IMLebanon

أي حلف سيصرخ أوّلاً؟

كتب طوني جبران في “المركزيّة”:

أوحت تقارير ديبلوماسية متعددة المصادر بأنّ ما من أحد يخوض الحرب في غزة وفي الساحات الملحقة التي تسببت بها إلا ويعاني خضات داخلية. وهو امر يعيشه الحليفان الاساسيان اللذان يخوضان المواجهة بأشكال لم تكن معهودة من قبل.

ومهما قيل عن احتمال ان تلعب الديبلوماسية دورا مهما في تنظيم ما يسمى بعملية “تبادل للأدوار” بين الحلفاء، قالت مصادر ديبلوماسية واستخبارية، لـ “المركزية”، أن ما يجري هو من السلوكيات والآليات المعروفة في محطات سابقة التي اعتمدها البعض في خضم المفاوضات. وهي لا يمكنها ان تتنكر لما هنالك من وجهات نظر مختلفة لا تفسد في الود القائم في ما بينها. ذلك ان هناك خلافات جدية مطروحة بقوة في الكواليس السياسية والديبلوماسية وهي وردت في مضمون الكثير من التقارير التي يتسلح بها المفاوضون التي تستخدم على طاولة المفاوضات لتحصين المواقع وتعزيز المواقف.

وفي التفاصيل التي حملتها بعض من هذه التقارير جاء ان ان هناك الكثير من الملاحظات الاميركية التي كانت مادة لمناقشات حامية شهدتها اجتماعات “حكومة الحرب المصغرة” الإسرائيلية في ظل الخلافات بين رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزيري دفاعه وخارجيته يوآف غالانت وإيلي كوهين مع كل من نظيريهما وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين أنتوني بلينكن ولويد أوستن وقد خرجت الى العلن مجموعة من السيناريوهات التي تحدثت عن خلافات عميقة حول آلية وسلوك الجيش الاسرائيلي التي جرّت على رئيس الولايات المتحدة ووزرائه نقمة اميركية غير مسبوقة عدا عن ردات الفعل التي عاشتها عواصم حليفة دفعت أخيراً الى خروج فرنسا من صف بلاده في مجلس الأمن في التصويت على مشاريع وقف النار في غزة لتقف الى جانبها، ووضعت البريطانيين على الحياد عدا عن المناكفات الداخلية التي شهدتها المانيا واخرجت بلجيكا واسبانيا من الحلف المعلن مع اسرائيل منذ السابع من تشرين الاول الماضي.

وعلى الطرف المقابل، لا تخفى الملاحظات التي تفاعلت في الشهر الثاني من الحرب في صفوف “محور الممانعة” حدث ولا حرج. فالتقارير السرية توحي بالكثير من الخلافات المخفية والتي عبر عنها بعض من قادة “حماس” في اعقاب العملية العسكرية البرية الاسرائيلية وهزالة ردات الفعل في بعض المحاور التي كانت تتوعد بنصرة المقاومة الفلسطينية في غزة. حتى أن البعض منهم لم يقصر في توصيف ردة فعل “حزب الله” بانها هزيلة للغاية ولم تكن كما كانت تتوقعها. هذا عدا عن التشكيك منذ اليوم الأول بتبرئة واشنطن لطهران من الدم الذي سال في الكيبوتزات والمستوطنات الإسرائيلية في 7 تشرين الاول وهو ما عززته البيانات الايرانية التي نفت أي دور لها في مقابل التأكيدات التي أطلقتها حماس أنها تفردت بالعملية وهو أمر لم يكن لينجح لولا هذه السرية التي اخفتها على أقرب حلفائها.

وفي القراءة الأولية لهاتين القراءتين ثمة من يعتقد ان دفاتر الحسابات الداخلية من ضمن الحليفين لن تفتح اليوم قبل التوصل الى وقف للنار، وبعده يمكن الحديث عن مناقشات حول الأداء الداخلي لأطراف المحورين. فبالرغم من الملاحظات الاميركية والمشاحنات التي شهدتها الجلسات التي اشرنا اليها لم تغير في المواقف الكبرى. فوزيرا الدفاع الأميركي والخارجية أكدا في أعقاب كل لقاء عاصف على الدعم المستمر للحكومة الإسرائيلية دون نقاش. حتى ان بعض التقارير الديبلوماسية السابقة كتلك التي أشارت الى ان ما يريده الرئيس بايدن ايضا لم يتحقق بعد، وهو وإن تحدث الى نتانياهو اكثر من مرة، لم يطلب منه مرة واحدة وقف النار في غزة حتى الأمس القريب.

وعلى المحور الثاني فقد ادت الخطوات العاجلة التي اتخذت الى حصر الخلافات الداخلية وجاءت الحركة الديبلوماسية الناشطة لوزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان في لقاءاته بالقيادة الحمساوية في الدوحة والعواصم العربية والآسيوية الأخرى ما زال يؤيدهم في الحرب وهو ما ترجمه في اليمن حيث اوحى للحوثيين بالعملية الجارية في باب المندب على بوابة البحر الأحمر قبل ان يهدد بإجراءات مماثلة في مضيق هرمز وصولا الى البحر المتوسط.

وقياساً على ما تقدّم، فقد لفتت التقارير الديبلوماسية الى ان المواجهة مستمرة بكل ما أوتي طرفاها من قوة اقتصادية وعسكرية وامنية. وان كان الطرفان ما زالا يؤكدان أنهما لم يحققا اي من اهداف عمليتي “طوفان الاقصى” و”السيوف الحديدية”، فهما ماضيان في حربهما. فان النتيجة تقاس بالمعادلات السياسية التي يمكن التوصل إليها. ومهما كانت كلفة المعركة فإن النتائج هي التي تحتسب في تاريخ الشعوب والدول. فمن هو نتانياهو عند قياس ما حققته اسرائيل بتأجيل أي طرح يؤدي الى الدولة الفلسطينية؟ وإن من سبقوه من موقعه اياه دفعوا أثمانا شخصية ودخل بعضهم السجون من دون ان يسأل عنهم أحد. وإن اعلن الفلسطينيون يوما انتصارهم في المعركة فهل سيكون لهم ما أرادوه من نتائج؟ وهل ستصفر السجون الإسرائيلية من الفلسطينيين؟ وهل سيكون هناك اي خطوة اضافية على الطريق الى القدس ونحو اعلان الدولة الفلسطينية من ضمن مشروع الدولتين؟