IMLebanon

حرب غزة تُعيد “الممانعة” إلى الحضن العربي

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

تسيطر مشهديّة الإبادة الجماعيّة في حق الفلسطينيين المحاصرين بحكم الواقع السياسي والجغرافي في قطاع غزة بدخول الحرب أسبوعها الرابع. ووسط عجز العالم عن لجم آلة التدمير الإسرائيليّة، كما سقوط مفاهيم العدالة الإنسانيّة، يسخّر بعض القوى الإقليميّة والدوليّة دماء الفلسطينيين لإعادة استنهاض مشاريعه السياسيّة، واستمالة الرأي العام المحلي والعالمي للتصدي لاستسهال مشاريع التطبيع بين الدول العربيّة وإسرائيل؛ بما يعطي محور الصين روسيا تركيا، وإيران بشكل أدق عبر أذرعها العسكريّة، القدرة على التحكم ولو جزئياً بإعادة ترسيم الحدود السياسيّة الجغرافية في الشرق الأوسط، وإن كان الثمن دماء الأطفال والأبرياء في فلسطين.

وفي هذا السياق، توقف أستاذ العلاقات الدوليّة في الجامعة اللبنانية – الأميركية البروفسور عماد سلامة عند المشهدية في غزة، معتبراً أنّ المجازر التي تقوم بها آلة التدمير الإسرائيلية أمام أعين الجميع والتي يسقط ضحيتها الأبرياء والمدنيون تحظى بغطاء ودعم دوليين من دون أية روادع، ما يدفع إلى التساؤل عن المقاييس التي يعتمدها المجتمع الدولي لتحقيق العدالة، التي تأتي دائماً لمصلحة إسرائيل وعلى حساب الفلسطينيين.

ورأى أنّ النتائج الأوليّة لعملية «طوفان الأقصى» وإعلان إسرائيل الحرب على «حماس»، أدّت إلى:

1 – عرقلة موضوع التطبيع بعدما شكّل هاجساً كبيراً للصين وروسيا على المستوى العالمي، وإيران وتركيا على الصعيد الإقليمي، وصولاً إلى تجيير الرأي العام الدولي والعالمي، وخاصة العربي السنّي المسلم ضدّ التطبيع مع إسرائيل. وذلك بعد أن كان من شأن هذا المسار أن يعطي السعودية ثقلاً وارتباطاً أكبر بالمحور الغربي، ويشكل نوعاً من الخطورة على موقع تركيا العالمي والإستراتيجي.

2 – إعادة الشيعة إلى الحاضنة العربيّة – السنيّة، بعد أن أصبح «حزب الله» جزءاً من المعركة السنيّة التي تقودها «حماس» وفي الخندق ذاته. وهذا ما دفع بعض العرب إلى التغاضي عن سلوك «حزب الله» وإيران في سوريا، بعد أن شهدت العلاقة في ما بينهم توتراً ضخماً وانقساماً شديداً نتيجة دعم إيران للنظام السوري في معركته ضدّ بعض المكونات السورية؛ والتي كان من نتائجها تهجير ونزوح الملايين من السوريين، وتحديداً السنّة.

3 – ارتفاع صوت التطرّف؛ خاصةً التطرّف اليهودي الذي يسعى جاهداً لأن تكون لديه حجّة ما تخوّله استكمال مخططه لإطاحة الفلسطينيين، أو تهجيرهم أو وضعهم في خانة الفقر… واستعادة مشهدية «النكبة» عام 1948، وتكرارها راهناً عام 2023 بأساليب أكثر تصلباً وأمام أعين العالم، والتي تصبّ في خدمة مفهوم الصهيونيّة المتطرفة، وتمكنها من الحصول على تأييد جامع لم تكن تحوزه، أكان من قبل الولايات المتحدة الأميركيّة أو من الدول الأوروبيّة.

ووسط تأكيد سلامة على إستفادة أطراف عدّة من المشهدية المأسوية في غزة، شدّد على أنّ الخسائر التي يتكبدها المدنيون الذين لا ذنب لهم في هذه المعركة ولم يكونوا شركاء أو على بيّنة من قرار دخول المعركة العسكريّة، تبعد الأنظار والإهتمام عن الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، وتساهم في استمالة الرأي العام العربي بما يخدم إيران وتركيا، كما تعيد تعويم المتطرفين، ومن بينهم اليهود.

واشار إلى أنّ العديد من الدول الكبرى تراهن على إطالة أمد الحرب، وإلى أنّ إيران وبكونها الطرف الأقوى والمتحكم بالفصائل المسلحة، ستكون المستفيد الأول من أي حلّ سياسي مرتقب، قبل أن يتوقف عند صعوبة الحلّ الشامل على أساس الدولتين في ظلّ تشنّج الظروف الإقليميّة. ولفت إلى إمكانية الوصول إلى حلول جزئيّة وقصيرة على غرار هدنة إنسانيّة وحصر ساحة المعارك العسكرية داخل قطاع غزة، مقابل تنازلات يقدمها الغرب لإيران تحول دون إشعال «حزب الله» الجبهة الشماليّة لإسرائيل.

في الغضون، تتخطى الحرب على غزة حسابات القوى الإقليمية والمحليّة، لتطال الداخل الأميركي بعد أن أصبحت الولايات المتحدة الأميركية عبر أساطيلها الحربية جزءاً أساسياً من المعركة إلى جانب إسرائيل.

وفي هذا السياق، اعتبر سلامة أنّه رغم أهميّة الرأي العام الغربي، إلّا أنّ حيّز تأثيره يبقى ضيقاً في سياسة الدول الكبرى التي تحدّدها حصراً، مصالحها الإستراتيجيّة والإقتصاديّة الكبرى. وعلى مشارف الدخول في سنة الإنتخابات الرئاسيّة في الولايات المتحدة، لفت إلى أنّ انعدام الاستقرار السياسي في الداخل الأميركي، كما لدى الدول الحليفة من شأنه أن يدفع الأميركيين إلى مزيد من التطرّف والتصويت للحزب الجمهوري وإيصال قيادات تعتمد على الحلول الجذريّة العسكريّة أكثر من إعتماد الحلول السياسيّة والديبلوماسيّة.