IMLebanon

من يسبق الديبلوماسية أم الحرب؟

كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:

هدنة أم لا هدنة في غزة؟ لم يعد السؤال مهما بعدما تأكد أن لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة متفقتان مع حزب الله على ربط المسارات بين الحرب في غزة من جهة والجنوب اللبناني من جهة أخرى. وهذا ما أكد عليه  الموفد الأميركي كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتاين أمام الشخصيات السياسية والعسكرية والنيابية التي التقاها في زيارته المقتضبة الثالثة إلى بيروت منذ اندلاع حرب غزة.

“ليس من حرب محدودة …ونحن مع حل ديبلوماسي” عنوان عممه هوكشتاين على من التقاهم، وهذه المرة بمروحة لقاءات واسعة شملت إلى الرسميين التقليديين الذين اعتاد الإجتماع بهم، نواب المعارضة والنائب السابق زعيم المختارة وليد جنبلاط . واللافت أيضا أن البيان الذي تلاه من عين التينة كان مكتوبا وضمنه توجهات مهمته، مما يؤشر إلى دقة وجدية المرحلة حيال الوضع المتفجر على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل.

مصادر متابعة لملف المفاوضات تلفت عبر “المركزية” الى أن هوكشتاين نقل في زيارته الأخيرة رسالة مباشرة من الأميركي والإسرائيلي تردنا إلى المربع الأول. ويلخص مضمونها “بفصل جبهة جنوب لبنان عن جبهة غزة”.

وتتوقف المصادر عند خلفيات عبارة الموفد الاميركي عندما قال”يجب وقف ما بدأ في 8 تشرين الأول”، أي عندما بدأ حزب الله الحرب على إسرائيل. ويفسر ذلك بالدعوة الصريحة للحزب لوقف إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية وعدم الربط بين غزة وجبهة الجنوب” وهذا الربط غير مقبول لا دوليا ولا أميركيا ولا إسرائيليا”.

ما رشح عن مفاوضات الهدنة في القاهرة لا يبشر بالمطلوب أي وقف العمليات العسكرية، لكن ما يعني اللبنانيين، تتابع المصادر، هو جبهة الجنوب.” ويبدو أن الإسرائيلي متشدد أكثر بما يحدث على الجبهة الشمالية. للمرة الأولى في تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل يصل التشدد الإسرائيلي إلى أقصى الحدود مما يعني أن ما يحصل على جبهتي غزة وجنوب لبنان هو مسألة حياة أو موت ويجب إيجاد حل ما”.

في ما يخص الموقف الأميركي، تشير المصادر العائدة من واشنطن، الى أن الولايات المتحدة تريد الهدنة ووقف الحرب، لكن الإسرائيلي لن يتوقف عند هامش الهدنة ولن يرضى بها لأنه يريد الحسم. ويعتبر أنه غداة كل هدنة هناك ثمن تدفعه إسرائيل لذلك تراه يصر على إحراز تقدم عسكري ما، رغما عن إرادة الموقف الأميركي. ومعلوم أنه عندما تتشدد إسرائيل يصبح الأميركي أكثر ليونة.

سقوط مفاوضات الهدنة في القاهرة لن يُغير في مسار القرار الإسرائيلي بالقضاء على حماس وتراجع حزب الله مسافة 10 كلم جنوبا لضمان أمن المستوطنات الشمالية. وتؤكد المصادر أن الهدنة المقرر إعلانها في إسرائيل هي لإيجاد حلّ للمدنيين في رفح لأن قرار “غزوة رفح” حتمي ولا عودة عنه وفق المصادر، تماما كما قرار القضاء على حماس في غزة. لكن هذه المرة من دون التضحية بالسكان المدنيين. ومن السيناريوهات المطروحة “تنظيف”شمال غزة وجعله خاليا من السلاح ونقل المدنيين إليه بعد نصب الخيم. ويأتي هذا السيناريو بعد رفضٍ مصري بنقل سكان رفح إلى سيناء.

وفي ما يخص الجنوب اللبناني يبدو أن إسرائيل لن ترضى هذه المرة بوعود كلامية لجهة تفريغ مساحة 10 كلم من سلاح حزب الله ووجوده العسكري إنما وفق آلية رسمية. فهل يحصل ذلك بالطرق الديبلوماسية أم أن الحرب آتية لا محال؟

حتى الآن لا تزال محركات القنوات الديبلوماسية تعمل وبشكل جدي ومكثف. وحتى لو اندلعت الحرب فالمفاوضات ستأتي في نهايتها كما في كل معركة. إلا أن المؤشرات تدل الى أن مفاوضات ما قبل المعركة لا تزال قائمة وفق المصادر مع إيران وحزب الله من جهة، والولايات المتحدة وفرنسا والخماسية من جهة أخرى. أما بعدها فلا يزال الغموض يلف الأطراف التي ستجلس إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة وإسرائيل. هل تكون المملكة العربية السعودية أم قطر ؟

مما لا شك فيه أن إسرائيل تفضل الجلوس مع السعودية والإمارات وتنظر إلى كلتيهما “كشريك طبيعي” لإعادة غزة وربما جنوب لبنان في حال وقوع الحرب. وتؤكد المصادر أن الحرب على غزة لم تقطع حبل ود المفاوضات بين إسرائيل والسعودية، وبالتالي فإن الكلام عن الإتفاق الذي كان بدأ قبل 7 تشرين الأول 2023 سيستعيد حيويته بعد انتهاء الحرب. من هنا تتمنى إسرائيل أن تكون المملكة العربية السعودية هي الشريك الطبيعي. إلا أن القرار النهائي يبقى رهن المملكة. وليس ما تتمناه إسرائيل قابل لأن يتحقق على هواها.

هذا في إسرائيل .أما في لبنان فالصورة غير واضحة بالنسبة إلى الشريك الطبيعي وبعدما كان السؤال “ماذا بعد غزة” بات الملح اليوم “ماذا بعد جنوب لبنان؟”. لأن أصداء طبول الحرب تتردد في حال لم تتوصل القنوات الديبلوماسية إلى فرض الحل. إلا أن زيارة هوكشتاين تعزز نظرية الحل السلمي وترتبط مباشرة بمسألة فصل المسارات بين حرب غزة وجنوب لبنان ولا دخل للإنتخابات الرئاسية في أي من اللقاءات التي أجراها الموفد الأميركي. فهل يأتي قرار الحل الديبلوماسي قبل أن تقرع طبول الحرب المتوقعة في لبنان؟

“طالما لم تنته الحرب في غزة هذا يعني أن قنوات الديبلوماسية لا تزال تعمل على أكثر من خط دولي وأوروبي وإقليمي. إلا أن هامش الوقت بدأ يضيق، والإسرائيلي متشدد إلى أقصى درجة ولن يقبل بحلول وسطية لا في غزة ولا في لبنان. كيف ستتم الترجمة؟ الجواب عند الإسرائيلي” تختم المصادر.