IMLebanon

سقوط “تعديل سنّو” ورفضُ المساس بالمرسوم 18

كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”:

أدّى إنكشاف محاولة تهريب التعديلات الملغومة على المرسوم 18 تحت عنوان التمديد لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى انفجار المواقف وخروج الإعتراضات على المسار غير القانوني لهذه المحاولة ما أسقط مشروع التعديل الذي عمل عليه رئيس جمعية المقاصد فيصل سنّو وعزله عن التأثير في انتخابات المجلس الشرعي وجدّد النقمة عليه في الأوساط السنية بسبب تدخّله في شؤون دار الفتوى وخطورة التعديل الذي طرحه بمنح رئيس الحكومة حقّ تعيين لجنة أو نائب للمفتي يحلّ محلّه إذا شغر الموقع.

حاول مروِّجو التمديد والتعديل إقناع المفتي دريان أنّ من حقّه الحصول على فرصة إضافية، لأنّ ولايته شهدت الكثير من المصاعب من كورونا إلى إحجام الخليج عن لبنان وليس انتهاءً بالثورة والانهيارات، ولأنّه ثبت في هذه الملمّات، فإنّ من الواجب التمديد له مع سرد ما يعتبره هؤلاء إنجازات الولاية وهي لا شكّ محقَّة في مجملها، لكن جرى استخدامها في غير موضعها وربطها بتعديل صلاحيات المفتي وأمين الفتوى من قبل من حاولوا ركوب موجة التمديد للمفتي دريان.

السنيورة والكردي: سقف المواقف العالي

كانت الإشارات كلّها تدلّ وتتحدّث عمّن يحاول استغلال فكرة التمديد للمفتي دريان لتنفيذ مشروع يهدِّد كيان دار الفتوى، وهم الذين وصفهم الرئيس فؤاد السنيورة بـ»البعض الذي يحاول التقرّب» لإقناع المفتي بالسير قدماً في طرح تمديد ولايته، ليخلص إلى القول: «باعتقادي أنّ هذا التعجّل في إجراء التمديد لسماحة المفتي، وبهذه الطريقة، ومن المجلس الحالي الذي ستنتهي ولايته بعد شهر تقريباً، وقبل سنة ونصف من انتهاء ولاية سماحته أتمنّى أنّه لا يجد قبولاً لدى سماحته، كما أنني أعتقد أنَّ سماحته لن يسمح بأمرٍ كهذا، وعلى وجه الخصوص أنه كان قد وجّه الدعوة للهيئات الناخبة من أجل انتخاب المجلس الشرعي الإسلامي الجديد».

الموقف العالي السقف صدر أيضاً عن أمين الفتوى الشيخ أمين الكردي الذي قال في خطبة الجمعة إنّه «لا مانع عندنا من طرح التمديد لمفتي الجمهورية، لكن شرط أن يُطرح في الأطر القانونية الصحيحة المتعلّقة بالمرسوم رقم 18 الذي ينظم شؤون أهل السنة، لا أن يأتي عبر أعضاء المجلس الحالي في آخر عشرين يوماً من ولايتهم ليطرحوا هذه القضية الحساسة والدقيقة والتي يمكن أن تؤدي إلى اختلاف بين المسلمين وتؤدي إلى إضعاف موقع دار الفتوى» سائلاً هؤلاء: «لقد دامت ولايتكم ثماني سنوات فلماذا لم تنظّموا هذا الأمر إلا في هذا التوقيت…» رافضاً أن يصبح المرسوم 18 لعبة في أيدي اللاعبين.

ولفت إلى أنّ هذا الأمر «قد يكون بدر عن البعض بنية طيبة، وعن البعض الآخر بنية تتعلّق بالمصالح والمداهنة وطلب المقايضات»، رافضاً أن يقوم البعض بتمرير ورقة لا أحد يعلم عنها شيئاً لا من الهيئة الناخبة ولا من بقية أعضاء المجلس ولا من المفتين المنتخبين ولا أمين الفتوى… مستغرباً الحديث عمّن يخلف مفتي الجمهورية، وقد بقي له من ولايته أكثر من عام نصف العام وهو بصحته ويقوم بعمله ودوره.

رفضُ المساس بالمرسوم 18

أمّا عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الشيخ فؤاد زراد المعروف بقربه من الرئيس نجيب ميقاتي فقال: «إن الأخبار الواردة حول تعديل المادة السادسة من المرسوم 18/1955 (سن تقاعد المفتي)، تحتّم عليّ انطلاقاً من شريحة العلماء التي أمثلها في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وبناءً على تفويضها لي بالحفاظ على مصلحة المسلمين العليا في لبنان، أن أعلن رفضي المساس بها، أو حتى تعديلها، وأؤكد الحفاظ على الاستحقاقات في مواعيدها».

قاضي الشرع الشيخ الدكتور محمد النقري قال: «لم يكن المفتون في العهد العثماني يأملون في تمديد السلطان وإبقائهم في مناصبهم، بقدر ما كانوا يخشون الإقالة والعزل وخاصة من الذين لم يقدّموا أي إنجاز في مؤسّستهم «فتوى خانة» أو من المحابين الذين كانوا يستقدمون أنصارهم ويعيّنونهم في أعلى المراكز الدينية… نحن طائفة لا نخشى محاسبة مرجعياتنا السياسية والدينية فإن أحسنوا أحسنا وإن أساؤوا أسأنا… وإن تقاعسوا وأهملوا فلا نمدِّد لهم».

رئيس جمعية الفتوة الشيخ محمد أبو القطع قال: «الخوف من علمنة دار الفتوى، وضع اليد على أوقاف المسلمين حالياً يوجد مونة سياسية غداً ستتحكم الطبقة السياسية مباشرة، ومن خلال رجل مدني بالقرار الديني، والله وحده يعلم خلفيته السياسية…»

إنقلب المزاج السني على فكرة التمديد للمفتي دريان بسبب تدخّل فيصل سنّو الذي اعتبر الكثيرون أنّه انتقل من العبث بالمقاصد إلى محاولة العبث بدار الفتوى، ونتيجة استطلاع رأي أغلبية أعضاء المجلس الشرعي، فإنّ مشروع سنّو قد سقط بالضربة القاضية، بينما يبقى مشروع التمديد قائماً إذا عاد إلى حالة الانتظام العام وجرى طرحه من دون تهريب، لتبقى إشكالية شرعية مجلس يشارف على انتهاء ولايته في منح التمديد لمفتي الجمهورية، وهو ما أصبح مثار النقاش في وقت كتب فيه مقرّبون من المفتي دريان أنّه زاهد في التمديد وأنّه ليس طرفاً في أيّ اصطفاف وأنّه حريصٌ على وحدة صفّ المسلمين.

كان من دلائل موقف السنيورة والمقرّبين من ميقاتي أنّهما على الأقلّ لم يكونا على علم بما دُبِّر بليل وأعطى ذلك مؤشرات عاكست ما حاول أصحاب الريبة إضفاءه عليها من غطاء رؤساء الحكومات أو رضى عربي إتّضح أنّه سراب.

هل كان من الصواب السماح بالتدخّل من خارج دار الفتوى لشخصية استفزّت الرأي العام الإسلامي وتعريض موقع وشخص مفتي الجمهورية لهذا الحرج؟

ما حصل أعاد خلط الأوراق، وفي كلّ الأحوال تبقى للمفتي دريان مكانته الخاصة العابرة للانقسامات والداعية للوحدة، ولا شكّ أنّ خلاصة هذه العاصفة باتت واضحة أمامه وبناءً عليها سيتخذ الموقف الأكثر حكمة وشجاعة وهذا ما قد يكون مفاجأة جلسة السبت.