IMLebanon

“طاولة الحوار” قبل انتخاب الرئيس أم بعده؟

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”: 

من المتوقع أن تُخضع القيادات السياسية والحزبية النتائج التي انتهت اليها الجولة الاولى من مهمّة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في بيروت للتقييم الدقيق. وذلك في خطوة طبيعية، بغية استشراف المرحلة المقبلة، وما يمكن البناء عليه من مواقف، وخصوصاً على مستوى السيناريوهات المتوقعة بالنسبة إلى مصير «طاولة الحوار» التي تحدث عنها في بيانه الختامي، وهل ستكون قبل انتخاب الرئيس أم بعده؟

سمحت عطلة نهاية الأسبوع للماكينات السياسية والحزبية بتجميع كمية كبيرة من المعطيات التي أفرزتها مجموعة اللقاءات التي أجراها لودريان بمروحتها الواسعة، تمهيداً لإعادة قراءتها بعقل بارد وبطريقة مختلفة عن تلك التي أُجريت بالتقسيط بين كل لقاء وآخر، بحثاً عن تكوين المشهد الجامع الذي انتهت اليه وما يمكن ان تقود اليه مهمّته. فقد كان واضحاً انّ لودريان لم يتجاهل اياً من المعنيين بالاستحقاق الرئاسي وعلى مختلف المستويات الرسمية والحكومية والسياسية والحزبية، بمعزل عن أشكالها المختلفة والمواعيد التي تلاحقت. وذلك باستثناء اللقاء الذي جمعه مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، بعيداً من أي لقاء مع اي قيادة روحية أخرى، ليس لسبب، سوى لأنّ للبطريركية المارونية أدواراً وطنية تتجاوز ملف الاستحقاق الرئاسي، وخصوصاً في علاقاتها المميزة بأعماقها الروحية والوطنية والتاريخية مع الإدارة الفرنسية، أياً كانت هوية الرئيس الموجود في قصر الإليزيه.

وقياساً إلى حجم وأهمية زيارة لودريان بأبعادها المختلفة، التي تتجاوز الدور الفرنسي في حدّ ذاته، بل تتخطّاه إلى التكليف الذي نالته باريس من شركائها الدوليين، والذي عبّرت عنه مجموعة الدول المنضوية تحت راية «لقاء باريس الخماسي» التي تواكب الوضع في لبنان منذ أن عقدت لقاءها التأسيسي في السادس من شباط الماضي، وهو اجتماع لم يتكرّر بعد على هذا المستوى الشامل، بمعزل عن مجموعة اللقاءات الثنائية التي أجرتها الأطراف الخمسة بطريقة ثنائية او ثلاثية، كما تلك التي يجريها الجانب الفرنسي مع اي منهم، والتي تُوّجت بالقمة الفرنسية – السعودية قبل أسبوع، من دون إهمال اللقاءات التي جمعت المسؤولين السعوديين بالإيرانيين على مستوى وزيري الخارجية، كما الاتصالات القطرية ـ الإيرانية التي ستجمع إيران في اطار المجموعة التي يمكن ان تكتسب صفة مجموعة الـ (5 + طهران) في اي وقت.

وعلى خلفية السعي إلى مساعدة لبنان لتجاوز أزماته المتعدّدة الوجوه، ولا سيما منها الاستحقاق الرئاسي، بعدما دخلت حقبة خلو سدّة الرئاسة شهرها الثامن، تحدثت مصادر ديبلوماسية وسياسية عن أنّ القراءة المتأنية لزيارة لودريان وما سبقها وتلاها من تحرّكات إلى معطيات جديدة، وهي واردة في كل لحظة، لا بدّ ان تنتهي. ولذلك، ينبغي الإشارة اليها ومنحها ما تستحقه من أهمية، بحيث يمكن ان تقدّم بعض المؤشرات التي كانت خافية على ما عداها من تلك التي حفلت بها الصالونات السياسية والحزبية. وهي قراءة أسقطت البعض مما تمّ التداول به في بداية الزيارة وأثنائها في سلّة المهملات، وأُعطيت لأخرى أهمية إضافية، لا بدّ من متابعتها بالنظر إلى ما ستلقيه من أضواء على المرحلة المقبلة.

وقياساً إلى المعايير الجديدة التي برزت في نهاية الزيارة، فإنّ الأنظار اتجهت إلى محطتين أساسيتين، الأولى تتمثل بالجوجلة الدقيقة التي سيجريها لودريان مع صاحب التكليف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، لتحديد الخلاصات بما فيها من افكار واقتراحات، والثانية تتجلّى بتلك التي ستقود إلى تسويقها لدى بقية الشركاء، من رعاة المهمّة التي تعهّدت بها باريس منذ ان كُلّفت بها، سعياً الى برمجتها بأولوياتها الممكنة ووضع خريطة الطريق المؤدية إلى تطبيقها. ولذلك، فإنّه سيكون واجباً على اللبنانيين انتظار المواعيد الفرنسية الجديدة.

وعليه، كشفت المصادر المعنية، أن ليس منطقياً ان يدّعي أي من الاطراف اللبنانيين انّه يمتلك صورة واضحة عن مجموعة المواقف او المعطيات التي جمعها لودريان في جولاته اللبنانية. وإن ما بات في حوزته ليس متوافراً عند اي منهم. وخصوصاً انّ ما قيل في الجلسات المقفلة لا يمكن البوح به خارجاً. وعليه، تضيف المصادر، انّه كان على لودريان الذي يعرف سلفاً ما يدور في عقول بعض القادة اللبنانيين – وربما يعرف ذلك – فهم عبّروا بتصرفاتهم وتغريداتهم ومواقفهم، عن انّهم يحاكون جماهيرهم برغباتهم وأمنياتهم، في ظل فقدان الجرأة على البوح بالمواقف الواضحة والصريحة. وهو ما كشفته وسائل الإعلام المفروزة على قياسهم، عبر نشر السيناريوهات المتناقضة حول اجتماع واحد، والتي انتهت بمجملها إلى إعلان فوز الجميع بما يطالبون به وما اكّدوا عليه من مواقف.

وبناءً على ما تقدّم، فقد أسقطت المصادر الديبلوماسية والسياسية كثيراً مما نُشر من سيناريوهات تحاكي محاضر جلسات لودريان مع عدد من الشخصيات السياسية والكتل النيابية، وخصوصاً عند الفصل بين ما كان مطروحاً قبل الزيارة، وربما قبل الحلقة الثانية عشرة من مسلسل انتخاب الرئيس في 14 حزيران الجاري، وما بعدها. وهو ما عبّر عنه الأفرقاء جميعاً لجهة الحديث عن تمسّك باريس بمبادرتها لجهة ثنائية ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية ونواف سلام لرئاسة الحكومة، او تراجعها النهائي عنه، وفتح صفحة جديدة مع الإستحقاق بحثاً عن مرشحين جدد.

وعليه، وإن بقي الالتباس قائماً حول هوية المرشح الرئاسي، فإنّ ملفاً آخر يتقدّم على أولوية انتخاب الرئيس، وهو يتعلق بمصير طاولة الحوار. فالثابتة الوحيدة التي التقت فيها إرادة لودريان ومعظم من التقاهم، كانت عن رغبته بتنظيم مثل هذه الطاولة. لكن الخلاف الجوهري وقع بعد الموافقة عليها بين من يطالب بانعقادها قبل انتخاب الرئيس أم بعده. فأصحاب الموقف الرافض لأولويتها يعتقدون انّ «الثنائي الشيعي» ومن خلفه محور الممانعة، يسعى الى ربط الاستحقاق الداخلي بتوازنات المنطقة، ولترجمة ما يتحدثون عنه من انتصارات لا بّد من ترجمتها على الساحة اللبنانية. فيما يرفض الطرف الآخر مثل هذه الدعوة قبل انتخاب الرئيس، بغية حصر المناقشات بالقضايا والملفات اللبنانية الداخلية بعيداً من أوضاع المنطقة.

وفي انتظار ان يحسم الموفد الفرنسي موقفه من موعد الطاولة، نمي إلى بعض من التقاهم قبل نهاية مهمّته بقليل، انّه ينحو الى ضرورة أن يرعى الرئيس الجديد للجمهورية مثل هذه الطاولة، لتكون منطلقاً وأساساً لبناء شبكة متينة من الرعاية الدولية لمسيرته الجديدة. فوجود رئيس للجمهورية يشرف على مثل هذه الطاولة ويديرها، يمكّنه من ان ينطلق بالسرعة المطلوبة لإطلاق عهده بما هو مطلوب منه من برامج الإصلاحات التي تضع البلاد على سكة التعافي والإنقاذ. وعليه، فإنّ انتظار عودة لودريان بات امراً واجباً وملزماً لجميع الأطراف للحكم، ولو متاخّراً على مهمّته وما يمكن ان يحقّقه.