IMLebanon

الجهود الدبلوماسية مستمرة لمحاولة تجنيب لبنان الحرب

كتبت كارولين عاكوم في صحيفة الشرق الأوسط:

منذ بدء الحرب بين إسرائيل وقطاع غزة، التي انعكست توتراً في جنوب لبنان، لم تهدأ الحركة الدبلوماسية في بيروت، حيث تتوالى زيارات مسؤولين ووزراء من دول عربية وأجنبية وتتصدر المباحثات الوضع الأمني وضرورة المحافظة على الاستقرار عند الحدود وعدم اندلاع حرب مع إسرائيل. ويأتي ذلك في وقت يسجَّل فيه توترٌ دائم عند الجبهة الجنوبية نتيجة القصف المتبادَل بين «حزب الله» وإسرائيل، فيما يرى فيه البعض «حرب رسائل»، إذ وإن كانت المواجهات لا تزال ضمن «قواعد الاشتباك» فإن الخوف من اشتعال المعركة يبقى سيد الموقف في لبنان، وهو ما يفسّر التحذيرات المتتالية التي أطلقتها السفارات في بيروت لرعاياها داعيةً إياهم إلى المغادرة.

وتكاد تُجمع المواقف التي أطلقها المسؤولون الغربيون والمعنيون على أهمية المحافظة على الاستقرار على الجبهة الجنوبية، في حين كان واضحاً وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، السبت، حين أعلن أن تحديد ساعة الصفر بيد «حزب الله» في لبنان، وقال: «المقاومة وضعت أمامها كل السيناريوهات المحتملة في باقي الجبهات، وتحديد ساعة الصفر في حال استمرار الجرائم، هو بيد المقاومة».

هذا الموقف «التصعيدي» من الوزير الإيراني أتى مع تهديدات يومية من «حزب الله» الذي أكد نائب أمينه العام نعيم قاسم، أن الحزب «في قلب معركة الدفاع عن غزة ويده على الزناد»، فيما تقابل ذلك مواقف تحذيرية من مسؤولين في دول كبرى. إذ في حين حذّر وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، في اتصال هاتفي مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، من أن الشعب اللبناني سيتأثر إذا دخلت بلاده إلى الصراع وسط ازدياد المخاوف الدولية من احتمال اتساع الصراع إلى حرب إقليمية، قالت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا: «نرفض تهديدات البعض بجرّ لبنان إلى حرب جديدة»…

بدورها دعت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، السلطات اللبنانية إلى بذل ما في وسعها لتفادي الحرب مع إسرائيل، مؤكدةً العمل لعدم السماح لأي جماعة بالاستفادة من الوضع.

وفي حين دعت وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك، بعد لقائها ميقاتي، إلى تلافي الحسابات الخاطئة وإبقاء لبنان بمنأى عن الصراع، شدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، على ضرورة اتخاذ التدابير لمنع توسّع الاشتباكات، مؤكداً: «نحن مع لبنان في ضرورة حفظ الاستقرار في البلاد».

ويأتي كل ذلك بموازاة الاجتماعات التي يقوم بها كل من ميقاتي، ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، في بيروت، حيث يجري التشديد على ضرورة المساعدة والضغط على إسرائيل لوقف الاستفزازات، فيما جدد ميقاتي تأكيد احترام لبنان جميع قرارات الشرعيّة الدوليّة والالتزام بتطبيق القرار 1701.

هذا الواقع الداخلي، إضافةً إلى الحراك الدبلوماسي الذي يأخذ حيزاً أساسياً من اللقاءات والاتصالات، يلفت إليه مصدر وزاري بتأكيد استمرار الجهود لمنع اندلاع الحرب في لبنان، مع إقراره بأن هذا الأمر ليس مضموناً، وهو يرتبط بشكل أساسي بالمستجدات في غزة وتحديداً إذا نفذت إسرائيل الهجوم البري. ويقول المصدر لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف لبنان ليس أولوية بالنسبة إلى المجتمع الدولي والغربي، بل نحن نحاول قدر الإمكان أن نجعله كذلك، وهو ما نقوم به خلال اللقاءات والزيارات مع المسؤولين الغربيين»، مشيراً في الوقت عينه إلى «أن المواجهات على الحدود تبقى حتى الآن ضمن قواعد الاشتباك». ويضيف: «زيارات المسؤولين الغربيين هي لتبادل الهواجس والآراء وتأكيد أهمية المحافظة على الهدوء والاستقرار… ودعوة الجميع هي لإبعاد لبنان عن الحرب، وعدم التصعيد الإسرائيلي، لا سيما أن لبنان غير قادر على تحمل تداعيات الحرب». وعمّا يمكن استخلاصه من هذا الحراك الدبلوماسي الذي يحصل، يكتفي المصدر بالقول: «ليس هناك من خلاصة… نعيش كل يوم بيومه، وكله يتوقف على ما سيكون عليه الوضع في غزة، وإذا حصل الدخول البري عندها تصبح الأمور مرهونة بالساعات وليس الأيام».

في المقابل، يرى مدير «معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية»، الدكتور سامي نادر، والمحلل السياسي المقرب من «حزب الله» قاسم قصير، أن الموفدين الغربيين يحملون رسائل إلى «حزب الله» عبر المسؤولين اللبنانيين. ويقول قصير لـ«الشرق الأوسط»: «الحراك الدبلوماسي يهدف إلى تحييد لبنان عن الصراع خصوصاً أن هناك مخاوف كبيرة من تطور الصراع في الجبهة الجنوبية»، مشيراً إلى أن هؤلاء المسؤولين يحاولون عبر لقاءاتهم معرفة ماذا سيفعل الحزب، وإرسال رسائل إليه عبر الحكومة للضغط عليه لعدم التدخل وتصعيد المواجهة».

لكن نادر من جهته يرى أن للحراك الدبلوماسي في بيروت أهدافاً عدة، إذ إن الحرب، إن وقعت، لا تقتصر تداعياتها على لبنان بل على المنطقة كلها وعلى أوروبا بشكل أساسي خصوصاً في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «المسؤولون الغربيون يحملون رسائل غير مباشرة لـ(حزب الله) عبر رئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وأهمها أنه: في هذه المرة لن يقف الغرب إلى جانبكم، والعواقب ستكون وخيمة… إضافةً إلى أنهم يعملون على خطّين: خط ردع محاولة التوسيع، وخط تخفيف التصعيد مع الإسرائيليين وغير الإسرائيليين كي لا تندلع الحرب الإقليمية ويتعمق الشرخ مع العالم الإسلامي، والأهم تغيير المعادلة الدولية لمصلحة الصين وروسيا».

ويوضح: «الغرب يريد منع أو الحؤول دون توسع المعركة وتحولها إلى حرب إقليمية ويبذل جهوداً لتخفيف التصعيد، لأن ذلك قد يوسّع ساحة المعركة لتصبح حرباً إقليمية علماً بأنه ليس للغرب أي مصلحة في فتح جبهة موازية للجبهة الأوكرانية، ما من شأنه أن يُشتِّت جهوده وتصبح فرص فوزه بالحرب على المحك». أما السبب الثاني بالنسبة إلى الأوروبيين فهو، حسب نادر، أن توسيع الجبهة وتطور الأمور كما هي سائرة وبالتالي تعميق الصراع العربي – الإسرائيلي سيؤدي إلى مشكلة أكبر مع العالم الإسلامي وبالتالي سيكون لهذا الأمر ارتدادات كبيرة على الداخل الأوروبي على غرار الذئاب المنفردة وغيرها من الظواهر التي تتغذى من الجراح غير الملتئمة، وهذا كله يتعلّق بالأمن القومي الأوروبي.

وفي حين يتوقف نادر عند سعي الغرب لعدم استفادة خصومهم الاستراتيجيين، خصوصاً الصين وروسيا، يلفت إلى أن هذه الحرب من شأنها أن تُعمِّق الهوّة التي بدأت تتسع مع العالم الثالث الذي يأخذ عليهم أنهم يتعاملون بمكيالين، إذ يأخذ عليهم كيف أنهم يريدون ردّ العدوان الروسي على المدنيين في أوكرانيا ورفض انتهاك السيادة الأوكرانية، وهم يقومون بعكس ذلك في تعاملهم مع العدوان الإسرائيلي على غزة.