IMLebanon

ماذا في جعبة لودريان؟

كتب طوني جبران في “المركزية”:

يعود الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت في الايام القليلة المقبلة في خطوة كادت تشكل مفاجأة لو لم يعلن عن مهمته بنفسه، بالنظر الى انشغال اللبنانيين بكل شيء سوى بالاستحقاق الرئاسي. وانهماكهم بإحصاء  الأزمات التي تتفاعل وتتناسل دون القدرة على وضع حد لأي منها في ظل فقدان القدرات الضرورية حكومية ونيابية  لمعالجتها، كما على مستوى المؤسسات العاجزة عن تلبية أبسط مطالب وحاجات المواطنين والمقيمين على الأراضي اللبنانية.

وعلى الرغم من هذه الأجواء التي تلف الحياة السياسية في لبنان، فإن الحديث عن زيارة لودريان بات أمرا واقعا. فهو بعدما تحدث عنها، لاقته مراجع ديبلوماسية فرنسية ولبنانية في تأكيدها. وهي نصحت عبر “المركزية” بضرورة التركيز في المرحلة المقبلة على  الجدوى المنتظرة منها وما يمكن ان تحدثه من خرق في جدار الازمة الرئاسية في ظل المعادلة السلبية التي ما زالت تتحكم بالتركيبة النيابية التي عجزت عن مقاربة هذا الاستحقاق. وهي حتى الامس القريب منشغلة بمجموعة من الأزمات الناجمة عن استمرار  خلو سدة الرئاسة من شاغلها والتي  لم تكن مطروحة على طاولات الحكومة ومجلس النواب والقوى السياسية والحزبية لو أنجزت مهمتها وأتمت واجباتها الدستورية قبل عام ونيف.

على هذه الخلفيات، كشفت المراجع المعنية بالتحضيرات الجارية لهذه الزيارة عن جملة من المخاوف حول مصيرها، ما لم يحمل معه اية مفاجآت غير محتسبة حتى اللحظة. فهو زار قطر  إحدى الدول الخمسة المكلفة بالملف اللبناني من ضمن مجموعة دول “لقاء باريس الخماسي” وربما قصد الرياض قبل زيارته بيروت من أجل استشكاف ما لدى هذه الدول من اقتراحات يمكن الافادة منها في مهمته التي لم تنتج حتى اليوم ما اريد منها. وكل ذلك مخافة ان تنتهي مفاعيل هذه الزيارة قبل ان تبدأ،  وتزيد من حال الإحباط التي يعاني منها اللبنانيون ومعهم كل المتعاطين بهذا الملف على اكثر من مستوى.

ومن هذه المنطلقات كشفت المراجع عينها بأن لودريان عائد لإحياء مبادرته من حيث انتهت اليه وانه استفاد من المرحلة الفاصلة عن الزيارة الاخيرة لاعادة تجميع أفكاره والتمعن في الاجوبة التي نالها من الكتل النيابية التي وجهها اليهم في الرابع عشر من آب الماضي بمعزل عن التطورات الجديدة في المنطقة.

ولما سئلت هذه المراجع عن مدى تأثر ما كان مطروحا بالجديد الطارىء في أعقاب “طوفان الاقصى” ، لفتت وقالت ان كل هذه التطورات لا علاقة لها بما يعانيه لبنان. فكل ما تم التداول بشأنه حول الإصلاحات المطلوبة على المستويات الادارية والمالية والنقدية لا علاقة له بما جرى، لا في قطاع غزة ولا في الجنوب اللبناني وأن القراءة السياسية لما جرى لم تؤد الى اي متغيرات على الساحة اللبنانية. فالمواقف المفروزة اصلا من لائحة المرشحين لم تتبدل، لا بل ان ما حصل عزز مواقف الأطراف من حاجة لبنان الى شخصية مميزة تتولى إدارة المرحلة الصعبة المتوقعة والافادة من الحراك الديبلوماسي الكبير الذي تسببت به الاحداث الأخيرة والتي عبرت فيها القوى الدولية عن حاجتها الى الاستقرار في لبنان ومنع تمدد الحرب الى اراضيه باعتبار ان ما حصل في الجنوب كانت له قواعد اشتباك خاصة لا يمكن الاستثمار فيها في الداخل.

ولفتت المراجع الى ان على المسؤولين في لبنان اعادة النظر بمسلسل المواقف فحاجتكم الى الاستقرار لا يمكن ان تتحقق في ظل ما هو قائم من اصطفاف حول بعض الملفات التي سيتوقف البحث فيها لمجرد انتخاب الرئيس وانه مفتاح كل الأزمات التي تتفاعل وتتناسل. لهذا السبب على الرغم من اعترافنا بوجود أسباب اخرى ولكنها لا ترقى الى مرتبة فقدان الرأس في لبنان الذي يمكنه ان يوفر حضور لبنان بكامل المواصفات الدولية في كل ما يجري على ساحة المنطقة في ظل فقدان المرجعية الدستورية والنقاش حول ما هو قائم اليوم من أعراف لا ترقى الى دستورية العمل في اي بلد.

وسألت المراجع ما معنى ان يتفرغ اللبنانيون ويصرفون الجهد في مواجهة بعض الملفات التي تكدست على طاولة الحكومة في  ظل عجزها عن عقد جلسات متتالية يمكن ان تتناول بعضا من الملفات الخلافية سواء كانت التجاذبات التي تتحكم بمصيرها من ضمن التركيبة الحكومية أو تلك التي تقاطع جلساتها او من خارجها بمن فيهم المقاطعين لاعمالها او ممن كانوا غائبين عنها منذ تشكيلها قبل عامين وشهرين تقريبا.  وهو ما تترجمه بشكل فاضح لا يرقى اليه الشك المواقف من تعيين قائد جديد للجيش ومعه أعضاء المجلس العسكري او لجهة التمديد للقائد الحالي في مهلة تنتهي حكما بانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية.

وما ينطبق على العمل الحكومي ينسحب على آلية العمل في المجلس النيابي فالنصاب القانوني المطلوب متعذر إن لم يكن مستحيلا لعقد جلسات تشريعية متتالية إن كانت ستتناول ملفا ما زال الخلاف قائما من حوله وهو المتوقع عند البحث في الجلسة التشريعية المنتظرة منتصف الشهر المقبل.

وعليه، فقد انتهت المراجع الى القول ان أيا من المراقبين لا يمكن ان يفهم الصمت تجاه عجز المؤسسات القائمة دون البت بالكثير من القضايا المطروحة والبحث عن المفتاح الأساسي الموجود بيدكم كلبنانيين  لفتح  قصر بعبدا قبل ان ينبت العشب على ابوابه.