IMLebanon

هيثم ومالك طوق ضحيتا حدود غير مرسمة

كتبت جوانا فرحات في المركزية:

هو همس يدور في مجالس أهالي وعائلات بلدة بشري المتكئة منذ يوم السبت على وشاح الحزن ودموع أمهات ثكالى إثر مقتل الشابين هيثم جميل الهندي طوق (38 عاماً) ومالك طوق في الخمسينات من عمره في محيط القرنة السوداء.

الضحية الأولى قُتلت في ظروف غامضة والثانية في ظروف ملتبسة. وحتى الساعة لا شيء سوى غضب وغضب كبير ومساع حثيثة من قبل نائبي بشري ستريدا طوق جعجع وملحم طوق بتهدئة النفوس وتفادي ردات الفعل التي قد لا تحمد عقباها من قبل الأهالي المفجوعين وأبناء البلدة الذين يودعون الغاليَين عند الخامسة من عصر اليوم على أصوات أجراس الكنائس والصلوات ونحيب الأمهات والثكالى، وبعدما أصدر نائبا بشري بيانا تمنيا فيه على الأهالي عدم إطلاق الرصاص خلال مراسم التشييع.

أمام هول الفاجعة تسقط كل الإعتبارات إلا الحقيقة” فاليوم حزن ورثاء وصبر وعزاء دعونا ندفن ضحايانا بسلام.وغدا كلام آخر”. قالها الأب هاني طوق إبن بلدة بشري. ماذا يمكن أن يكون كلام الغد؟ وأي كلام يريد أن يسمعه بعد أهالي بشري وعائلتا الضحيتين إلا الحقيقة وتوقيف الجناة وإلا لكل حادث حديث وعندها ربما سيكون هناك كلام من نوع آخر على ما يهمس الغاضبون الواقفون على نعشي هيثم ومالك. وربما غدا على ضحايا جدد في حال لم تتخذ الدولة قرارا حاسما بإيجاد حل جذري لمشكلة الخلاف التاريخي على مياه ينابيع القرنة السوداء.

يعلم القاصي والداني أن ما بين قضاء بشري والضنية أزمة من زمان حول مياه الينابيع في القرنة السوداء. فالثلوج في المشاعات العالية تنزل في آبار وينابيع تستفيد بشرّي من قسم منها، ومن قسم آخر تستفيد الضنية، لكن ما يحصل أن مواطنين من قرية بقاع صفرين في أعالي الضنية يعمدون سنوياً الى مدّ نباريج تمنع المياه من تغذية الآبار وتأخذها الى بلدتهم. وفي كل مرة، هناك من يعمد الى إعادتها عبر قطع النباريج، فتبدأ المشاكل. فهل يمكن أن يكون ما حصل قبل ظهر السبت الفائت إنتقاماً من قطع النباريج؟ لا أحد يتهم ولا أحد ينفي. والمشاكل قائمة منذ زمن طويل وربما يكون هناك من أراد الدخول اليوم بين الجهتين لإحداث شرخ أكبر. لذلك، لا يفترض أن يُقفل التحقيق ضدّ مجهول لأن ذلك سيولّد مزيداً من المشاكل في المنطقة، بين جانبين، وعلى ضفتين، الجميع في منأى عنها.

حتى الساعة لا شيء أكيد. بلى. المؤكد أن هناك إحتقان في النفوس يتكرر كل سنة، مرة ومرتين وأحيانا مرات و مرات. قبل جريمة السبت تم تسجيل عملية إطلاق نار على قطيع ماعز لراعٍ من بلدة الضنية. أقفل الملف على مجهول. قبل ذلك وتحديدا في ليلة باردة جداً من ليالي تشرين الثاني 2022 وقع حادث تخريب في محطة التزلج في الأرز حيث تم تخريب حوالى 180 كرسياً على الأرض كما تم قطع سلك بطول 1800 متر صعوداً ومثله نزولاً على الأرض. من فعلها لم يكن بالتأكيد واحداً. كيف حصل ذلك ومن أية جهة وصل؟ أيضا لا أحد يعرف ولم تسفر التحقيقات عن شيء.

وكما في الأمس كذلك اليوم وربما غدا، البشراويون يطالبون، في مجالسهم ومنتدياتهم، بـ”تحقيق شفاف، وانهاء اعمال المساحة في القرنة السوداء، وترسيم الحدود بين قضاءي بشري والضنية منعا لاستمرار الاشكالات العقارية المتمادية منذ اكثر من ثلاثين سنة، أما من قتل هيثم طوق وكيف قتل وبرصاص من؟ فهذه الاسئلة تحتاج الى إجابات عاجلة لقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر والمطلوب أكثر حلول جذرية.

رئيس المجلس الوطني لرفع الاحتلال الايراني عن لبنان النائب السابق فارس سعيد وبعد تقديم واجب العزاء بالضحيتين والتضامن مع أبناء بشري يؤكد على المؤكد”هذه الأحداث هي نتيجة تقصير من قبل الدولة اللبنانية. فحتى اليوم هناك مساحة بنسبة 35 في المئة من الأراضي اللبنانية لم تستكمل فيها أعمال المساحة والتحديد.أيضا هناك ينابيع المياه التي تتطلب مراسيم من قبل وزارة الطاقة والمياه لتنظيم الحقوق المكتسبة من المياه وتوزيعها وفقا للقانون وهي أيضا غير مستكملة.وقد أدى هذا التقصير إلى استمرار النزاع العقاري وحول الإنتفاع من المياه في منطقة القرنة السوداء بين الضنية وبشري أدى إلى هذا الامر”.

قصة الخلاف عمرها طويل وطويل جدا “منذ العام 2000 وأنا أطالب باستكمال أعمال المساحة والتحديد في كل أراضي الجرد”. ويضيف سعيد ” أيضا طالبت بإصدار مراسيم توزيع الحقوق المكتسبة على المياه لا سيما في المناطق الجبلية حيث النزاعات على أشدها حول المراعي والمياه لكن لا حياة لمن تنادي. وهذا التقصير مزدوج من قبلنا كمعنيين وأولاد جرد، ومن بلديات وسياسيين وتحديدا الدولة بشخص وزارتي الطاقة والمياه والمال المعنيَين بالملف توزيع المياه واستكمال أعمال المساحة والتحديد”.

يستعيد سعيد ما قام به الفرنسيون من أعمال تحديد مساحة منذ العام 1926 وحتى العام 1943 “حيث أنجزواعلى مساحة حوالى 50 في المئة أعمال المساحة على الأراضي الساحلية دون الوصول إلى الجرود.ولاحقا أنجزت الجمهورية الأولى والثانية أعمال المساحة والتحديد على نسبة لا تتجاوز ال20 في المئة ولا تزال هناك نسبة تراوح بين 30 و35 في المئة غير مستكملة أي 3500 كلم2 من أصل 10 آلاف كلم2 مربع وتقع كلها تحت سيطرة وزارة المال فهل من يسمع هذه المرة؟”، يختم سعيد.

الخامسة عصرا تودع بشري هيثم ومالك طوق ويبقى الهمس…من الضحية أو الضحايا التالية؟ الأب هاني طوق يختصر الأجوبة: ” إما إحقاق الحق وإلا فليتحمل القضاء والأجهزة الأمنية والسياسيين مسؤولية كل نقطة دم تهرق بسبب عدم ترسيم الحدود بين بشري والضنية”…ويدخل الكنيسة ليقف أمام المذبح وينشد “فليكن ذكرهما مؤبدا”.