IMLebanon

الجنوب إلى أين؟

كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:

على مشهد المناشير الإسرائيلية التي أُسقطت ليلا فوق بلدة كفركلا استيقظ الأهالي المصرون على البقاء في أرضهم “لأنها غالية جداً”! لكن ما قرأوه في المناشير التي تم إلقاؤها على وقع القذائف الفوسفورية ليلا يبدد نسبيا عدد الصامدين في قرى الشريط الحدودي.

في المناشير تحذير “إلى سكان جنوب لبنان! فمن هذه المنطقة يتم إطلاق صواريخ من قبل حزب الله الإرهابي. عمليات إرهابية كهذه ستؤدّي إلى رد قاسٍ. من أجل سلامتكم، لا تكونوا ذنباً للأعمال الإرهابية في ساحات بيوتكم”.

أكثر من 75 ألفا من سكان قرى وبلدات جنوب لبنان تركوا منازلهم وقراهم نازحين إلى الشمال. لكن التصعيد الأوسع الذي شهدته الجبهة الجنوبية السبت الفائت وصل إلى عمق منطقة الزهراني في قصف هو الأول الذي يستهدف منزلاً في المنطقة، مما يؤشر إلى جدية التحول في مسار الحرب.

بالتوازي ترتفع سقوف التهدئة بين حزب الله وإسرائيل من خلال “رسائل التهدئة” التي يحملها الوسطاء والدبلوماسيون لكن السقف بدأ ينهار على رؤوس أهالي الجنوب مهددا بتوسع رقعة القصف على قاعدة” أردتموها حربا فلتكن. ولتتحملوا النتائج الكارثية”.

الكاتب السياسي الياس الزغبي يعتبر أن ” امين عام حزب الله حسن نصرالله يحاول بعد كل خطاب أن يسرق بعض الأضواء في المواجهة الحاصلة بين إسرائيل من جهة وأذرع محور الممانعة من جهة أخرى. لكن الواقع الحاصل هو أن اليمن سرقت هذه الأضواء بقرار مباشر من طهران، ولم تعد الأولوية لدى إيران مسالة قطاع غزة، ولا “المشاغلة” التي يقوم بها حزب الله من جنوب لبنان.

لذلك، يضيف الزغبي، فإن الحزب المنزعج ضمنياً من تراجع دوره من الواجهة، إلى الصف الخلفي ويحاول إعادة لفت الإنتباه إلى مسالة حضوره ودوره ووظيفته القتالية في جنوب لبنان”.

تصاعد وتيرة القصف المتبادل على الحدود الجنوبيّة بين إسرائيل وحزب الله، يقابلها قرار إيراني واضح بعدم خوض حرب واسعة ضد إسرائيل والولايات المتحدة من جهة.

ومن جهة أخرى يتكرس يوماً بعد يوم بحسب الزغبي من خلال الإكتفاء بتشغيل الحوثيين في اليمن وبعض الفصائل العراقية وكذلك حزب الله. في المقابل حاولت إيران أمس أن تبدل في هذا الواقع نسبياً من خلال عملية قامت بها في أربيل، إلا أنها لم تغير شيئا في قواعد المواجهة التي تلتزمها طهران وهي لا ترقى إلى مستوى الخرق.

هذا الواقع يؤشر إلى المأزق الذي يقع فيه الحزب “فهو لا يستطيع الخروج عن القرار الإيراني ويكتفي بالتهديد على لسان أمينه العام بأنه سيخوض الحرب من دون أسقف وقواعد، “إذا” لجأت إسرائيل إلى الحرب. وهذه ال”إذا” الشرطية، تختصر هذا المأزق الفعلي الذي يعانيه الحزب. أما الحدّ الثاني فهو لجوء الحزب إلى المفاوضات عبر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، أو سواه من الوسطاء الفرنسيين والقطريين، لعله يستطيع من هذا الباب أن يخرج من مأزقه الجنوبي إلى الداخل اللبناني، وفي حسابه أنه يقبض ثمناً سياسياً كبيراً سواء في موقع رئاسة الجمهورية أو في الحكومة والإدارات العامة.

ما أظهرته نتائج جولة آموس هوكشتاين لم تكن على مستوى تمنيات حزب الله أو بالأصح إيران، ويقول الزغبي في هذا السياق” أن هذا التفاوض ليس كما يشتهيه الحزب، بمعنى أن الثمن الذي ينتظره لم يكن مدرجاً ضمن شروط هذا التفاوض”.

قد يكون المأزق الذي يعانيه الحزب وراء إعادة تشكيل معسكرات في عكار وطرابلس لاستنهاض العصب السني الموالي لحزب الممانعة والمتمثل بسرايا المقاومة “وإضفاء صورة تشكيل طائفي من خلال توريط بعض المجموعات من الطوائف الأخرى خصوصا الطائفة السنية ، ولتغطية تفرده كممثل لطائفة معينة في قرار الحرب. ولعله بذلك يضفي على وظيفته طابعاً وطنياً يتيح له تقديم العروض لقبض الأثمان السياسية لا سيما منها رئاسة الجمهورية”.

إسرائيل التي تتلقى الضربات من حزب الله وتحديدا من داخل القرى الجنوبية المأهولة بالسكان لن تقف مكتوفة الأيدي، لكن وفق الزغبي” فإن وضعيتها لا تقل ارتباكاً في قرار الحرب عن إيران وحزب الله. فمن جهة هناك الخلافات الحاصلة داخل الحكومة الإسرائيلية، أيضا هناك الإختلاف في وجهات النظر بين القادة العسكريين الكبار. إلا أنها بالتوازي مجبرة على التزام ما تعلنه من أنها لن تصبر طويلاً على اضطرابات شمالها، وعن دور الحزب في تهجير المستوطنين من الشمال إلى الوسط وتلوِّح على هذا الأساس بأن فرص التسوية الديبلوماسية والسياسية تضاءلت، ولا بد من العلاج النهائي أي الكيّ”.

وفق السيناريوهات المرتقبة فإن الحل النهائي الذي ترسمه حكومة بنيامين نتانياهو يتمثل بعملية عسكرية واسعة ضد حزب الله لإبعاد خطره عن هذه المستوطنات “وهذا ما يشير إلى أن الوضع الجنوبي تحديداً واقع تحت خطر الحرب الواسعة على رغم غياب القرار الإيراني بعدم خوض هذه الحرب”. ويحذر الزغبي بأن في “حال نشوب حرب من هذا النوع فالخسائر التي ستحل بلبنان ستكون أفظع ولا تقاس بالخسائر الجسيمة التي ستحل بإسرائيل”.

هل يقرأ حزب الله وإيران نتائج التعنت بعدم القبول بمبدأ المفاوضات؟” إيران وكذلك الحزب يدركان حجم الخسائر التي ستترتب في ما لو اتخذت إسرائيل قرارها الحاسم بشن عملية عسكرية على لبنان للقضاء على حزب الله وهذا ما يجعل قيادة حزب الله تتجه أكثر فأكثر إلى التبصر والقبول ببعض الشروط التي تفرضها المفاوضات عبر الوسيط الأميركي هوكشتاين” يختم الزغبي.