IMLebanon

بعد استهداف المدنيين… هل يُصعّد “الحزب”؟

كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الأوسط”:

شهدت المناطق الحدودية في جنوب لبنان، الاثنين، تراجعاً في حدة القصف خلال النهار قبل أن يعود التصعيد مساء، في حين يسود التوتر على جانبي الحدود، مع تسجيل مزيد من أعداد النازحين من القرى الجنوبية ودعوة الجيش الإسرائيلي الذين تبقوا من سكان مستعمرة كريات شمونة إلى مغادرتها فوراً.

وسجّل مساء تطوّر أمني تمثّل بإطلاق جنود إسرائيليين النار باتجاه محيط مراكز الجيش اللبناني في الناقورة، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام لبنانية، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى ما ستكون عليه ردّة فعل «حزب الله» الذي أعلن مسؤولوه أن استهداف المدنيين تطوّر خطير، بعد مقتل جدة وحفيداتها الثلاث وإصابة والدتهن في استهداف لسيارتهم في جنوب لبنان. مع العلم بأن أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله كان قد أكد أن «مسار الأمور في غزة وسلوك العدو تجاه لبنان سيتحكمان بجبهتنا، وكل الاحتمالات مفتوحة».

وبعدما كان الحزب أعلن، مساء الأحد، أنه ردّ عبر إطلاق صواريخ غراد (كاتيوشا) مستهدفاً ‏مستعمرة كريات ‏شمونة وأكد أن «المقاومة الإسلامية لن تتسامح أبداً بالمسّ والاعتداء على المدنيين وسيكون ردّها ‏حازماً ‏وقوياً»، سجّل مساء الاثنين إطلاق المزيد من الصواريخ، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي إطلاق نحو 30 صاروخاً باتجاه إسرائيل من لبنان، فيما أعلنت «كتائب القسام» في لبنان (الجناح العسكري لحركة «حماس») عن إطلاقها 16 صاروخاً باتجاه نهاريا وجنوب حيفا في إسرائيل، وهو ما أدى لتجدد القصف الإسرائيلي على أطراف بلدات بليدا وميس الجبل ومحيبيب وجبل بلاط وأطراف بلدة مروحين بالقذائف المدفعية.

وأعلن «حزب الله» في بيانين منفصلين أن مقاتليه استهدفوا عند الساعة الرابعة والنصف «‏التجهيزات الفنية في موقع الراهب بالأسلحة المناسبة وتم تدميرها»، إضافة إلى «موقعي المالكية وجل الدير بالأسلحة الصاروخية، وحققوا فيها إصابات مباشرة».

وكانت المناطق الحدودية في جنوب لبنان عاشت هدوءاً حذراً خلال ساعات النهار، بعدما قصف الجيش الإسرائيلي منتصف الليل محيط بلدات الناقورة وعلما الشعب وعيتا الشعب، وأطلق القنابل المضيئة طوال الليل وحتى الفجر.

وظهراً، سجّل تحليق للطيران الاستطلاعي الإسرائيلي صباحاً فوق قرى القطاعين الغربي والأوسط حتى صور وفوق مجرى نهر الليطاني وتعرض محيط بلدتي الناقورة واللبونة لقصف إسرائيلي مباشر، بحسب «الوكالة الوطنية للإعلام»، مشيرة إلى أن حركة النزوح من هذه البلدات تزداد يوماً بعد يوم وتلقي بكاهلها على البلديات والقطاع الخاص وسط غياب رسمي.

وعلّق الناطق الرسمي باسم «اليونيفيل» أندريا تيننتي على هذه الحادثة، قائلاً: «شهدت اليونيفيل بالأمس إطلاق نار كثيفاً عبر الخط الأزرق… لقد سمعنا تقارير مأساوية عن مقتل أربعة مدنيين، 3 فتيات وامرأة، في محيط عيترون في جنوب لبنان. إن احتمال خروج التصعيد عن نطاق السيطرة واضح، ويجب إيقافه. كما أن موت أي مدني هو مأساة، ولا أحد يريد أن يرى المزيد من الناس يجرحون أو يقتلون». وذكّر تيننتي «جميع الأطراف المعنية بأن الهجمات ضد المدنيين تشكل انتهاكاً للقانون الدولي وقد ترقى إلى مستوى جرائم حرب. ونحض الجميع على وقف إطلاق النار الآن، لمنع تعرّض المزيد من الناس للأذى».

ويقول المحلل السياسي المقرب من «حزب الله» قاسم قصير، لـ«الشرق الأوسط»، إن «(حزب الله) يواصل التصعيد والرد قد يتوسّع في الأيام المقبلة»، مضيفاً: «لكن هذا التوسع حتى الآن مرتبط بحدود معينة إلا إذا تطلّبت المستجدات أكثر من ذلك، وفقاً لما يجري في غزة».

من جهته، يستبعد مدير معهد «الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر أن يبادر «حزب الله» إلى التصعيد لأسباب مرتبطة بوضع إيران «القوي» في هذه المرحلة، على عكس إسرائيل التي قد تستفيد من الوضع القائم في المنطقة.

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعتقد أن (حزب الله) سيبادر إلى التصعيد، رغم أنه حاول أن يضع معادلة مدني مقابل مدني، ولكن سيبقى يحاول ضبط إيقاع هذه المواجهة بشكل يحمي صورته أمام العرب، ويعطيه المبرر لمحاولة انتزاع قيادة القضية الفلسطينية في هذه المرحلة، بحيث يبقى يسير على خط التوتر العالي محاولاً ضبط إيقاع الحرب، لكن قد يسعى الإسرائيلي إلى توسيعها، وإذا أخذ القرار عندها لن يكون الحزب قادراً على عدم الدخول في المواجهة».

ويوضح نادر أن «ليس لدى إيران اليوم المصلحة باتساع رقعة الحرب، بل هي تريد إنهاءها، لأن اللحظة اليوم مؤاتية لصالحها وفق موازين القوى، مع تسجيل نقاط لحسابها، خاصة على المستوى الدبلوماسي والرأي العام العربي عبر مساندتها قضية العرب الأولى»، ويضيف: «لكن في المقابل، قد تسعى إسرائيل إلى توسيع الجبهة وتحويل المعركة ضد إيران وليس ضد حركة (حماس) ما يؤثر على الرأي العام العربي الغاضب ضدها جراء المجازر التي ترتكبها بحق الفلسطينيين»، مذكراً بـ«المشكلة العالقة والمرتبطة بالاتفاق النووي، حيث كان أحد الخيارات المطروحة هو اللجوء إلى الخيار العسكري».

ويشير نادر في الوقت عينه «إلى أن إسرائيل، قبل حرب غزة، كانت تتحضر لمواجهة مع (حزب الله)، وكانت مطمئنة من جهة حركة (حماس)، لذلك رأينا أنه طرح توجيه ضربة عسكرية استباقية ضد (حزب الله) منذ اليوم الأول للحرب وأوقفها الرئيس الأميركي».

وكانت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» قالت إن مدينة كريات شمونة الإسرائيلية تحث من تبقى من سكانها على المغادرة فوراً بسبب استمرار استهدافها بصواريخ من لبنان، ونقلت عن بيان من بلدية المدينة القول: «بسبب الوضع الأمني المتصاعد وزيادة وابل القصف على كريات شمونة، ندعو جميع من بقوا في المدينة إلى مغادرتها على الفور»، وتوجهت للسكان بالقول: «اتركوا المدينة وأنقذوا الأرواح».

وأشارت الصحيفة إلى أن الغالبية العظمى من سكان المدينة البالغ عددهم نحو 20 ألف نسمة غادروا بالفعل في غمرة هجمات شنها «حزب الله» وجماعات أخرى. لكن موقع «يديعوت أحرونوت» يقول إن التقديرات تشير إلى أن حوالي 3000 شخص سيبقون هناك.