IMLebanon

المبادرة الفرنسية تترنّح

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:

رغم الإشارة السلبية التي شكّلها خروجُ اجتماعِ مجموعة الخمس حول لبنان في نيويورك من دون أي بيانٍ وما تَكَشّفتْ عنه مضامينُ لقاء الـ 30 دقيقة بين ممثّليها على مستوى ديبلوماسيين كبار وموظّفين من تبايناتٍ بين بعض أطرافها، فإنّ هذا الأمر لم يبلغ حدّ نعي المسار الخارجي الرامي إلى محاولة توفير «بوليصة تأمين» للبنان من«الآتي الأعظم» بحال استمرّ الإمعان في تعطيل الانتخابات الرئاسية فيما البلادُ مازالت في مرمى العاصفة المالية الأعتى وإن خًفَتَ عصْفُها.

ومع تَواتُر المعلومات عن المناخ المحتدم الذي طَبَع اجتماع «الخماسية» ولا سيما على «الجبهة» الأميركية – الفرنسية في ضوء استمرار جان – إيف لودريان المبعوث الشخصي للرئيس إيمانويل ماكرون بالدوران في «حلقةٍ مفرغةٍ» في إطار مَهمته التي أنهى الأسبوعَ الماضي الجولةَ الثالثة منها بلا طائل، فإنّ مَصادر سياسية رأت أن تفاوُت السقوف بين شركاء المجموعة حيال إمكانات وآليات الدفع بالمسار الرئاسي وما عبّر عنه لقاء ممثّليها يوم الثلاثاء من تعرُّض «الخيمة» الخارجية الراعية للواقع اللبناني لـ «ثقوب» لا يُستهان بها، فإن هذا الأمر لا يُسْقِط إمكانَ استمرار الحِراك الخارجي ولو عبر مَسارب «بالمفرّق» مدعومة من دول ثقل (في المجموعة) على قاعدة أن «كل الطرق يتعيّن أن تؤدي إلى انتخاب رئيس».

ومع أنّ المصادر تقرّ بأن وقوفَ أعضاء مجموعة الخمس كـ «رَجُل واحد» في مقاربة الأزمة اللبنانية كان من شأنه أن يشكّل عامل ضغط أكبر، ولا سيما بعدما كان لقاء أعضائها في الدوحة قبل نحو شهرين لوّح بإجراءات بحق المُمْعِنين في عرقلة هذا الاستحقاق، فإنها رأتْ أن دورَ فرنسا كان انتهى واقعياً قبل أن «تزجرَه» في نيويورك ممثلة الولايات المتحدة باربرا ليف التي بدا وكأنّها ضغطتْ على زرّ «انتهى وقت السماح» الذي مُنح لها، وذلك عبر طلبها وضع وقت محدّد لمبادرة لودريان قبل الانتقال إلى خطوات بحق المعطّلين، وتالياً جاء لقاء أول من أمس ليفرّغ أكثر محاولات باريس التي لم تُمْنَ في الملف اللبناني إلا بخسائر أقلّه منذ 2020 ومساعي ماكرون لقيام حكومةِ اختصاصيين «دفنتْها» تعقيدات الوضع في «بلاد الأرز» وتعدُّد اللاعبين الاقليميين والدوليين وافتقار فرنسا لأدوات التأثير.

ورأت المصادر نفسها أنه منذ أن أسقطت المعارضة النسخةَ الأولى من المبادرة الفرنسية حول الرئاسة والتي قامت على مقايضة بين مرشح قوى الممانعة سليمان فرنجية ورئيسِ حكومةٍ قريب مما كان يُعرف بـ 14 مارس (نواف سلام)، بدا أن باريس باتت أسيرة دورٍ لا تحتمل إعلان فشله، ولا سيما بعد الانتكاسات المتلاحقة التي تعرّضت لها في القارة الأفريقية، وهو ما جعل فرنسا «تعضّ على الجِراح» في مسعاها اللبناني وتمْضي بنسخة ثانية ارتكزتْ على استدراج الجميع الى حوارٍ حول الرئاسة من خارج مقررات بيان الدوحة الذي أكد وجوب إجراء الانتخابات وفق الدستور وفي البرلمان، قبل أن يتراجع لودريان ساعياً لتسويق الحوار «تحت قِناع» النقاش، طارحاً نفسه مرّةً بمثابة «موفد» لرئيس البرلمان نبيه بري عبر دعم مبادرة الأخير لحوار الأيام السبعة التمهيدي لجلساتِ انتخابٍ مفتوحة، قبل أن يُعْطي إشاراتٍ حول بدء مرحلة البحث عن «الخيار الثالث».

وإذ يشكّل إصرارُ لودريان على العودة إلى بيروت خلال نحو أسبوعين – حيث يُفترض أن يعاود دعوة الأطراف إلى لقاءٍ يُنتظر ألا يكتمل نصابه بحال اتخذ أياً من أشكال الصورة الجامعة – مؤشراً إلى أن باريس صارتْ في «ورطة» في مَهمتها اللبنانية، فإن المصادر السياسية نفسها ترى أن «التنفيسَ» الأميركي للمهمة الفرنسية لا يُسْقِطُ الرهان على الدور القطري المرتقب الذي يُفترض أنه مدعوم من واشنطن وخليجياً ويبقى نجاحُه مرتبطاً بمدى قدرة الدوحة على رعاية تسويةٍ لا تغيب عنها طهران، صاحبة أقلّه «الفيتو» في الملف الرئاسي ربْطاً بالتوازنات الحالية في البرلمان، وقد يكون دخول واشنطن شبه «الصِدامي» مع فرنسا مؤشراً إلى انتقال المسار الرئاسي إلى مرحلة «الأصيلين (دولياً) وليس الوكلاء».

وفيما أفادت معلومات أن مداخلة المندوب السعودي في لقاء نيويورك أكدت ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية كي تنطلق عمليات المساعدات نحو لبنان، وسط تقارير نقلت عن أوساط ديبلوماسية (صحيفة نداء الوطن) أن دعوة ليف الى «حوار لبناني – لبناني في شأن الانتخابات الرئاسية» ليست تأييداً لحوار بري بل تأكيد على المواقف المبدئية الأميركية التي تحض على أن «يحسم اللبنانيون أمرهم بالعودة الى دستورهم وقوانينهم»، استوقف المصادر السياسية تَعَمُّد أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني التطرق أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة إلى الأزمة الرئاسية في لبنان، قائلاً إن «الخطر أصبح محدقاً بمؤسسات الدولة في لبنان، ونؤكد ضرورة إيجاد حل مستدام للفراغ السياسي في لبنان وإيجاد الآليات لعدم تكراره وتشكيل حكومة قادرة على تلبية تطلعات الشعب اللبناني والنهوض به من أزماته الاقتصادية والتنموية».

واعتُبر موقف أمير قطر بمثابة «جرس إنذار» قوي وتمهيد ضمني من على أعلى مستوى لدور بلاده في الملف اللبناني، من دون أن يُعرف هل سينجح هذا الدور متى بدأ أم سيَعْلَق في شِباك التعقيدات الداخلية والإقليمية ما لم تكن توافرت كل الظروف والتقاطعات الكفيلة تعبيد الطريق أمام انتخاب رئيس، والتي لن يكون ممكناً فصْلها عن مآلات عناوين تتحرّك بقوة في الإقليم وليس أقلّها الملف اليمني.