IMLebanon

تصعيد جنوباً… وإسرائيل تلوّح بمواجهة شاملة

جاء في “الجمهورية”:

يبدو أنّ كرة النار بدأت تتدحرج بشكل متسارع على امتداد المنطقة، بما ينذر بانحدار الامور نحو واقع حربي خارج عن السيطرة. فالتطورات الحربيّة الأخيرة التي تتزامن مع استمرار حرب الإبادة الشاملة التي تشنّها اسرائيل على قطاع غزة، واحتدام المواجهات على الحدود الجنوبية بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي، بدأت ترسم مشهداً جديداً للمنطقة، أقرب ما يكون إلى صندوق بريد لتبادل الرسائل، والصاروخية منها، بدءًا بصواريخ الحوثيين المتواصلة في البحر الاحمر، ثمّ الضربات الجويّة والصاروخيّة التي شنّها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية على أهداف في اليمن، وصولاً الى الصواريخ الإيرانية التي اطلقها الحرس الثوري على ما سمّاها مقرّات تجسسية وتجمعات للجماعات الارهابية في سوريا وكردستان العراق، وأخيراً، وربما ليس آخراً الاشتباك اللافت على الحدود المصرية مع قطاع غزة.

هذه المستجدات، في توقيتها وحجمها النوعي الذي ظهرت فيه في الفترة الأخيرة تثير المخاوف من انفجار واسع. وهو ما عبّرت عنه مراجع لبنانية مسؤولة امام الموفدين الدوليين، بأنّ اسرائيل تسعى في حربها المدمّرة لقطاع غزة، واعتداءاتها المكثفة على لبنان وتعمّد استهداف المدنيين والبلدات الجنوبية الآمنة، توسيع دائرة المواجهات وتوريط العالم وخصوصاً الولايات المتحدة الاميركية، بحرب كبرى، اعتقاداً من مستوياتها الأمنية والسياسية، انّ هذه الحرب تُخرج اسرائيل من مأزقها العالقة فيه في حربها على قطاع غزة، التي تعترف انّها صعبة وتكلّف جيشها يومياً خسائر كبيرة، من دون ان تتمكن بعد اكثر من مئة يوم من الحرب من تحقيق اي من اهداف هذه الحرب، سواءً بإنهاك حركة «حماس» او إعادة الاسرى الاسرائيليين.

الّا انّ مصادر ديبلوماسية اوروبية ابلغت الى «الجمهورية» قولها، انّ «المخاوف مبرّرة بالنظر الى قساوة المواجهات التي قد تبقي احتمال الحرب قائماً، ولكن بالنظر الى ما يجري في الغرف الخلفية لهذا الصراع، فإنّ الحرب الواسعة مستبعدة حتى الآن، والولايات المتحدة الاميركية وكذلك فرنسا، لعبتا دوراً اساسياً في إضعاف هذا الاحتمال».

ولفتت المصادر الانتباه الى «أنّ فرص الحرب الواسعة كانت ممكنة بالتزامن مع الأيام الأولى للحرب في غزة، إلّا انّ الأطراف الاقليميين والدوليّين المفترضين لهذه الحرب، ادركوا أهوالها ونتائجها المدمّرة مسبقاً، وتجنّبوها، ومنعوا حتى التسبّب بخطأ في الحسابات يمكن ان يُشعل الحرب».

الى ذلك، اكّد أحد المسؤولين لـ«الجمهورية»، انّ «احتمالات الحرب الواسعة تبقى قائمة طالما انّ العدوان الاسرائيلي مستمر على غزة ولبنان»، فيما تحدثت مصادر ديبلوماسية لبنانية لـ«الجمهورية» عمّا سمّتها «جدّية اميركية في منع توسيع الحرب»، وكشفت جانباً من لقاء مع موفد اوروبي بارز قبل فترة ليست ببعيدة، اكّد خلاله الموفد المذكور على ما مفاده «أنّ الامور في المنطقة مضبوطة تحت سقف الخوف المتبادل بين كلّ اطراف الصراع، سواءً المنخرطين مباشرة بالأعمال الحربية، أو الدول الداعمة لهم من الخلف، من الإنزلاق إلى حرب إقليمية ليس في مقدور أيّ طرف فيها أن يقدّر حجم تداعياتها الكارثية وكذلك حجم الأضرار الذي ستلحقه ليس بمصالح دول المنطقة فحسب، بل على المستوى الدولي بصورة عامة.

وتصبّ قراءات المحلّلين في خانة استبعاد فرضية نشوب حرب واسعة، وعلى ما يقول خبير في الشؤون العسكرية رداً على سؤال لـ«الجمهورية» حول الرسائل الصاروخية التي عبرت سماء المنطقة: «لا الولايات المتحدة تريد الحرب الواسعة، ولا ايران وحلفاؤها من اليمن الى «حزب الله» في لبنان، يريدون التوسّع في الحرب، فما حصل مما يسمّى رسائل صاروخية، اشبه ما يكون باستعراض قوة لا اكثر، او يمكن ان نسمّيه سجالاً بأوراق القوة في نهايات اللعبة قبل الانتقال الى مرحلة التبريد، والجلوس على طاولة البحث عن حلول ومخارج وتفاهمات».

وأعرب عن اعتقاده في «أنّ الامور بلغت السقف الذي بات يتوجب النزول تحته. وهنا ينبغي رصد الجهد الاميركي المكثف الذي يُبذل لتحقيق ما يسمّيه الاميركيون «احتواء التصعيد» في قطاع غزة او وخفض التصعيد او وقفه مع لبنان. وفي هذا السبيل صبّت واشنطن جهودها عبر الزيارات المتتالية لوزير خارجيتها انتوني بلينكن والوسيط الاميركي آموس هوكشتاين الى اسرائيل، لتحقيق ما سُمّيت «المرحلة الثالثة»، التي اعلن الجيش الاسرائيلي الانتقال اليها بسحب قوات قتالية اساسية من قطاع غزة، أي الانتقال من العمليّات العسكريّة الواسعة والقصف والغارات المكثفة إلى العمليات النوعية وتخفيف حدّة القتال والحرب. وهي بلا ادنى شك خطوة تراجعية، في موازاة الاهداف العالية السقف التي وضعتها حكومة بنيامين نتنياهو في بداية الحرب، ويجب الّا نغفل في هذا المجال انّ اسرائيل، وباعتراف المحللين العسكريين والسياسيين الاسرائيليين، امام تحدٍ كبير يتهدّدها، بانفجار انتفاضة جديدة في وجهها في الضفة الغربية».

وفي موازاة فشل كل الوساطات وحراكات الموفدين، ورسائل الترغيب والترهيب في وقف تدحرج كرة النار على الجبهة الجنوبية، فإنّ الوقائع العسكرية المتلاحقة فيها، باتت تنطوي على مخاوف جدّية من انحدار الامور الى تصعيد واسع، ولاسيما أنّ الساعات الاخيرة حملت كثافة غير مسبوقة في العمليات العدوانية الاسرائيلية ضدّ المناطق الجنوبية. حيث أفيد عن 14 غارة جوية متتالية نفّذها الطيران الحربي الاسرائيلي وصفت بالأعنف منذ بدء العدوان، استهدفت منطقة وادي السلوقي بنحو 20 صاروخاً، ترافقت مع قصف مدفعي عنيف للمنطقة، وشمل معظم البلدات الجنوبية المحاذية لخط الحدود. وتزامن ذلك مع منشورات القاها الطيران الاسرائيلي فوق بلدة كفر كلا تحرّض على «حزب الله». واعقبت ذلك سلسلة عمليات لـ«حزب الله»، استهدف فيها مواقع: حدب البستان، وبياض بليدا، وتجمعاً لجنود العدو في محيط موقع راميا، وموقع السماقة، ومحيط المستعمرات في النبي يوشع، وتجمعاً للجيش الاسرائيلي شرق مستوطنة إفن مناحم.

وفيما اعلن الجيش الاسرائيلي انّ قوة خاصة قامت بهجوم خلال الليل، وتمكنت من إزالة تهديد في بلدة عيتا الشعب، نفت مصادر أمنية لـ«الجمهورية» علمها بذلك، فيما ذكرت معلومات اعلامية بأنّ ما حصل هو انّ ثلاثة جنود اسرائيليين من قوة «ماغلان» الاستطلاعية الاسرائيلية كانوا يحاولون التسلّل من جهة موقع الراهب الى نقطة الحدود وتمّ اكتشافهم، وعادوا الى داخل موقع الراهب خائبين.

ونقلت قناة «الجزيرة» عن مصدر في قوات «اليونيفيل»، قوله «إننا لم نتلق أي تقرير عن تسلّل إسرائيلي عبر الحدود مع لبنان ونفحص الأمر حاليًا». كما نقلت عن مصدر أمني لبناني، قوله «إننا لم نرصد أي تسلّل إسرائيلي في محيط بلدة عيتا الشعب جنوبي».

ويأتي ذلك، في ظل حديث متزايد في الإعلام الاسرائيلي عن «تأهّب الجيش الإسرائيلي لسيناريو مواجهة شاملة على الحدود الشمالية مع حزب الله»، وعن أنّ سحب قوات الفرقة 36 من قطاع غزة، سيبقيها في جهوزية لنشرها على الجبهة الشمالية مع لبنان وتحسباً من اندلاع مواجهة شاملة».

وفيما توالت التهديدات الاسرائيلية «بفرض واقع جديد في جنوب لبنان يضمن أمن المستوطنات الاسرائيلية»، والحديث عن رغبة اسرائيل بحل ديبلوماسي، وضيق مساحة الوصول اليه، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية انّ «الجبهة الشمالية تشكّل ضغطاً كبيراً على الجيش الاسرائيلي». مشيرةً الى أنّ احتمال إخلاء جنوب لبنان من قوات «حزب الله» وفق القرار 1701 عبر تسوية سياسية ليس بعيداً، لكنه مليء بعلامات الاستفهام، ويشكّل تهديداً بتشكّل واقع غامض بمرور الوقت».

ونقل الاعلام الاسرائيلي عن رئيس المجلس الإقليمي ميتا آشر في الجليل الغربي بعد اجتماع أعضاء الحكومة الإسرائيلية مع رؤساء مستوطنات خط المواجهة في الشمال قوله: «حكومة إسرائيل ليست معنية بالحدث، لقد خسرنا الشمال، أخجل أنّ هذا هو الوضع وهذا سلوك حكومتي».

وفيما عكس الاعلام الاسرائيلي مطالبات المستوطنين بإجراءات عسكرية يتخذها الجيش الاسرائيلي لإبعاد «حزب الله» وضمان أمن المستوطنات وعودة سكانها اليها، توالت في الموازاة التأكيدات الأميركية حيال عزم الولايات المتحدة الاميركية على بلوغ حل سياسي على جانبي الحدود بين لبنان واسرائيل، وآخرها عبر السفيرة الاميركية الجديدة ليزا جونسون، التي التقت امس الرئيس نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي. والبارز في حركة السفيرة الاميركية انّها نقلت بصورة مباشرة حرصاً اميركياً على استقرار لبنان، وأعادت التشديد على موقف واشنطن الهادف الى خلق مناخات هادئة على الحدود، تعيد إشاعة الأمن والاستقرار في تلك المنطقة. مؤكّدة انّ واشنطن تضع في اولوياتها بلوغ هذه الغاية، ومنع توسع دائرة المواجهات.

ورداً على سؤال حول مستقبل الوضع على الجبهة الجنوبية، اكّدت مصادر سياسية مطلعة عن كثب على خلفيات الموقف الاميركي لـ«الجمهورية»: «الاميركيون اكّدوا أنّ لا حرب اسرائيلية واسعة ضدّ لبنان، وتحت هذا العنوان تتحرك واشنطن من بداية الحرب في غزة، ورغم تصاعد عمليات «حزب الله» فإنّ واشنطن لا تريد ان تتصاعد المواجهات على الحدود الجنوبية، وتردع اسرائيل عن القيام بأي خطوة لتصعيد كبير. والموقف الحقيقي لواشنطن سبق ان عبّر عنه الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين بعد لقائه الرئيس نبيه بري الاسبوع الماضي، بأنّ اسرائيل تفضّل الحل الديبلوماسي، ولبنان ايضاً، وواشنطن بدورها ترى انّ الخروج من هذه الازمة يتمّ عبر الحل الديبلوماسي، ومهمتنا هي أن نصل الى حل ديبلوماسي».

الى ذلك، أكّد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أنّ «الحل العسكري في غزة لن يكون كافياً إذا لم يؤد إلى مشروع سياسي»، وشدّد في الوقت ذاته على أنّ «هناك ثلاث اولويات هي: منع اتساع نطاق الصراع إلى لبنان بأيّ ثمن، وتحرير الأسرى في غزة وتمهيد الطريق الى تسوية الأزمة».