IMLebanon

“حادثة القرنة السوداء” تضيء على مخاطر انفجار أهلي

كتب منير الربيع في “الجريدة الكويتية”:

إلى جانب الاستعصاء السياسي الذي يعيشه لبنان، وعلى ما يبدو أنه سيكون طويلاً، تتوسع الانقسامات الأهلية والطائفية على وقع أحداث متعددة يمكنها أن تهدد السلم الأهلي. والقاعدة الثابتة المعروفة لبنانياً أنه كلما تعمّقت الأزمات السياسية، تصبح ولّادة لأزمات من نوع آخر تتعزز فيها الانقسامات الطائفية والمذهبية، وتتفرّع منها صراعات متعددة، آخرها الصراع المتجدد بين أهالي منطقة الضنية السنية وأهالي منطقة بشرّي المسيحية في الخلاف التاريخي القائم على جغرافيّة القرنة السوداء.

هو صراع يمكنه أن يسهم في تهديد السلم الأهلي، خصوصاً أنه يأتي وسط تنامي الأصوات التي تدعو إلى تحقيق الفدرالية والتقسيم.

كلما تأخر الحلّ فسيكون المجتمع اللبناني قابلاً للتعايش مع أزمات كثيرة إلى جانب الأزمة الاقتصادية والمعيشية، تستفيق فيها شياطين الصراعات المذهبية، كما حصل في منطقة القرنة السوداء بعد حادثة مقتل شخصين من آل طوق في بشرّي برصاص مجهولين وإيقاف الجيش متورطين محتملين من منطقة الضنية.

يفتح الإشكال في تلك المنطقة العيون على إشكالات كثيرة مشابهة عقارياً وجغرافياً، كما هو الحال بالنسبة إلى الصراع بين الموارنة والشيعة في جرود لاسا والعاقورة في منطقة جبيل، إذ يعتبر الموارنة أن هناك أراضي واسعة تعود لهم وهي ملك للكنيسة، فيما يعتبر الشيعة العكس، ويأخذ هذا الصراع طابعاً سياسياً إذ يتهم معارضو حزب الله في تلك المنطقة، بأنه يحاول تطويقهم جغرافياً من خلال وصل جرود العاقورة وجرود لاسا بمنطقة البقاع ليصبح ممسكاً بطريق أساسي واستراتيجي يمتد من القصير السورية إلى البقاع ومنه إلى جرود جبيل ومنها إلى الأوتستراد الدولي الذي يربط بيروت بشمال لبنان.

لم تكن حادثة القرنة السوداء هي الأولى من نوعها، إذ شهدت المنطقة إشكالات كثيرة في السابق، وغالباً ما تتجدد هذه الإشكالات عند بداية كل صيف بسبب الخلاف على المياه ومنابعها. لكنها أزمة يمكنها أن تؤدي إلى انفجارات أهلية في ظل الصراع السياسي القائم والذي يأخذ أبعاداً طائفية ومذهبية، خصوصاً في ظل ارتفاع منسوب الدعوات الى اعتماد صيغة الفدرالية والتقسيم.

بعد وقوع الحادثة سارع الجيش اللبناني إلى تهدئة الأمر من خلال البيان الذي أصدره واعتبر فيه أنه حذّر سابقاً من الدخول إلى تلك المنطقة لأنها منطقة تدريبات عسكرية، وسعى سريعاً لمعالجة الوضع ووقف أي تداعيات. كل ذلك يأتي وسط استمرار الانقسام الداخلي حول كيفية انجاز استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية ووضع ملامح تسوية يمكنها أن تحدّ من الانهيارات المتوالية وتفسح في المجال للبحث عن حلول، خصوصاً أنه كلما طال أمد الأزمة الرئاسية، كلما تزايدت مقومات الانقسام الأهلي، الذي يمكن أن ينفجر بأي لحظة وبناء على أي حادثة غير محسوبة أو غير متوقعة.

وينتظر لبنان أيضاً، ما قد تفرزه الاتصالات الخارجية التي سيجريها المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان بعد الانتهاء من إعداد تقريره. وبحسب ما تقول مصادر متابعة، فإن لودريان بصدد إجراء زيارات إلى كل من السعودية وقطرومصر للتنسيق. في المقابل، تفيد المعلومات عن زيارة وفد سعودي إلى باريس في الفترة المقبلة، لكن تشدد مصادر على أنه لم يتم تحديد موعد أو مكان انعقاد اجتماع جديد للدول الخمس المعنية بالملف اللبناني.