IMLebanon

جمعية AGBU اقامت ندوة عن المحامي الراحل موسى برنس

اقامت الجمعية الخيرية العمومية الارمنية (AGBU) في مركزها في سن الفيل مساء أمس الأربعاء ندوة عن المحامي والمفكّر والمؤرّخ “الرائد في المطالبة بالاعتراف القانوني” الدولي بوقوع جريمة إبادة الأرمن موسى برنس، في تحية للراحل الذي كان من أبرز المسؤولين في حزب الوطنيين الأحرار ومستشاراً للرئيس كميل شمعون، وتوفيّ سنة 1998 عن 73 عاماً.

وحضر الندوة مطران الأرمن الأرثوذكس شاهي بانوسيان والنائب البطريركي العام لأبرشية بيروت البطريركية للأرمن الكاثوليك المطران كابريال موراديان ورئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب كميل شمعون ورئيس جهاز العلاقات الخارجية في حزب “القوات اللبنانية” الوزير السابق ريشار قيومجيان والمحامي فادي المصري ممثلاً حزب الكتائب اللبنانية، والوزير السابق فريج صابونجيان ورئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم ، والأمين العام لحزب الأحرار فرنسوا زعتر وعدد من مسؤولي الحزب ومن ممثلي الأحزاب الأرمنية، وأبناء الراحل جان نويل ومِرا ونجيب وابن شقيقه روبير برنس، إضافة إلى رئيس الجمعية جيرار تفنكجيان وأعضاء لجنتها الإقليمية.

خان أميريان

والقت عضو المجلس الإقليمي للجمعية في لبنان ميراي خان أميريان كلمة باسم تفنكجيان لاحظت فيها أن برنس “عمل طوال حياته للمساهمة في بناء عالم إنساني وعادل”، واصفة إياه بأنه “رجل مبدأ كان يرفض الرداءة”. واضافت متوجهة إلى الراحل: “شعب بأكمله ممتن لك لأنك رويت قصته بوضوح وموضوعية”. وإذ ذكّرت بتاريخ الجمعية وأهدافها وأبرز أنشطتها، قالت إنها “تسعى إلى تعريف الأجيال الطالعة بأسماء عظيمة من الماضي (…) من خلال تسليط الضوء على شخصيات ساهمت في نهضة لبنان”، ومنها موسى برنس.

مِرا برنس

وقالت كريمة الراحل مِرا برنس إن والدها “حمل شعلة حبه لوطنه وخاض في حياته نضالات نقابية وسياسية وقانونية (…) ولطالما أعطى القضايا الكبيرة أبعادها القانونية والتاريخية والنفسية والأخلاقية ولاسيما قضية شهداء الأرمن في الدولة العثمانية”. واضافت أن “حرصه على الدفاع عن المظلومين والفقراء دفعه الى تأسيس النقابات العمالية، وعلى صعيد الشعوب التي تعرضت للاضطهاد، أصدر كتابا عن الإبادات الجماعية في العالم”.

وأشارت إلى أن “مهنة المحاماة كانت شغفه الكبير”، واصفة إياه بأنه “رجل نقاش (…) تعود قدرته على الإقناع في جزء كبير منها الى موهبته في الخطابة”.

ديديان

وقدّم الأستاذ الفخري بجامعة “بول فاليري مونبلييه 3” جيرالد ديديان في مداخلة مسجّلة عبر الفيديو عرضاً “لحياة موسى برس الحافلة من حيث نشاطه القانوني والتزامه السياسي وكتاباته التي تجاوزت الأدب وكانت بمثابة روحية أوجَدَها”.ولاحظ أنه “كان صاحب إنتاج أدبي غزير ومحامياً ذا سمعة عالمية كان يناضل بالعمل وبالقلم”.

وذكّر ديديان الذي أصدر كتباً عدة عن القضية الأرمنية بأن “برنس كان رائداً من لبنان في مجال المطالبة بالاعتراف القانوني بالإبادة الأرمنية”، مشيراً إلى أن أبرز مؤلفاته “خمسة أجزاء عن جرائم الإبادة، ومن بينها الجزء الثاني بعنوان Un Genocide Impuni: l’Armenocide” عن إفلات جريمة إبادة الأرمن من العقاب.

وإذ وصف برنس بأنه “مناضل شرس شغوف بالعدالة”، تمنى “إعادة نشر هذا الكتاب”، معتبراً أنه “صَرح” مهم، نظراً إلى “الروح التي ينطوي عليها والموهبة الأدبية التي يتميز بها والمعنى التاريخي” الذي يشكّله. ورأى أنه “كتاب نابض عن التضامن اللبناني الأرمني”.

جبر

واعتبر نقيب المحامين السابق نهاد جبر أن برنس “أسهَم في إضاءة شعلة القانون وترك بصمات في عالمها”. وأضاف أن الراحل، “من منطلق رسالة المحاماة في الدفاع عن القضايا الإنسانية”، اهتمّ بالقضية الأرمنية، “مبتكراً سنة 1960 مصطلح armenocide الذي تناوله في كتابه un genocide impuni الذي صدر عام 1967 وترجم إلى لغات عدة و أصبح مرجعا لتلك القضية ومؤرخاً مراحل إنتشار الأرمن في الشرق وعلاقاتهم مع الأتراك والأكراد ، مضيئاً على لعبة الدول الخارجية و الأسباب السياسية التي دفعت إلى تلك المجزرة (…) خالصاً إلى اعتبارها جريمة ضد الإنسانية وتدخل في صلب مهام القانون الدولي واختصاصه”.

واسف جبر لكون “قضية الأرمن عادت اليوم إلى واجهة العالم إنسانياً وجغرافيا وتاريخياً” في ظل لا مبالاةا وسكوت الأمم المتحدة والدول الكبرى عن معالجتها”. وقال: “كم هو شبيه موقفها اليوم من موقفها حيال مجزرة سنة 1915 التي تتكرر بأساليب ودوافع أخرى”. ولاحظ جبر أن “الشعب الأرمني الذي دفع أثماناً عن تلك المجزرة وما قبلها يدفع مرة ثانية ثمن مطامع الدول على حساب الإنسانية وحقوق شعبها في دولته عانى ويعاني تنكيلا وتهجيراً”.

واشار إلى أن برنس كان يرى في المحاماة “رسالة نبتت من رحم القانون ومن الهم الإنساني والوطني ومن الآمال والآلام”.

وإذ ذكّر جبر بأن برنس الذي “تجاوز حدود الوكالة الشخصية إلى آفاق الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والإنسانية”، “نادى سنة 1976 “بالفيديرالية كحل للأزمة اللبنانية”، ووضع كتاباً بعنوان “محاربة التقسيم بالفيدرااية”.

الحلو

كذلك تحدّث نقيب مقاولي الأشغال العامة والبناء اللبنانية عضو المكتب السياسي لحزب الوطنيين الأحرار سابقاً مارون الحلو عن الجانب السياسي في حياة موسى برنس. وقال في هذا الإطار: “ناضلنا معاً عشرات الأعوام في حزب الوطنيين الأحرار بهدف واضح يتمثل في الدفاع عن لبنان ووحدة أراضيه واستقلاله وسيادته الوطنية وحرياتنا”. وذكّر الحلو بأن برنس “كان من السبّاقين في لبنان الذين سعوا إلى “الدفع إلى الاعتراف بالإبادات الجماعية للأرمن”، معتبراً أن ما حداه على ذلك “إحساس عميق بالعدالة إذ كان الدفاع عن الضعفاء والمظلومين من طبيعته”، و”تضامن طبيعي تماماً مع الأقليات المسيحية في الشرق التي عانت من آثار تَحَلُّل الإمبراطورية العثمانية”.

وأبرزَ الحلو أن برنس “كان وراء مشروع دستور الدولة الفيدرالية في لبنان، و تولى صوغه، واقترحه على الرئيس الراحل كميل شمعون، فصادق عليه حزب الأجرار، ووافق عليه (مؤسس حزب الكتائب ورئيسه) الشيخ بيار الجميل، وطُرح في مؤتمر الحوار الوطني في لوزان في آذار 1984، حيث رفضه المشاركون وعلى رأسهم الرئيس سليمان فرنجية”.

وأسف الحلو لكون “معارضي المشروع لم يفهموا، أو لم يرغبوا في أن يفهموا ، ربما بدفع من نظام دمشق، ان هذا المشروع لا يمهّد الطريق أمام تقسيم لبنان، بل يشكّل على العكس أفضل وسيلة لضمان العيش الواحد بتناغم بين مختلف الطوائف الدينية والثقافية في الفسيفساء اللبنانية، إذ يتيح لكل مجموعة ثقافية أن تعيش بالطريقة التي تريدها، من دون أن تسعى إلى فرض قِيَمها على الآخرين، كما هي الحال في لبنان منذ اعتماد دستور الدولة المركزية عام 1926”.

وأشار الحلو إلى أن “مشروع الفيدرالية الذي اقترحه موسى برنس قبل 40 عامًا عاد مجدداً إلى الواجهة وأصبح مفتاح الحل للنظام السياسي اللبناني”. معتبراً أنه “يشكل ضمانة لاستدامة لبنان واستقلاله الحقيقي” ويتيح توحيده “إلى الأبد”، ويسهم في “استقراره وتقدّمه اقتصاديا” واجتماعياً.

الاسمر

أما امين التخطيط والتوجيه في حزب الوطنيين الاحرار المحامي فؤاد الأسمر، فروى تجربته كطالب مع موسى برنس عندما كان أستاذ مادة علم الجريمة في جامعة الحكمة في مطله تسعينان القرن العشرين. ولاحظ أنه “لم يكن يكتفي بإحاطة مادة علم الجريمة بالمعرفة النظرية فحسب، وهو الاستاذ المثقف والباحث النهم ، بل كانت محاضراته غنية وشيقة بتجربته كمحام خبير ومتمرس، فيستعرض الأمثلة عن كبار المجرمين والجرائم ومنها قضية السفاح فيكتور عواد الذي تولى الدفاع عنه في الأربعينات”.

وأوضح ألأسمر الذي يتولى منصباً سبقه موسى برنس عام 1970 أن الراحل “ناهضَ عبثية العدالة الانتقائية العديمة العدالة التي تجتاح العالم وتتكرر يومياً وعلى كل المستويات”.، ومن مظاهرها مثلاً “المحاكمات العسكرية للنازيين (…) وإصدار العقوبات الانتقامية بحق جميع المسؤولين عن الهولوكوست (…) فيما تُرتكَب في المقابل جرائم ضد الانسانية بخطورة هول الابادة الارمنية (…) فلا تنعقد اية محاكمة ولا يعاقب احد بشأنها”. وأَضاف: “ما يجري اليوم من انحياز للآلة الاسرائيلية المجرمة في وجه الضحية الفلسطينية المغتصبة يثبت اننا في زمن اللاعدالة”.

وذكّر بأن موسى برنس “ناهض عدداً من الجرائم ومنها جريمة الشرف وانتقدها لنشهد بعد نحو ربع قرن تعديل قانون العقوبات اللبناني لهذه الجهة وإقرار قانون مكافحة العنف الاسري”. وأشار إلى أن الراحل “انتقد بشدة كذلك واقع السجون التي تحول المسجون مجرماً محترفاً بدلا من إصلاحه، لنشهد عام 2019 اصدار قانون العقوبة البديلة وسواها من تعديلات نادى بها”.

كرم

وذكّر نائب الرئيس الفخري للجمعية الدولية للمحامين الشباب رئيس لجنة العلاقات الدولية في نقابة المحامين في بيروت جو كرم أن “موسى برنس كان أحد مؤسسي هذه الجمعية الممهمة عام 1962 بهدف الدفاع عن العدالة وتجنب إبادات جماعية جديدة”. وأشار إلى أن “حلمه بإقامة المؤتمر السنوي في بيروت تحقق عام 1969” إذ أقيم المؤتمر في قصر الأونيسكو. ولاحظ أن هذه المؤتمر “أظهر قدرات موسى برنس القيادية، فانتخبته الجمعية العمومية عام 1970 رئيساً للجمعية وترأس أول مؤتمر لها في أميركا الشمالية عقد في واشنطن عام 1970”.

فيولين برنس

واستذكرت كريمة الراحل فيولين برنس عن والدها “محبته المطلقة للبشرية بأجمعها وإيمانه بخلاصها وهذا أكبر دليل على قيمه الروحية وخصوصاً المسيحية”، مشيرة في كلمة مسجّلة بالفيديو إلى أن “اندفاعه للدفاع عن أقسى المجرمين لإيمانه بخلاصهم الذي من أجله صُلب المسيح”، ومن هؤلاء فيكتور عواد “أكبر مجرم عرفه لبنان”.

وإذ ذكّرت بأن برنس “كافح الظلم طوال حياته”، أبرزت “اهتمامه بالقضية الأرمنية التي كانت في قلبه أهمّ قضية وهدف نضاله ضد الشر”. واضافت: “لقد اعتبر أنَّ الشعب الأرمني ظُلم مرتين، أولاهما بفعل ما عاناه جرّاء تعرّضه للإبادة لمدة طويلة، وللاضطهاد مدى 30 سنة إلى أن بلغ ذروته في نيسان عام 1915، والثانية بفعل سكوت الدول والحكّام والضمائر عن الجريمة الكبرى في حقه”. وأشارت إلى أن هذا الظلم المزدوج “لم يَهِن على موسى برنس، فناضل وكافح ليكسر صوته الصمت وتنتشر الحقيقة”. وأكّدت أن “محبة موسى برنس للعدل تساوي محبته للبشرية، وإيمانه بخلاص الأفراد بياوي إيمانه بانتصار العدل على الظلم”.

وخلصت إلى أن موسى برنس لمَسَ في حياته الشخصية “قِيَم الشعب الأرمني، فكيف لا يلعلع صوته دفاعاًعن هذا الشعب وتصريحاً بالحقيقة سعياً إلى انتشارها في العالم كله”.

نجيب برنس

أما نجيب برنس فاعتبر في ختام الندوة أن والده “جسّد الحق والعدالة”، مشيراً إلى أنه كان “محامياً جزائياً متمرّساً (…) وكاتباً يبحث دوماً عن الإتقان في الكلمة والمعنى”، وشكّل “نموذجاً للعدالة الاجتماعية”.

وتحدّث عنه كوالد، وعن شخصيته وشغفه بالمحاماة والتدريس، وحرصه على “التأمل والصلاة”، وميله إلى الفلسفة والحكمة، و”تعطشه للمعرفة وحبه للحياة”.