IMLebanon

حرب طويلة ستغيّر الشرق الأوسط؟

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: 

ثمّة أسئلة خطرة بدأ المحللون يطرحونها حول المسار الذي ستسلكه الأحداث في غزة، وأبرزها: هل مطلوب من نار غزة إنضاج مخططات نائمة، على مستوى الشرق الأوسط ككل؟

يلفت بعض الخبراء إلى الحجم الهائل للترسانة التي دفعت بها الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط. ويرى بعضهم أنّ إسرائيل لا تحتاج في حربها في غزة إلى هذه الترسانة التي يمكن استخدامها في الحروب بين الدول الكبرى لا في المواجهة الجارية اليوم مع تنظيم مسلح، كـ«حماس»، يقاتل في مساحة كثيفة السكان لا تتجاوز الـ320 كيلومتراً مربعاً.

لذلك، لا يتوقع أي من هؤلاء الخبراء أن تخوض حاملات الطائرات الأكبر في العالم، المنتشرة قبالة شواطئ المتوسط، مواجهة عسكرية مع «حماس» في غزة، أو مع «حزب الله» في لبنان.

هذه الترسانة الضخمة يمكن رؤيتها كعراضة عسكرية تُراد منها ممارسة الضغط لدفع الأمور في اتجاه معين أو لمنعها من الذهاب إلى اتجاه آخر. وغالباً ما تُستخدم عراضات القوة لا لتنفيذ الضربات، بل للتأثير سياسياً ونفسياً. فـ«وهجُ السلاح» يؤدي المهمّة المطلوبة، من دون الحاجة إلى استخدامه.

وهذا ما يستدعي طرح السؤال: إلى أين يريد الأميركيون أخذ الوضع في الشرق الأوسط، في الفصل الثاني من الحرب الدائرة اليوم في غزة، أي في مرحلة الاستنزاف المرجَّحة، والتي يُعتقد أنها ستكون طويلة الأمد. وخلالها لن تتمكن الضفة الغربية من الحفاظ على هدوئها النسبي، ولا حتى مناطق 1948، ولا الجنوب اللبناني ولا الكثير من بقع الشرق الأوسط.

في قراءة بعض المحللين أنّ حرب الاستنزاف ستفرض معطيات جديدة على الأرض في قطاع غزة. فهي ستؤدي إلى إفراغه من أهله، تحت ضغط المجازر التي لن توقفها إسرائيل عمداً، بذريعة أنّ «حماس» ما زالت تقاتل. وترغب إسرائيل في إجبار مصر على تَجرّع الكأس التي لا تريدها، فتقوم في لحظة معينة بفتح معبر رفح، وتسمح بدخول قسم كبير من سكان غزة، الذين يُقدّرون بمليونين وربع المليون نسمة، إلى سيناء وربما إلى الداخل المصري أيضاً.

لن ينفذ الإسرائيليون عمليتهم البرية لئلّا يتكبدوا الخسائر، وسيستعيضون عنها بعمليات تدمير مبرمجة للأحياء السكنية والمستشفيات وسائر المرافق، في ظل حصار خانق، بحيث يصبح القطاع أرضاً محروقة لا مكان فيها صالحاً للعيش.

وإذا استغرقت هذه العملية أشهراً أو عاماً أو أكثر، فستنعكس توتراً شديداً ومتعدد الوجوه في كامل منطقة الشرق الأوسط، لا في لبنان وسوريا والعراق واليمن فحسب، بل أيضاً في الضفة الغربية والأردن ومصر. وفي الأساس، غالبية هذه الكيانات تعاني وضعيات غير مستقرة سياسياً وديموغرافياً وأمنياً. وسيكون عامل اللاجئين أساسياً في اللعبة، بدءاً من اللاجئين الغَزيّين. وستَنشأ مخاوف حقيقية على مصير العديد من هذه الكيانات المضطربة، وقد يتعرّض بعضها لتشققات تهدده من الداخل.

وللتذكير، إنّ الحروب الداخلية أنهَكت سوريا والعراق واليمن. والدول الثلاث باتت تتوزّعها مناطق النفوذ، فيما لبنان مصاب بالاهتراء الشامل. وسيكون صعباً تقدير الانعكاسات التي سيتركها انفجار الوضع، سواء في غزة أو في الضفة الغربية، على دولتين مجاورتين هما الأردن القلِق من تهجير فلسطينيي الضفة الغربية وتنفيذ الفكرة الإسرائيلية القديمة، القاضية بجَعله «وطناً بديلاً للفلسطينيين»، ومصر القلقة من مشروع الترانسفير من غزة إلى سيناء.

إذاً، هواجس التغيير في الكيانات تستفيق في شكل تصاعدي. وحرب الاستنزاف في غزة قد تجعلها أمراً واقعاً.

ويعود البعض بالذاكرة إلى الفترة التي كان فيها الرئيس جو بايدن نائباً للرئيس باراك أوباما، حين عمل على تسويق حل سياسي للعراق، كان قد طرحه في العام 2006 عندما كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ويقوم على إقامة نظام فدرالي. ولذلك، تفاءلَ الأكراد عند وصوله إلى البيت الأبيض. والنموذج الفدرالي، كما رآه بايدن، قابل للتعميم، وهو صالح لتحقيق الاستقرار السياسي في الكيانات المعقدة في الشرق الأوسط.

ويُرجّح خبراء أن إسرائيل ستجد في هذا المناخ فرصة لتسويق مشروعها في غزة، والقاضي بخلق كيان فلسطيني يتمتع باستقلال ذاتي، يمتد بين القطاع وبقعة من سيناء، تكون له مقومات العيش اقتصادياً وإدارياً، ولكن لا جيش له. وهذا الكيان ستمسك «حماس» بزمامه، فيما تبقى «فتح» هي الأقوى في الضفة، علماً أن طرح الفدرالية الفلسطينية – الأردنية، بين الضفتين الغربية والشرقية، ما زال يستفيق بين الحين والآخر في مطابخ إسرائيل ومراكز القرار.

إذاً، حرب غزة أمام احتمالين:

الأول هو أن ينجح وقف النار ويتم التوصّل سريعاً إلى تسوية سياسية تُنهي الحرب. وهذا الاحتمال ضعيف جداً.

الثاني هو أن تتحوَّل الحرب إلى استنزاف طويل الأمد، مع ما يقود إليه ذلك من نتائج على منطقة الشرق الأوسط. وهذا هو الأرجح.

ووفقاً لهذا الاحتمال، يمكن أن تكون غزة مفتاح الشرق الأوسط الذي يطمح الأميركيون إلى تركيبه، وإبعاد أصابع روسيا والصين عنه.