IMLebanon

“الإيجارات القديمة” تعود إلى الواجهة مجدّداً

كتب رماح هاشم في “نداء الوطن”:

عادت قضية «الإيجارت القديمة» إلى الواجهة من جديد مع إمتناع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن توقيع القانون المتعلق بتعديل قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية والصادر عن مجلس النواب، ممّا يُعيد الجدل حول حدود صلاحيات الوكالة التي يمنحها الدستور لرئيس الحكومة في ظلّ شغور موقع الرئاسة.

رزق الله: خطوة ميقاتي مخالفة دستوريّة

وعن موقف المالكين، يقول رئيس نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة باتريك رزق الله خلال حديثٍ مع صحيفة «نداء الوطن»: «نعتبر خطوة الرئيس ميقاتي سابقة ومخالفة دستورية، وتفاجأنا لأن مجلس الوزراء، وبالوكالة عن رئيس الجمهورية، أقرّ في جلسة 19 كانون الأول الجاري إصدار ونشر قوانين التي كان أقرها مجلس النواب».

ويسأل رزق الله «هل يجوز أن يختصر ميقاتي اليوم اللجان النيابية والهيئة العامة لمجلس النواب كما اختصر أيضاً مجلس الوزراء الذي أقر إصدار القوانين؟»، لافتاً إلى أن «في هذه الحالة، أصبح دور رئيس الحكومة إدارياً، لأن نشر القوانين يعدّ إجراءً إدارياً بعد إصدارها، ولكن بغياب رئيس الجمهورية يتولى مجلس الوزراء وكالة عنه لإصدار القوانين، والأخير قد أقر إصدار القوانين وهذه الخطوة لا يجوز العودة عنها. فلدى رئيس الحكومة خيار الطعن أو يمكن لعشرة نواب أو رئيس مجلس النواب تقديم الطعن، أما عدم إصدار القوانين فهو مخالفة دستورية جسيمة، وكأن رئيس الحكومة إختصر البلد بأكمله بشخصه وكأننا أمام دستور جديد».

ويتفاجأ رزق الله من الخطوة، مُشيراً إلى أن «الموضوع لم يعد فقط مسألة إيجارات، بل بات يمسّ بفهمنا وتعريفنا للصلاحيات والسلطات. فأي دستور يحكم هذا البلد؟ هذا السؤال جوهري وأساسي اليوم، وليفسر لنا أحد ما الذي يحصل. التطورات اليوم تؤشّر إلى أن رئيس الحكومة أناط بنفسه صلاحية جديدة وهذا أمر مستغرب».

ظلم متراكم

ويتابع: «أصحاب الأملاك المؤجّرة أمام ظلم متراكم منذ ما يقارب الخمسين عاماً وأملاكهم كمواطنين مصادرة»، طارحاً سلسلة من الأسئلة: «لماذا الدولة التي لديها عدد من المقرات الحكومية الرسمية تعود ملكيتها للشعب تستخدمها بقوة الغصب منذ خمسين عاماً؟ فالمستأجر اليوم يتاجر بأملاكنا بالمجان، وهل من المعقول والمنطق أن لا يتعدّى إيجار محل أو مكتب أو مستودع الـ 300 ألف ليرة لبنانية أي ما يعادل الـ 3 دولار بالشهر؟ فأي منطق هذا الذي يحدد سعر الإيجار على أساسه؟».

دعوة إلى ميقاتي

ويلفت إلى أن «قانون تحرير الإيجارات غير السكنية أُشبع درساً، كما وأن حكومة الرئيس حسان دياب السابقة كانت أحالته كمشروع قانون، أي أنه مرّ على مجلس الوزراء وتمت من بعدها إحالته إلى مجلس النواب لتقوم لجنة الإدارة والعدل بدراسته وإقراره بالإجماع، ومن ثم أحيل إلى لجنة المال والموازنة والتي أقرّته بدورها بالإجماع، وأحالته بدورها إلى الهيئة العامة التي أقرته بالجلسة التي عقدت في 14 كانون الأوّل الجاري. وهنا يكمن بيت القصيد، إذ يعود مجلس الوزراء وبمحضر رسمي يعلن فيه الأمين العام بأن المجلس إجتمع في 19 الشهر الحالي وقرر إصدار جميع القوانين التي كان أقرها مجلس النواب في جلسته التشريعية وعددها 14. صلاحية رئيس الحكومة هنا تتمثّل بوجوب النشر، أي أنها إجراء إداري، بالتالي لا يحق له الإمتناع عن القيام بهذا الإجراء ولم يعد يحق لمجلس الوزراء مناقشة الموضوع من جديد في القوانين الثلاثة التي تم استثناؤها. كل ما يخرج عن هذا الإطار يعتبر سابقة خطيرة تتطلب إختلاق صلاحية جديدة لا ينص عليها الدستور، لذا يبقى السؤال من أين أتى رئيس الحكومة بهذه الصلاحية؟».

ويدعو رزق الله باسم النقابة الرئيس ميقاتي إلى «العودة عن قراره وتوقيع هذا القانون ونشره في الجريدة الرسمية مع باقي القوانين يوم الخميس المقبل، وإلا فلنلغ مجلس النواب ومجلس الوزراء وليختصر رئيس الحكومة البلد بشخصه».

مروحة إتصالات

وفي ما يتعلق بالخطوات التي من المتوقع أن تقوم بها النقابة لمتابعة هذا الملف، يكشف أن أعضاءها يقومون بمروحة إتصالات مع النواب والوزراء. وقال: «ننتظر ما ستحمله الساعات المقبلة، كي نرى إذا ما كان ميقاتي سيتراجع عن قراره وإلا سنكون أمام كارثة. وندعو النواب إلى اتخاذ مواقف منددة بما يحصل ودعوة ميقاتي إلى نشر القانون، فهذه مسألة تخطّت حدود موضوع الإيجارات وباتت خطراً يهدد الدستور. نحمّل جميع المسؤولين والقوى السياسية والحزبية هذه المسؤولية، وعليهم اتخاذ مواقف لحماية الدستور قبل حماية الايجارات غير السكنية، ونحن مؤمنون بأن هذا القانون الجديد مطابق للدستور أما القوانين الاستثنائية القديمة فهي التي كانت مخالفة له. والجدير ذكره أن القانون الجديد يُمدّد للمستأجر 4 سنوات، بالتالي يعطيهم مهلة كافية».

ويختم رزق الله حديثه، مؤكّداً أنّ «ما حصل أمر مثير للريبة والشك، فهل ميقاتي ضد حق المالكين المكرس في الدستور؟ وهل الرئيس مع مصادرة أملاك الناس ببدلات إيجار مجانية؟ بالتأكيد نحن مضطرون في حال لم يتراجع ميقاتي إلى النزول الى الشارع ورفع الصوت عالياً. وسندعو كافة المالكين والمواطنين ومختلف النقابات والجمعيات وهيئات المجتمع المدني الى النزول للمشاركة في هذه التحركات إن حصلت، ليس فقط دفاعاً عن حق الملكية الذي أصبح بخطر، بل أيضاً لرفض اختصار البلد بشخص رئيس الحكومة».

عبدالله: ما حصل في مجلس النواب «كارثة»

أما على الضفة الأخرى، فيعتبر رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين كاسترو عبدالله أنّ «ما حصل في مجلس النواب بمثابة «كارثة»، لا سيما أن قانون الإيجارات غير السكنية يتضمن مؤسسات كثيرة تابعة للدولة، فأغلبية مؤسسات الدولة من مدارس ووزارات وغيرها مستأجرة». وأما بالنسبة إلى الشق الثاني المتعلق بالمصانع والمؤسسات التجارية، فيشير عبدالله خلال حديث مع «نداء الوطن» إلى أن «هذه المؤسسات بأغلبيتها سددت قيمة الـ «خلو»، والكارثة الأكبر تتمثل بوجود معامل ومصانع ومؤسسات تجارية لديها مئات العمال. بالتالي، الكارثة هنا مزدوجة. جزء منها يتعلق بالمؤسسات الرسمية كالمدارس مثلاً ومصير طلابها، وجزء مرتبط بالمصانع والمؤسسات التجارية ومصير عمالها، الذين في النتيجة سيتم رميهم خارج هذه العقارات. من المستحيل أن ينص القانون على أن تكون النسبة 8% من قيمة المأجور لأن في هذه الحالة سيدفع أي محل على الأقل حوالى الـ 50 ألف دولار سنوياً، أما مدة الإخلاء فتتراوح ما بين عامين إلى أربعة أعوام، في حين أنه من المستبعد أن يتمكن أي مستأجر من إكمال العامين. واضاف: «ما سبق يختصر خلفيات صرختنا كمستأجرين، واليوم سنقوم بأكثر من تحرك ولن تتوقف تحركاتنا على تلك التي حصلت أمس في الحمرا وصيدا والنبطية. كذلك نقوم بسلسلة من الاتصالات ونتواصل مع عدد من النواب والكتل النيابية من أجل العمل على سحب هذا المشروع وعدم نشره في الجريدة الرسمية وإعادته إلى المباحثات مع إشراك جميع الأطراف المعنية فيها، خصوصاً وأن البلد اليوم بحالة حرب».

المستأجرون ليسوا ضد المالكين

ويطالب عبدالله بـ «عدم توقيع القانون وإعادته الى مجلس النواب من أجل إعادة النظر فيه. فمن المستحيل السير بهذا القانون»، مشدّداً على أن «المستأجرين ليسوا ضدّ المالكين، ونعلم بأننا في النهاية بحاجة الى قانون عادل ينصف الطرفين، لكن مشكلتنا هي مع «بعض السماسرة» الذين يدّعون تمثيل المالكين والسماسرة للشركات العقارية ولجهات مجهولة المعالم، فهم من يعملون بشكل خفي ولا نعلم كيف استطاعوا التسلل إلى مجلس النواب لتمرير القانون بغفلة من دون نقاش ولا بحث جديين ولا حتّى حوار مع الفئات الأخرى».

ويناشد «الرئيسين بري وميقاتي والحكومة مجتمعة للتجاوب مع مطالبهم، إذ يمكن لبري أن يطالب بإعادة القانون إلى مجلس النواب ولميقاتي والحكومة أن ترد القانون من أجل إعادة البحث فيه وإيجاد حل مناسب للجميع»، سائلاً «من أين ستأتي الدولة بأموال هذه الإيجارات التي ستصبح قيمتها توازي ملايين الدولارات وستدفع بالدولار وليس بالليرة اللبنانية في حين أن لا قدرة لديها على دفع رواتب موظفيها؟».

التحركات ستتوسع

ويلفت عبدالله إلى «أننا أمام كارثة كبيرة. هذه بداية تحركاتنا وسنستمر في التحضير لتحركات أخرى مشابهة على كافة الأراضي اللبنانية بالتعاون مع جمعيات التجار والمستأجرين القدامى. هذه القضية عادت واستنهضت من جديد، فكنا نعتقد أن هناك من يتحمل المسؤولية، لكن للأسف ما تبين هو وجود سماسرة، لذلك نحن ذاهبون باتجاه التصعيد في حال لم يتم التراجع عن القانون وإستدراك الأمر. في جميع الأحوال، نحضر للطعن وحتى لو صدر في الجريدة الرسمية لن نستسلم. الشارع بيننا وبينهم ولن نسكت عن حقوقنا».

مالك: ماذا يقول الدستور؟

أما الجانب الدستوري من الموضوع فيشرحه الخبير الدستوري د. سعيد مالك، الذي يؤكّد لـ «نداء الوطن» أنه «وبغض النظر من الموقف عن القوانين التي أصدرها مجلس النواب في جلسته النشريعية الأخيرة تأييداً أم رفضاً، فمن الناحية الدستورية مَن له حق طلب إعادة النظر بالقانون هو رئيس الجمهورية»، مضيفاً «صحيح أن المادة 62 من الدستور أناطت بمجلس الوزراء وكالة صلاحيات الرئيس عند شغور الموقع، لكن هناك صلاحيات لا تنتقل على الإطلاق إلى مجلس الوزراء كونها إمّا أن تكون صلاحيات متعلقة برئيس الجمهورية بصفته الشخصية أي اللصيقة به أو الصلاحيات التي تعود له بصفته رئيساً للدولة وحامياً للمؤسسات».

وبالتالي وإستناداً إلى ذلك، يشير مالك إلى أنّ «صلاحية طلب إعادة النظر في القانون ضمن المهلة المحددة للإصدار هي أيضاً صلاحية تعود إلى رئيس الجمهورية بصفته رئيساً للدولة وبصفته حامياً للدستور والمصلحة الوطنية العليا، وبالتالي هذه الصلاحية لا تنتقل على الإطلاق إلى مجلس الوزراء. هذه الصلاحية هي مُناطة حصراً برئيس الجمهورية ولا توكل إلى مجلس الوزراء في حال الشغور، وهناك قرار صادر عن المجلس الدستوري بهذا الخصوص وتحديداً القرار رقم 4/2001 تاريخ 29-9-2001».

وعليه، يؤكد مالك أنّ «جل ما باستطاعة الرئيس ميقاتي أن يقوم به هو أن يحتفظ بهذا القانون سيّما القانون المتعلق بالإيجارات غير السكنية لمدة شهر في أدراجه، وبعد هذا الشهر وسنداً لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 57 من الدستور يعتبر القانون نافذاً حكما وواجب النشر».

وبالتالي يختم مالك حديثه مؤكّداً أنّ «هذه الصلاحية أي صلاحية طلب إعادة النظر لا يُمكن تجييرها إلى مجلس الوزراء وهي لا تُجيَّر أساساً كونها صلاحية عائدة إلى رئيس الدولة ولا يُمكن تجييرها».