IMLebanon

“خربطة” الاتفاق على زيادة الحدّ الأدنى للأجور

جاء في “الأخبار”: 

يبدو أن الاتفاق على تصحيح الحدّ الأدنى للأجور سيتأخّر لسببين: الهيئات الاقتصادية لم توافق على سقف التصحيح المتّفق عليه بين وزير العمل مصطفى بيرم ورئيس الهيئات ليصبح 15 مليون ليرة بحجّة أنه ستترتب على المؤسّسات اشتراكات أكبر للضمان الاجتماعي. وممثلو العمّال يطالبون برفع الحدّ الأدنى إلى 20 مليون ليرة لتبرير ما قام به المدير العام للضمان محمد كركي حين أصدر مذكرةً لا سند قانونياً وعلمياً لها، رغم أنها تفرض على المؤسّسات التصريح عن حدّ أدنى للأجور بقيمة 20 مليون ليرة تحت طائلة الإحالة إلى التفتيش.يدرك ممثلو العمال وأصحاب العمل، أنّ التصحيح الفعلي للحدّ الأدنى للأجور قد حصل بالفعل من دون أن يصرّح عنه للضمان، حتى لا تدفع المؤسّسات ما يفرضه قانون الضمان من اشتراكات. لذا، إنّ الطرفين مربكان في التعامل مع هذه المسألة التي ترتّب أكلافاً وحقوقاً لثلاثة أطراف، فمن جهة يدفع أصحاب العمل الحصّة الأكبر من كلفة الاشتراكات، وبالتالي كلما ازداد الحدّ الأدنى المصرّح عنه، كلما ازدادت الكلفة المباشرة المتمثّلة في الاشتراكات، والكلفة غير المباشرة المتمثّلة في تسديد تسويات نهاية الخدمة. ومن جهة ثانية، يدفع العامل حصّة أقلّ من الاشتراكات، إلا أنه يستفيد من الزيادة في تعويضات نهاية خدمة التي تُحسب على أساس الراتب الأخير المصرّح عنه للضمان، وبالتالي كلما ازداد الحدّ الأدنى المصرّح عنه، سيحصل الأجير على تعويض نهاية خدمة أكبر، رغم أنه سيدفع حصّته من الزيادة في الاشتراكات. ومن جهة ثالثة، إن أيّ زيادة في الحدّ الأدنى للأجور، ولا سيما في الحالة الراهنة، تنعكس مباشرة زيادة في إيرادات الضمان، وترفع قدرته على زيادة التقديمات التي انهارت.

إذاً، مسألة تسويات تعويض نهاية الخدمة، هي المسألة الأساسية التي تحكم، حصراً، النقاش المتصل بتصحيح الأجور في القطاع الخاص. والنقاش كان يمكن أن يكون مختلفاً لو كان التصحيح الفعلي في السوق لم يحصل. فالشركات استبقت كل هذا النقاش ومنحت الأجراء زيادات تفوق الحدّ الأدنى، ولكنها لم تصرّح عن هذه الزيادات للضمان، بل صرّحت بأنها ملتزمة بالحدّ الأدنى الرسمي. والأجراء لم يسألوا عن هذا الأمر لأن تقديمات الضمان باتت تقارب الصفر ولا تمثّل من فواتير الصحة أكثر من 10%، فيما يدفع العامل من جيبه الخاص 90% من الفاتورة. والأجير لم يناقش رب العمل بإصرار للتصريح عن راتبه الفعلي للضمان، لأنهم يتعاملون مع تعويض نهاية الخدمة باعتبارها مسألة مؤجّلة وليسوا على اطّلاع وافٍ بشأن تسويات نهاية الخدمة وتأثيرها الكبير على قيمة التعويض.

في هذا الإطار، يصبح موقف الهيئات الاقتصادية وأصحاب العمل واضحاً لجهة محاولتهم التهرّب من تسديد تسويات نهاية الخدمة. هذه التسويات هي الفرق بين قيمة الاشتراكات المتراكمة في حساب الأجير المضمون لدى الصندوق، وبين ما يتوجب له بموجب معادلة احتساب تعويض نهاية الخدمة. هذه المعادلة تأخذ في الحسبان الراتب الأخير المصرّح عنه، وسنوات الخدمة. وبالتالي، إذا كان للأجير 20 سنة خدمة، فإنه يحصل على تعويض يوازي 20 شهراً من آخر راتب مصرّح عنه للضمان. لو كان الراتب الأخير 10 ملايين ليرة، فإن التعويض يكون 200 مليون ليرة، وإذا كانت حصّته من الاشتراكات لا تغطّي سوى 20 مليون ليرة (قبل الانهيار وتضخّم الأسعار كانت الـ20 مليون هي التعويض الوسطي)، فإن صاحب العمل بموجب القانون يفترض أن يدفع الفرق.

يضاف إلى هذا النقاش، مسألة خاصة لا تتعلق بالقانون، بل بالمذكرة التي أصدرها المدير العام للضمان محمد كركي، والتي تشير إلى أنه يفترض على أصحاب العمل التصريح عن حدّ أدنى للأجور بقيمة 20 مليون ليرة، وإلا سيحالون إلى التفتيش. لا أحد يعلم من أين اخترع كركي هذه المعادلة، ولا السند القانوني والعلمي لها، ولكن الواضح بحسب متابعين، أن رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر تلقّى أوامرَ مباشرة من مكتب العمال لحركة أمل لرفض أي طرح يقدّمه وزير العمل مصطفى بيرم ورئيس الهيئات محمد شقير لتصحيح الأجور على 15 مليون ليرة كدفعة على الحساب. والهدف من هذا الطرح تعطيل اتفاق شقير – بيرم لتبرير ما يقوم به كركي. فالأسمر أبلغ المعنيين أنه لن يوافق على طرح بيرم – شقير رغم «أنه كان بالجو» على حدّ قول أحد المعنيين في الهيئات الاقتصادية.

إذا كانت المسألة تتعلق بحقوق الأجراء، فيفترض أن يقدّم الأسمر طرحاً علمياً يستند إلى تضخّم الأسعار ورفع الحدّ الأدنى إلى 45 مليون ليرة بدلاً من 20 مليون. لكن ما يعزّز المعلومات بشأن الأهداف من وراء رفض الأسمر للطرح، أنّ الأسمر نفسه كان يساير أصحاب العمل طوال السنوات الماضية في كل التصحيحات السابقة من دون أن يطلب منهم تصحيحات علمية، بل كان يوافق على تصحيح «شلف». والـ15 مليون هي الأخرى «شلف». لذا، يتوجب العودة إلى تضخّم الأسعار لقياس التصحيح المطلوب وإجبار المؤسسات على التصريح للضمان بالأجور الفعلية.
بانتظار أن يحصل ذلك، يبدو أن لجنة المؤشّر لن تنعقد قبل رمضان لإقرار تصحيح الأجور.