية المبكرة لإخراج الرئاسة من عنق الخلافات، كنكتة سمجة خصوصاً وأنّ المتحمسين لها خشوا تجرّع كأس الانتخابات البلدية، فهل يتجرأون على فتح صناديق «النيابية»؟ ومن يضمن نتائجها في ظلّ الانقسام العمودي الحاصل الذي قد يتحوّل إلى موجات تسونامي طائفية؟