IMLebanon

رسائل لبنانية لنصرالله تستبق زيارة هوكشتاين

كتب عمار نعمة في “اللواء”: 

ثلاث رسائل هامة تتعلق بالداخل اللبناني في كلمة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، أمس في تأبين القيادي في الحزب محمد ياغي. واحدة سياسية داخلية، واثنتان تجمعان البعدين السياسي والعسكري.

أولا للتذكير هي الكلمة الرابعة لنصر الله منذ بدء معركة طوفان الأقصى، وهو بنى في خطابه، أمس، على كلمته السابقة له الأربعاء الماضي، مع فارق انه لجأ هذه المرة إلى الإستفاضة في “الشرح” وإيراد الوقائع لخسائر العدو وصولا إلى التحليل واستشراف ما هو مقبل، وهذا المقبل ما زال غامضا لنصر الله وللحزب كما للإسرائيليين أنفسهم وكل من هو في المعركة.

في الرسائل أولى داخلية سياسية تتعلق باستبعاد قرب الحل الرئاسي رغم كل ما قيل مع “تمديد” واقع قائد الجيش جوزف عون على رأس المؤسسة العسكرية. فالوقت ليس لهذا الملف الذي قد تفعل حرب غزة ومفاعيلها في تحديد مستقبله، أو هكذا يريد البعض في لبنان عبر ربط ملف الرئاسة بتطورات الإقليم.

لذا مرّ نصر الله سريعا جدا على موضوع الرئاسة باعتباره ليس أولوية الآن. وهو بالفعل كذلك، مع فارق انه مهما كانت نتيجة الحرب على غزة فإنها لن تكون مفصلية في كل الاحوال على الصعيد الرئاسي كون موازين القوى الداخلية لن تتغير وسيبقى أي مرشح غير توافقي أعجز من الوصول إلى الرئاسة، لا سيما مرشح محور الممانعة سليمان فرنجية، اقله في ظل الموازين الحالية وهو ما كان على هذا المحور أن يعيه منذ البدء مع ترشيح فرنجية قبل نحو عام..

الرسالة الثانية كانت مرتبطة بحدث اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” صالح العاروري.

خرج نصر الله عن سردية الاحتفاظ بحق الرد “في المكان المناسب وفي الوقت المناسب”. وهي سردية عربية تاريخية استُعملت في الواقع تاريخيا للتهرب من مسؤولية الرد على الاعتداءات الإسرائيلية، وفي ذلك ربط نصر الله الرد بالميدان. وهذا يعني بأن الرد، غير المعرّف عسكريا، قد يأتي في أية لحظة مؤاتية في الميدان وحتى ربما لن يكون في الميدان اللبناني وحده..

الواقع ان كثيرين افترضوا ان “حزب الله” سيوجه صواريخه فورا نحو العمق الإسرائيلي بعد قليل على اغتيال العاروري. لكنهم بدوا قاصرين عن فهم المنطق الذي يعمل به الحزب في رؤيته، كون عملية امنية عسكرية بالغة الخطورة، ذات بعد فلسطيني سياسي من ناحية وجغرافي لبنان في قلب الضاحية الجنوبية من ناحية موازية، تحمل بما تحمل أبعادا امنية وعسكرية، لن يكون التسليم بها حسب الحزب، وهي شبيهة بدلالاتها بعمليات اغتيال قياديين في الحزب مثل مغنية ومصطفى بدر الدين وغيرهما مع فارق انها المرة الاولى منذ العام 2006 التي يضرب فيها الإسرائيلي في قلب الضاحية، بمعنى آخر بيروت وهذا خرق كبير وخطير..

وبذلك أراد نصر الله تأكيد عدم توسيع الجبهة كما عدم تصعيدها والإلتزام بالانخراط العسكري الحالي للحزب بما يتخطى المناوشات العسكرية وبما يقل عن الحرب الشاملة. وهذا معروف لدى أقطاب محور وحدة الساحات وعلى رأسهم “حماس” بكل تلاوينها لا سيما جناحها العسكري “كتائب عز الدين القسام”.

لذلك لجأ الأمين العام لـ”حزب الله” إلى سرد وشرح ماهية العمليات التي قام بها الحزب لمساندة جبهة غزة مع باقي الجبهات في شكل تكاملي، لرفع المظلومية عن الجبهة الجنوبية وتأكيد فاعليتها ليس فقط عسكريا بل اقتصاديا وعلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

وهو بذلك أراد التأكيد على ما قاله في المرة السابقة من ان الحزب غير مردوع وان توسيع الجبهة من ناحية الاسرائيلي تحت الضغط الشعبي سيذهب اهل الشمال ضحيته لا بل انهم سيكونون أول الدافعين لثمنه.. وكان بهذا مباشرا في الاعلان ان الضغط موجه إلى حكومة العدو بمقدار ما هو موجه لإيقاف الحرب.

البعد الثالث اللبناني، يتعلق بالفرصة التي وفرتها “الحرب” في الجبهة الجنوبية لناحية تحرير ما تبقى من أرض لبنانية من أقصى الغرب حتى الشرق.

قد يحمل كلام نصر الله هنا الكثير من المعاني لكنه موجه في الدرجة الاولى نحو المفاوض الاميركي لناحيتين: أولا ان لا مفاوضات تحت اي عنوان قبل وقف ما يجري من عدوان، وبالتالي ما يجري جنوبا مرتبط بالعدوان على غزة وعندما تتوقف الحرب هناك يمكن الولوج بمفاوضات حول لبنان. ثانيا كان ذلك (وربما غيره) استباقا لجولة المبعوث الاميركي آموس هوكشتاين وكل ما يحمله في جعبته واستباقا لكل محاولة لفرض قواعد جديدة على القرار 1701 الذي كانت إسرائيل الخارق الأول والمستديم له.

في خلاصة ما يهم الجمهور اللبناني متعدد الأطياف في حديث نصر الله، أن الاخير مارس فعل التأكيد على ما أدلى به الاربعاء الماضي لناحية جدوى ورقعة الحرب مع توفير الهامش لكل جبهة أخرى، اي ضبط النفس واللهجة، ومن شأن ذلك ان يطمئن الداخل، لكن مع تحضير الداخل نفسه من ان الجنون الاسرائيلي سيدفع بالحزب إلى الذهاب بالمعادلات نحو النهاية إذا ما “فُرضت الحرب” على لبنان. وهو ما أكده الامين العام للحزب بالمعنى العام وإن كان لم يلجأ إليه مباشرة كما فعل في ذكرى قائد لواء القدس قاسم سليماني قبل أيام.

وإذا لم تحصل مفاجأة فإن الرسالة الإعلامية المقبلة ستكون في أواسط شهر شباط المقبل مع الموعد السنوي لشهداء الحزب السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب وعماد مغنية.