IMLebanon

إيران تعض على جرحها العسكري لتحفظ مكاسبها السياسية

كتب منير الربيع في “المدن”:

على الرغم من الأجواء السلبية الإسرائيلية، التي أحاطت بمقترحات حركة حماس، للموافقة على الهدنة الطويلة الأمد في قطاع غزة، إلا أن المساعي لا تزال مستمرة في سبيل الوصول إلى اتفاق. هنا تتجمع عناصر ومبادرات متعددة وعلى أكثر من خط، في سبيل تكريس هذه التهدئة، التي لا بد لها أن تنعكس على لبنان، كما على غيره من الجبهات المفتوحة.

قضم الجرح

في هذا السياق، تعتمد طهران استراتيجية واضحة، وهي استراتيجية “قضم الجرح”. ولو أدت الضربات العسكرية الإسرائيلية أو الأميركية إلى اغتيال شخصيات أساسية في المحور، فإن طهران لا تريد الردّ بشكل يؤدي إلى تصعيد المواجهات والإطاحة بكل مسارات التفاوض التي تسلكها. تعتبر إيران أنها حتى لو خسرت بعض القيادات أو الكوادر العسكرية والأمنية، فإن غايتها الأساسية في النهاية هي الوصول إلى اتفاقات تعزز من خلالها مكتسباتها السياسية في المنطقة.
إنطلاقاً من هذه الاستراتيجية، تسعى إيران إلى استيعاب كل التصعيد الذي تقوم به إسرائيل أو الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً بعد اغتيال أبو باقر الساعدي في بغداد، والذي يندرج عمله في السياق الإيراني أكثر من دوره العراقي. فهو مسؤول التشكيلات في سوريا والمسؤول عن سلاح المسيّرات والصواريخ في سوريا والعراق. وبالتالي، مسؤول عن العمليات التي تشن ضد مواقع ومصالح أميركية.
هنا يظهر أن الأميركيين والإسرائيليين عملوا على فكفكة خلية العمل الإيرانية في سوريا والعراق، بعد اغتيال رضي الموسوي، المسؤول اللوجستي لإيران في لبنان وسوريا. وجاء بعدها اغتيال الحاج صادق المسؤول الأمني لقوة القدس في سوريا والعراق، وصولاً إلى أبو باقر الساعدي. وهؤلاء جميعهم من فريق عمل قائد فيلق القدس قاسم سليماني. ما يبدو وكأن الأميركيين والإسرائيليين، يسعون إلى ضرب كل مراكز القوى الإيرانية المستمرة منذ عهد سليماني. وهذه الضربات تعمل طهران على استيعابها لعدم الانخراط في التصعيد.

استمرار التفاوض

وفي هذا السياق أيضاً، تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى بيروت. ولها أكثر من هدف، أولها تأكيد المرجعية الإيرانية ودورها وتأثيرها. فالإيرانيون لا يتركون ساحة من ساحاتهم من دون الإطلالة عليها أو المرور بها. خصوصاً بعدما تحول لبنان إلى مقصد لوفود كثيرة، فلا بد لزبدة هذه اللقاءات أن توضع في سلة طهران التي تثبت حضورها في المشهد الإقليمي. لا تنفصل زيارة عبد اللهيان عن زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني إلى بغداد، والتي شدد فيها على ضرورة التهدئة ومنع التصعيد وعدم إحراج الحكومة العراقية، التي يستمر التفاوض بينها وبين الأميركيين حول مسألة الانسحاب الأميركي من العراق. وهي لا تنفصل أيضاً عن المفاوضات القائمة بين طهران وواشنطن في سلطنة عمان. وهي تطل على ملفات متعددة، أبرزها الهدنة في غزة، ومستقبل الساحات في اليمن، سوريا والعراق ولبنان.

فما يريده الإيراني هو تحقيق الانسحاب الأميركي من سوريا والعراق كقوات قتالية، وليس بالمعنى السياسي. فتكون نتيجة ذلك الاعتراف الأميركي بالدور الإيراني في المنطقة.

يأتي عبد اللهيان في ظل المساعي القائمة للوصول إلى هدنة قابلة للتجدد في قطاع غزة. وهي ستنعكس على الوضع في لبنان. وزيارته هي لوضع الحلفاء في صورة المفاوضات الأميركية الإيرانية، على قاعدة أن كل الوفود الذين يأتون إلى لبنان ويقدمون اقتراحات، لا بد لهم أن يضعوها في النهاية داخل السلّة الأميركية الإيرانية، لأنه لا يمكن الوصول إلى حلّ من دون توافق أو تقاطع مصالح بين الجانبين. ومن بين ما يطرح في هذا الصدد هو توسيع اتفاق نيسان 1996 تحت سقف القرار 1701، كمرحلة أولى مرتبطة بالتهدئة في غزة، فيما المرحلة الثانية هي العمل على إعادة النازحين والمهجرين من الطرفين. أما المرحلة الثالثة، فهي معالجة الخلاف على النقاط المتنازع عليها، بينما يظهر تراجع في المطالب الأميركية حيال انسحاب حزب الله من جنوب نهر الليطاني، ليتحول المطلب إلى سحب حزب الله للقوات التعزيزية التي أدخلها إلى الجنوب بعد اندلاع المواجهات، بالإضافة إلى سحب الأسلحة الثقيلة، ولكن من دون سحب القوات والعناصر.