IMLebanon

ما قبل مسلسل “قمم الرياض” وما بعدها: ما الذي يمكن ان يتغير !؟

كتب طوني جبران في “المركزية”: 

بعد أقل من 24 ساعة على صدور مقررات القمتين العربية والإسلامية الإستثنائيتين لم تجد المراجع الديبلوماسية بعد القدرة على قراءة التحولات التي يمكن ان تقودان إليها. فالقرارات التي صدرت شكلت عناوين لمرحلة مقبلة ربطت فيها النتائج بمجموعة من الإجراءات التي لم تحدد بعد الآليات التنفيذية التي يمكن اللجوء إليها لترجمتها.

وعليه، قالت مصادر ديبلوماسية وعسكرية في تقويمها لمقررات القمة لـ “المركزية” ان الحاجة ماسة لمعرفة المراحل اللاحقة التي ستترجم فيها سلسلة القرارات التي اتخذت بالعشرات على اكثر من مستوى سياسي وديبلوماسي وعسكري وانساني، طالما انها لم تقترح اي موعد لتطبيق اي منها والخطوات الواجب اعتمادها، ولا سيما ان نصفها تقريبا استنسخ من قمم سابقة ولم تر النور حتى اليوم.

واضافت، لا يكفي الحديث ان 57 ملكا وأميرا ورئيس دولة وحكومة التقوا في قمتي الرياض وقرروا الدعوة الى وقف العدوان و”كبح جماح سلطة الاحتلال الاستعماري التي تنتهك القانون الدولي” لتوقف اسرائيل عملياتها العسكرية في القطاع وهي التي واكبت القمم الثلاث التي عقدت في الرياض بالمزيد من العمليات العسكرية المستفزة التي استهدفت القطاع الطبي الى جانب استمرار غاراتها التدميرية في باقي اجزاء القطاع.

وأدان البيان الختامي للقمة العربية – الإسلامية “العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال الاستعماري”، فإن إسرائيل ومعها مؤيديها ما زالوا يتطلعون الى ان ما يجري يحتسب تحت خانة رد الفعل على عملية “طوفان الاقصى في السابع من تشرين الأول الماضي. وما رفض القمتين “توصيف” هذه “الحرب الانتقامية دفاعا عن النفس أو تبريرها تحت أي ذريعة”.سوى اعترافا بهذا الموقف الدولي المستهدف.

وإن طالبت القمتان “جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر الى سلطات الاحتلال التي يستخدمها جيشها والمستوطنون الارهابيون في قتل الشعب الفلسطيني”، فإن ذلك لم يوقف الجسور الجوية بعدما أعلنت اسرائيل قبيل اولى القمم الثلاث يوم الجمعة الماضي عن وصول آلاف الاطنان من الذخائر الى ميناء أشدود وان برامج التسلح مستمرة بوتيرة تشهد عليها المطارات العسكرية والموانئ الاسرائيلية.

وإن أكدت القمة على ضرورة “تحرك المجتمع الدولي فوريا لإطلاق عملية سلمية جادة وحقيقية لتحقيق السلام على أساس حل الدولتين الذي يلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني” فقد تعطلت أعمال مجلس الأمن الدولي بفعل الفيتوات المتبادلة وحالت الدعوات المتواصلة دون اتخاذ اي قرار بوقف النار ” حتى إن “الهدن المؤقتة” باتت “فرصة مكررة” يوميا لتفريغ شمال القطاع ما امكن من المدنيين باتجاه الجنوب .

وإن دعت القمة إلى “كسر الحصار وفرض إدخال المساعدات إلى قطاع غزة الذي يشهد حربا إسرائيلية غير مسبوقة” فان مواقف الموفد الاميركي المكلف بشؤون الإغاثة للشعب الفلسطيني السفير ديفيد هيل قد سبق الجميع في إحصاء حاجات الفلسطينيين بجداول تتحدث عن حاجاتهم الطبية والغذائية والادوية والمحروقات ولم ينجح في اقناع اسرائيل بفتح معبر رفح او اي معبر آخر قد يكون أقرب إلى شمال القطاع لايصالها الى المستحقين.

وإن شدد البيان على ” ضرورة دعم جهود مصر لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري ومستدام وكاف، ودعم كل ما تتخذه مصر من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة”، فان مصر اكتفت حتى الأمس القريب بتكديس المساعدات على تخوم القطاع وسط “التقنين القاسي” بادخالها وان دخلت فهل يمكن ان تصل الى حيث يجب الى المستشفيات والمراكز الطبية التي توقفت عن العمل واستهداف ما بقي منها بطريقة مباشرة واجرامية.

وإن أدانت القمة “قتل المدنيين واستهدافهم” واعتبار ذلك “موقفا مبدئيا منطلقا من قيمنا الإنسانية ومنسجما مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني” فإن هذا الموقف تلاقى مع تحذيرات الرئيس الاميركي جو بايدن الذي دعا إسرائيل إلى “التصنيف بين الارهابيين والمدنيين” والذي لم يلق اي رد فعل ايجابي لدى الاسرائيليين. وان “التأكيد على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي خطوات فورية وسريعة لوقف قتل المدنيين الفلسطينيين واستهدافهم” يعزز هذه القناعة. وفي حديث القمة عن رفضها وجود اي “فرق على الإطلاق بين حياة وحياة، أو تمييز على أساس الجنسية أو العرق أو الدين رد مباشر على العقلية الاسرائيلية التي تمادت في تطبيقها منذ إنشائها مع تنويهها الدائم والثابت بالعرق الذي اكتسبته “الدولة اليهودية”.

وفي قرارات القمة دعوة الى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية من أجل “بدء تحقيق فوري في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية” وهي خطوة “سوريالية” عمليا في ظل سقوط مسلسل الدعوات لمحاسبة اسرائيل في ملفات عدة سواء تلك التي تتعلق بالقدس والاستيطان وغيرها من الارتكابات المشينة المتمادية. وجاء في “تكليف الأمانتين العامتين في المنظمة الإسلامية والجامعة العربية متابعة تنفيذ ذلك، وإنشاء وحدة رصد قانونية متخصصة مشتركة توثق الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023،”ما يؤكد على طول انتظار ربما لأشهر وسنوات لمتابعة هذه الاحالة الى المحكمة.

وبعيدا من التفاصيل المتصلة بقرارات أخرى ومنها “إدانة الاعتداءات على الاعلاميين” فهي عملية مستمرة، وكذلك بالنسبة الى “تبادل الاسرى والمعتقلين” كلها قرارات متعثرة حتى اليوم. وتضاف إليها الدعوة الى “عقد مؤتمر دولي للسلام، في أقرب وقت ممكن وهو مسار ما زال السعي من أجله قائما منذ عقود من الزمن على قاعدة ما زالت معتمدة إلى الأمس القريب على خلفية أنها “عملية سلام ذات مصداقية على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام، ضمن إطار زمني محدد وبضمانات دولية، تفضي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، والجولان السوري المحتل ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا وخراج بلدة الماري اللبنانية وتنفيذ حل الدولتين” وهي آلية عمل يجب التوقف عندها بانتظار ان “ترسو المواقف الدولية منها في ظل الخلاف بين محورين ما زال أحدهما يدعو الى حل الدولتين فيما سارع الثاني المتمثل بقادة ودول “محور الممانعة” الى الحديث عن دولة واحدة ديمقراطية في مزايدة غير مسبوقة على دعوة الفريق الاول الى هذه الخطوة .

وانتهت المراجع الديبلوماسية في قراءتها العاجلة لمقررات القمتين لتقول إن في متنها اكثر من اشارة الى ضرورة انتظار الخطوات التنفيذية للعديد منها في ظل الدعوة الى تشكيل لجان وزارية من دول عدة وتكليف وزير خارجية المملكة العربية السعودية فيصل بن فرحان القيام بمساع حميدة في اكثر من اتجاه، وهو ما يستدعي الانتظار لمثل هذه الخطوات قبل الحديث عن فشل او نجاح القمتين، علما ان التجارب السابقة لا توحي بالكثير من الايجابيات في ظل الصراع الكبير في المنطقة والعالم.