IMLebanon

عودة هوكشتاين: إلى الحدود البريّة درّ

كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:

يا لها من «صدفة» أعادت آموس هوكشتاين إلى حلبة التفاوض بين لبنان وإسرائيل بعدما نجح بصفته الوسيط الأميركي الجلود والمحنك، في إنجاز ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والدولة العبرية في 27 تشرين الأول عام 2022.

بعودته إلى تلك الحلبة يستأنف هوكشتاين اللقاءات مع شخصيات ارتاح إلى دورها في إنجاز الترسيم البحري: رئيس البرلمان نبيه بري ومستشاره الصلب والعارف بالتفاصيل الحدودية الدقيقة، الذي على صلة مع هوكشتاين منذ زهاء عشر سنوات، علي حمدان، والمدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي كان يتولى نقل الرسائل بينه وبين الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، والذي بات على صداقة مع الدبلوماسي الأميركي المحنك. هؤلاء يُنتظر أن يعودوا مع الوسيط إلى الحلبة بقوة أيضاً، لأنّ المعطيات الدبلوماسية والمحلية تشير إلى أن معالجة مسألة «الخيمتين» ستفتح الباب على مناقشة الحدود البرية. على الأقل هذا ما فهمه دبلوماسيون من جلسة بري مع قائد «اليونيفيل» الجنرال أرولدو لازارو أول من أمس.

المستشار الأول في الإدارة الأميركية «لأمن الطاقة الدولي» حطّ أمس في تل أبيب في ظل التوتر على الحدود بين إسرائيل و»حزب الله» جراء تكريس الأولى احتلالها الجزء اللبناني من قرية الغجر، وقيام «الحزب» بنصب خيمتين في قرية بسطرة في الجزء اللبناني من مزارع شبعا المحتلة. وهو أمر يثير توتراً على الحدود، لأنّ إسرائيل هددت بإزالة الخيمتين، ثم طالبت بأن يزيلهما لبنان، فيما طالب لبنان الأمم المتحدة و»اليونيفيل»، بلسان رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب، بانسحاب إسرائيل من الجزء الشمالي من الغجر مقابل ذلك.

الجانب اللبناني حرص على التأكيد أنه مع فكرة الحل الدبلوماسي، لكنه لم يقترح خطوات ملموسة ومحددة في التفاوض، لأن الموضوع «أكثر تعقيداً من سياج فني وخيمتين، حسب نظرة الدبلوماسيين المتابعين عن كثب للتوتر. ويقول أحد الدبلوماسيين إن هوكشتاين يدخل إلى ساحة واسعة ومعقدة من التفاوض الدبلوماسي. والخلاف الناشئ على السياج الإسرائيلي في الغجر، وعلى الخيمتين يرمز إلى أمور أخرى، رغم أن إسرائيل تطالب بإزالة الخيمتين «وهي مستعدة لأن تكون صبورة لكن إلى حدود معينة»، كما نقلت التقارير الدبلوماسية عن موقف تل أبيب، التي تساءلت عن الهدف المقصود من وراء نصبهما.

خلال شهر حزيران الماضي وأثناء الاجتماع الثلاثي الدوري لممثلين عن الجيشين اللبناني والإسرائيلي و»اليونيفيل» برعاية الأخيرة التي تتولى قيادتها نقل المواقف بين غرفتين يجلس فيهما وفدا الجيشين (لأن المفاوضات غير مباشرة)، قال الجانب اللبناني إنه مستعد لفتح نقاشات جدية حول مسألة ترسيم الحدود البرية. وأرفق الجانب اللبناني اقتراحه هذا بملاحظة عن أنه يفترض بالجانب الإسرائيلي أن تكون لديه الجدية نفسها. لكن تل أبيب رأت لاحقاً أن نصب الخيمتين في قرية بسطرة من قبل «حزب الله» يشكل عقبة أمام التفاوض.

طرح تداخل المسألة المستجدة المتعلقة بالغجر والخيمتين السؤال عن آلية المخرج إذا كان التفاوض سيقتصر على هذا الجانب؟ ومن يبدأ الخطوة الأولى؟ وكيف؟

وفق أحد الدبلوماسيين الواسعي الاطلاع، إنّ الهدف الأصلي من زيارة هوكشتاين للمنطقة حسب التقارير الدبلوماسية هو مناقشة أمور تتعلق بالمصالح الاقتصادية بين لبنان وإسرائيل، والعلاقة بين كونسورسيوم الشركات الدولية، «توتال إينرجيز» الفرنسية و»إيني» ألإيطالية، و»قطر غاز» مع الدولتين. فالكونسورسيوم (وتحديداً توتال) ستباشر الحفر في البلوك الغازي الرقم 9 العائد للبنان والذي يتضمن حقل قانا، بعد أقل من شهرين، لكن مهمته ستتوسع إلى مسألة الحدود البرية.

فاتفاق الترسيم البحري كان نص على أن تتولى «توتال» تعويض إسرائيل عن جزء من كمية الغاز في الجزء (قرابة الثلث) من حقل قانا، الذي يقع في المنطقة الاقتصادية الخالصة الإسرائيلية، والذي بات تحت السيادة اللبنانية. الاتفاق البحري كان نص على دور الولايات المتحدة في معالجة أي تفاصيل تتسبب بتباين بين الدولتين. وورد ذلك في ثلاث حالات، في شكل أعطى لواشنطن صفة الراعي لتنفيذ الاتفاق. لكن البت في مسألتي الغجر والخيمتين سيقحم النقاش في تفاصيل توجب العودة إلى الخرائط وتاريخ الخطوات من الجانبين، فضلاً عن أنه سيعيد النقاش الممل حول ملكية مزارع شبعا، هي لبنانية أم سورية. وإذا كانت مشتركة ما هي المساحة العائدة لكل منهما.

الأسئلة التي ترافق عودة هوكشتاين إلى الحلبة، أكثر من الأجوبة. وليس أكثرها صعوبة إذا كانت سوريا مستعدة لترسيم الحدود في المزارع أم لا؟ وما هو الثمن؟ وما هو الدور الإيراني عبر «الحزب»؟ فترسيم الحدود البرية سيأخذ وقتاً طويلاً على الأرجح.