IMLebanon

أمن بيروت “ع الله”

كتبت نزال نصر في “نداء الوطن”:

…وماذا في بيروت وبلديتها وماذا عن ناسِها وألف ماذا وماذا عن ليالي بيروت الجديدة التي تؤسس لجرائم يوميّة وسرقات وعبث بأمن البلاد والعباد؟ عناصر فوج حرس بيروت يلازمون مكاتبهم وينتظرون مثلنا الأمان الشخصي لينتشروا حرساً في العاصمة بيروت؟ عجيبٌ غريبٌ هو ما يحدث في بلادِنا حيث تنتهي القصّة عند لا شيء لتبدأ قصّة أخرى. هكذا انتهت قضية العنصر في حرس بيروت الذي ألقي القبض عليه بحجة أنه تسبب بسقوط دراجة كان من عليها يهرب في اتجاه ما. يُقال هؤلاء حرس بيروت ليسوا كفوئين لفرض الأمن وتوقيف الدراجات النارية المخالفة العابثة التي أغلبية ركابها سوريون. فماذا عن البديل؟ وهل يفترض ان نضع نقطة على آخر السطر وننسى؟
حسن يوسف العاصمي، العنصر في حرس بيروت، قابع في قبره بعدما أرداه سوري. هو شهيد الواجب. علي مشيك، العنصر الآخر في بلدية بيروت، شهيد حيّ للواجب أيضا. هو الذي اتهم بأنه ركل دراجة نارية يقودها سوري هارب فمات. وها هو قابع لكن في زنزانة. زياد المصري، الرقيب أول في فوج حرس بيروت، إنتهى به الدفاع عن بيروت ليرقد في القبر هو أيضا. ومثلهم أمثلة. الآن، العابثون في الأمن مطمئنون، فالتفلت يسود وهم، حرس بيروت، ما عادوا قادرين على لجم الفوضى والسرقات باللحم الحيّ. معهم حقّ. فليس هيناً على عناصر يقومون بأكثر من واجبهم من دون عتاد ولا حتى «كلبشات» حماية بيروت التي شهدت، ولا تزال، سرقات متتالية للأملاك العامة والخاصة من أسلاك كهربائية وإشارات سير وأغطية ريغارات ومواد حديدية ذات قيمة وطعنات في الصدر والظهر. غريبٌ هو أمر ست الدنيا ومن يمسكون زمام البلاد والعباد. كثيرون لم يعجبهم ما يقوم به هؤلاء الحرس. كثيرون اعتبروهم يتخطون واجباتهم. وكثيرون كثيرون لم ينتبهوا الى الفلتان الأمني المستشري في بيروت.

في مصعدٍ، سمعنا رسالة صوتية تلقاها سائقو الدراجات المخالفة: إنتبهوا، هناك دورية تحت جسر الفيات. فبدّل من يتجاوزون القانون طريقهم. هي رسالة أنبأتنا قبل ان نصل الى حالِ بيروت اليوم بأن الفلتان أقوى.

فلنسأل نائب بيروت غسان حاصباني الموكل باسم نيابته رفع صوت البيارتة تجاه ما يحصل: ماذا عن أمن بيروت بعدما انكفأ حراس بيروت، من يُمسك اليوم بأمن العاصمة؟ ومن هي الجهة المولجة بتطبيق قانون السير ومنع الدراجات النارية المخالفة؟ ومن يحرص على سلامة وأمن المواطنين من السرقات المتنقلة والمخالفات؟

يقول النائب الذي لا يستريح من متابعة أحوال المدينة: «في بيروت، وخلافاً للبلديات الأخرى أعطيت هذه المهمة للأمن الداخلي وبقي فوج الحرس البلدي ليعالج المخالفات المتعددة وحراسة الأماكن العامة. فوج الحرس خضع للتدريب الأمني سابقاً، ويحق له حمل ادوات دفاعية شخصية لحماية نفسه، لكنها غير متاحة حالياً من ضمن الإمكانات. يضيف: الإمكانات المحدودة حالت دون تسيير الدوريات الكافية للشرطة، مما زاد من عدد المخالفين في شتى الأحياء البيروتية، أكانت مخالفات لقانون السير او المؤسسات السياحية او الفاليه باركينغ وغيرها. وقد ناشد الاهالي والنواب المسؤولين لضبط الوضع، بعد ان ازدادت المخالفات على الدراجات النارية واصبحت تشكل خطراً كبيراً على السكان والزوّار في بيروت، إضافة إلى الباعة والمتسولين. إضطرّ فوج الحرس للتدخل وضبط الأمر، وتعرّض لمخاطر كبيرة واستشهد احد عناصره على يد سوري الجنسية في محلة مار مخايل في الأشرفية. لم يتحرك احد في ذلك الوقت، إلى حين سقط احد الدراجين سوري الجنسية عن دراجته عند هروبه من احد حواجز الحرس البلدي، فقامت الدنيا ولم تقعد، وتم توقيف الحارس بشبهة ركل الدراج. وأطلقت حملة على فوج الحرس البلدي واتهامهم بالعنصرية والبلطجة وتلقي الرشوة. واتخذ المجلس البلدي قراراً بسحب الحرس ومنعه من إقامة حواجز لإيقاف الدراجات النارية. وهكذا، عادت الساحة خالية لهؤلاء، لينتقلوا بحرية في شوارع بيروت. حصل ذلك من دون العمل على محاسبة البعض الذين تثبت عليهم تهمة الرشوة، ومن دون تجهيز فوج الحرس بخوذات وعصي وأصفاد وأدوات للدفاع عن النفس والحماية. وعلى الرغم من مناشدة النواب في بيروت لاعادة الحرس وتجهيزه بأدوات الحماية ومؤازرته من قبل قوى الامن الداخلي ليكملوا بعضهم بعضاً، ويحافظوا على انضباط الحواجز لضبط المخالفات، لم تتم العودة عن هذا القرار».

هل هناك من يغضّ الطرف عن كل ما يحصل لغرضٍ في نفس يعقوب؟ سؤال يطرح…

يقول نائب بيروت غسان حاصباني: «نرى أن الحملة تحولت إلى هجوم على محافظ بيروت (القاضي مروان عبود)، وهو يُشكّل السلطة الإجرائية المسؤولة عن فوج الحرس» ويستطرد حاصباني: «أصبح من هو مع وجود الحرس على الطرقات وكأنه مع المحافظ المسيحي، ومن هو ضدّ الموضوع يظهر على أنه مع المجلس البلدي المسلم. علما أن أعضاء المجلس البلدي مختلطون من عدة طوائف، وعديد فوج الحرس مختلط وقائده شيعي والحارس الموقوف من الطائفة الشيعية ايضاً. إذاً لا علاقة للطوائف بوضع الحرس واستتباب الأمن في بيروت ولا يوجد تسييس في الموضوع. ولعلّ وضع الملف في إطار طائفي شبهة إضافية حول هدف من يقومون بالحملة. ويجعلنا كل ذلك نطرح سؤالاً: هل هناك من هو وراء هذه الحملة على الحرس البلدي ومن يريد ان يحافظ على الدراجات النارية المتفلتة في شوارع بيروت؟ لمعرفة الإجابة، من الضروري البحث في طبيعة المخالفات والمخالفين. عدد كبير من المخالفين هم من التابعية السورية، لا يحملون اوراقاً تثبت شرعية عملهم ولا تراخيص الدراجات التي يقودونها. يعملون في خدمات التوصيل، وفي أحيان كثيرة تُضبط معهم مخدرات وأسلحة فردية. هناك عدد لا بأس به من اللبنانيين ايضا ضمن فئة المخالفين، لكنهم أقل اشكالية كونهم لا يخالفون الإقامات وقانون العمل وتقتصر مخالفاتهم بشكل كبير على الدراجات غير المسجلة والممنوعات. يبدو ان موزعي وتجار المخدرات هم من بين الأكثر تضرراً من ضبط وضع الدراجات المخالفة في بيروت، يلي ذلك المؤسسات التي تستفيد من خدمات توصيل رخيصة. وقد تكون هناك اجهزة وجهات مشبوهة تستخدم الدراجات للتنقل السريع مع مجموعات على تطبيق الواتسآب. فمنذ بضعة أشهر، تعرضت فتاة للتحرش في منطقة الرميل، فتدخّل شاب من الحيّ للدفاع عنها فاكتشف ان المتحرشين هم من الجنسية السورية، وسرعان ما حضر إلى المكان عدد كبير منهم بعد التواصل عبر الواتساب، وهاجموا الشاب بأدوات حادة مهددين بقتله مما اضطره لإطلاق النار ما تسبّب بإصابة شخص صودف وجوده في المكان. هذه الأحداث تتطلب وجوداً أمنيا أكبر في بيروت، ومع شحّ التمويل والقدرات للأمن الداخلي، لا بدّ من التضامن مع الحرس البلدي والشرطة لاستخدام العديد الكامل للعناصر المتاحة لتحقيق الأمن في بيروت. فهل يتحمل مجلس بلدية بيروت تفلت الوضع الأمني من جديد؟».

سؤال نائب بيروت واضح: هل يتحمل مجلس بلدية بيروت مسؤولية التفلت؟

ماذا في بلدية بيروت؟ القهر كثير. الحرس أضربوا عن العمل. هم اليوم قرروا الصمت أما غداً فلا. فماذا سيحصل؟ يجيب مصدر في المحافظة: «إنهم ينتظرون ما قد تؤول إليه قضية توقيف زميلهم علي مشيك، الذي يستمر «معتقلاً» (لا مجرد موقوف) في زنزانة قصر العدل. قاضي التحقيق الأوّل في بيروت بلال حلاوي أمر بالإبقاء عليه مع العلم أن أحداً لم يدعِ عليه من السوريين. هو لم يوافق على إخلاء سبيله. والخوف في هذه اللحظة من تحرك حرس بلدية بيروت، المتضامنين معه، ووعدوا بالنزول الى الشارع إذا لم يُطلق سراحه. المسألة ليست مسألة أيام بل ساعات».

نعود لنقول: ما يحصل مع فوج حرس بلدية بيروت غريب عجيب. فالعناصر لبوا النداء ونزلوا الى شوارع بيروت لقطع دابر الفلتان فوقعوا في الفخّ. فهل هذا معقول؟ الجواب في محافظة بلدية بيروت أن: كلّ شيء في لبنان أصبح معقولاً لكن عناصر الحرس هذه المرة لن يسكتوا».

قبل حين، يوم قُتل الحارس البلدي حسن يوسف العاصمي هذا ما قاله رفاقه. كنا هناك. كانوا، كما اليوم، حانقين وطالبوا بحقوقٍ وعتاد وعادوا وسكتوا. فهل المعادلة تبدلت اليوم؟ السلطة في لبنان تراهن على أن الناس قد يغضبون لكن سرعان ما يستعيدون رباطة الجأش. هذا ما اعتادت عليه. فهل تربح بيروت أم يخسر لبنان؟

تبقى تلك الضحكة التي صدرت «ملعلعةً» عن أحد السوريين (وليس جميعهم) في رسالة صوتية متبوعة بكلمتين: فكينالن رقبتن! هناك من الغرباء من يظنون أنهم ربحوا بجعلِ عناصر فوج حرس بيروت ينسحبون من الشارع. قهقهات هؤلاء سبّبت الكثير من الإستياء الى من هبوا لقمع الفلتان في العاصمة. فهل هذا مسموح؟ سؤالٌ موجّه الى كلّ من يظن نفسه مسؤولاً.